الانتخابات التركية.. ما بين كلمة السرّ الأميركية واستقلالية القرار التركي
لا يمكن تصوّر خفايا الانتخابات الرئاسية التركية بعيداً عن التدخّل الأميركي السياسي والاستخباري، وكذلك الاهتمام الروسي، ببقاء تركيا وحفاظها على مكانتها في المنطقة
-
الانتخابات التركية.. ما بين كلمة السرّ الأميركية واستقلالية القرار التركي
في زمانٍ تسيّدته الولايات المتحدة بمفردها لأكثر من ربع قرن، لم يعد بالإمكان العثور على معارضة مستقلة، خصوصاً في الدول التي تعاند أو تعارض السياسة الأميركية، المهيمنة والباحثة دائماً عن التدخّل في الشؤون الداخلية لغالبية الدول المؤثّرة والفاعلة سواء في محيطها أو في العالم، وباتت فكرة توحيد تلك المعارضات خديعة أميركية بحتة، وغالباً ما تنتهي بالفشل، بعد إدخالها في دوامة الحدث والهدف اللذين يخدمان الخطط والمصالح الأميركية..
وقد ينطبق هذا التوصيف على المعارضة التركية أيضاً، التي لا بدّ لها وأن تصطدم بطموحاتها السياسية، وبتناقض برامجها الانتخابية، وبشكل ولون الأطياف والشرائح الشعبية التي تمثّلها، أو تلك التي ستصوّت لها في الانتخابات الرئاسية المقبلة.
وهذا قد يفسّر الانقسام في كتلة المعارضة التركية المكوّنة حالياً من ستة أحزاب، وبالاعتماد على ما نشرته وسائل الإعلام التركية، يبدو أن زعيمة حزب الجيد-يمين الوسط-ميرال أكشنر، رفضت دعم زعيم حزب الشعب الجمهوري كمال كليجدار أوغلو، صاحب الأربعة والسبعين74 عاماً، كمرشح معارض ووحيد في الانتخابات الرئاسية المقبلة في14أيار/مايو. ومع ذلك، لم تعلن انسحابها من الكتلة السداسية المعارضة، واكتفت بإعلان موقفها السلبي تجاه المرشح الرئيسي للمعارضة السداسية، فهل تبحث السيدة أكشنر عن مصالحها وحزبها في الانتخابات البرلمانية فقط، أم تبحث عن تحالفات جديدة تلبّي طموحاتها وحزبها ومؤيّديها؟.
وهل يكون "الشرخ" الذي أحدثه موقف ميرال أكشنر داخل الصف المعارض، أحد أسباب الرفض الحازم الذي أبداه الرئيس إردوغان لتأجيل موعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية العامّة، أم أن دافعه الأساسي هو حالة البلاد التي لا تقبل الانتظار في ظل الزلزال الكارثة، وقد تكون لديه مخاوف من استغلال المعارضة لتداعيات الزلزال، والسخط الشعبي، الذي حمّل إدارته وحزبه نتائج التلاعب بتراخيص الأبنية ومواصفاتها الفنية، التي فضحت نفسها بنفسها من خلال الزلزال.
مهما يكن من شأن الحسابات الداخلية التركية، لكنّ الواقع يؤكد أن تداعيات الزلزال ساهمت بدفع الولايات المتحدة نحو تأجيل إعادة تقييم علاقاتها مع الرئيس إردوغان، وبالمقابل منحت الرئيس إردوغان والأتراك عموماً، الفرصة لمراقبة واختبار سلوك ومساعدات حلف الناتو ودوله تجاه تركيا في ظل قساوة وكارثية تداعيات الزلزال، والأزمة المالية والاقتصادية، ومشكلة التضخّم التي تعاني منها تركيا أصلاً.
وهي بطبيعة الحال فرصة ثمينة لن يهدرها إردوغان، وسيسعى لاستعادة علاقاته الطبيعية السابقة مع الولايات المتحدة، للحصول على القروض، وعلى المساعدات والاستثمارات الغربية والدولية، والتي تشكّل بحد ذاتها حلولاً لمشاكله الداخلية خصوصاً الاقتصادية منها، وستصبّ نتائجها الإيجابية في العملية الانتخابية.
لا يمكن للرئيس التركي الاتكاء على هذه الصورة الوردية للنجاح والفوز في الانتخابات الرئاسية، فالعودة إلى حالة الوفاق التام مع الولايات المتحدة ليس بالأمر السهل، والصعوبة والخطورة تكمن في التفاصيل الصغيرة والكبيرة على حدٍ سواء، إذ لا يمكن التعويل على حقيقة تقدّم كليجدار أوغلو في السن، فالرئيس إردوغان يجاريه في السن أيضاً، بل لا بدّ له من الحذر من بعض من يقفون وراء ترشيح كليجدار أوغلو، أو انسحبوا، وتمترسوا وراء دعمه، كرئيسي بلديتي إسطنبول وأنقرة، ناهيك عن المعارضين "الأشداء" المعروفين في السباق الرئاسي كـعلي باباجان، وأحمد داوود أوغلو صاحب فكرة المرشح الواحد لتمثيل المعارضة.
لا يمكن تصوّر خفايا الانتخابات الرئاسية التركية بعيداً عن التدخّل الأميركي السياسي والاستخباري، وكذلك الاهتمام الروسي، ببقاء تركيا وحفاظها على مكانتها في المنطقة، خصوصاً وأن العلاقات الروسية – التركية شهدت تطوّراً كبيراً، ومن المهم لروسيا والصين وعشرات الدول، انخراط تركيا في علاقات التعاون مع كل دول الجوار والعالم، وأن تؤدي دورها التاريخي المستقل كصلة الوصل بين الشرق والغرب بعيداً عن أحلام تحوّلها إلى دولة أوروبية بالمطلق، ووضع نفسها في خدمة مصالح الولايات المتحدة، كما يفعل الأوروبيون. .
يبدو أن الانقسامات الداخلية للمعارضة ، تتخطى اعتقاد كليجدار أوغلو بفشل فكرة المعارضة الموحّدة، كذلك على ما أعلنته ميرال أكشنر برفضها دعم العجوز كليجدار أوغلو، وقد تشهد الفترة المتبقية للانتخابات تكتيكات جديدة، وترشيحات وتحالفات جديدة أيضاً، وليس بالضرورة لها أن تبقى خماسية، وسط الحديث الإعلامي عن تشكيل ما تسمّى "القوة الثالثة"، التي تضم أحمد داوود أوغلو، وتميل كارامولا أوغلو، ومارال أكشنار، وأن يكون مرشحهم سليمان دميرطاش، زعيم الحزب الديمقراطي الموالي للكرد، الذي سيجد فيها فرصةً مواتية للتحالف مع إردوغان، خصوصاً وأن تداعيات الزلزال أصابت المحافظات الجنوبية الشرقية بشكلٍ رئيسي، والتي يشكّل الكرد غالبية سكانها.
مهما يكن من شأن التحالفات وأسماء وأعداد المرشحين للرئاسة، تبدو مهمة الرئيس إردوغان في انتخابات أيار/مايو 2023 صعبة للغاية، وتتعلّق بكلمة السرّ التي قد ترسلها واشنطن في ليلةٍ وضحاها، في وقتٍ يبحث فيه إردوغان بين ركام الزلزال والأوضاع الجيوسياسية الصعبة لبلاده عن المزيد من الاستقلالية السياسية.