بعد دعم حزب الله فرنجيّة للرئاسة.. فيتوات بالجملة
إعلان السيد نصر الله دعم ترشيح فرنجية سيفضح ادعاءات القوى المحلية المستنجدة بالخارج في معركتها الداخلية لانتخاب رئيس جمهورية
-
بعد دعم حزب الله فرنجيّة للرئاسة.. فيتوات بالجملة
أعلن السيد حسن نصر الله دعم ترشيح سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية، قائلاً ما معناه: "هذا مشروعٌ ندعمه، وليس هناك من خطط رديفة، فهاتوا مشاريعكم". بذلك، وضع نصر الله كل القوى السياسيّة أمام مسؤولياتها في طريق انتخاب رئيس يكون مفتاحاً لبدء حل الأزمة اللبنانية.
لكنّ أبرز القوى التي باتت محشورة في الزواية نتيجة هذا الإعلان، هي القوى التي أوغلت في وضع الفيتوات على فرنجية، ومنها من حاولت كعادتها، استدراج مواقف دولية وعربية لدعم موقفها، ونسبت لهذه الدول رفضها لفرنجية، بينما لم يصدر عن هذه الدول أي موقف بهذا الخصوص، لا بل أن الدول الخمس التي اجتمعت في باريس الشهر الفائت لبحث الوضع اللبناني أعلنت صراحة أنها لا تدخل في لعبة الرئاسة بدعم مرشح معيّن، لأنها تتقن لياقة الدول الدبلوماسية.
وإذا لم تستحِ القوى المحلية من الإجهار باعتمادها على الخارج، واستقوائها به، كعادتها في مختلف مراحل الحروب الأهلية اللبنانية، لكن، بالمنطق العام، دول الخارج ليست لعبة بأيديها، ولا تقبل على نفسها هكذا تدخّل مرفوض دبلوماسياً.
إعلان السيد نصر الله دعم ترشيح فرنجية سيفضح ادعاءات القوى المحلية المستنجدة بالخارج في معركتها الداخلية لانتخاب رئيس جمهورية، وسيتضح من دون شكّ أن هذه الدول لم تحدّد موقفاً، ولا يهمّها وضع فيتوات على أحد، وإن كان محسوباً على قوى "الممانعة"، واحدة من العبارات المستخدمة بصورة مكشوفة بهدف التعبئة، وحقن الأنصار.
سيتضح عاجلاً إن كانت أي من الدول، لها موقف مضاد لفرنجية، وسينفضح دور الإعلام المأجور الذي يستدرج مواقف كاذبة يلعب لعبة التشاطر بها بأن ينسب المواقف إلى مصادر، حيناً "موثوقة"، وحيناً "مطلعة"، وأحياناً على "دراية"، وما إلى هنالك من عبارات ممجوجة، تافهة بتفاهة مستخدميها زوراً وكذباً، جاعلة من الإعلام مطيّة رخيصة لأهوائها.
لكن الدول الكبرى، خصوصاً دول باريس الخمس، لم يصدر عنها أي موقف، والأرجح أنه لا يهمها ذلك على ما صدر عنها، وكل ما يهمها أن يكون هناك رئيس يمكنها التحاور معه، والوصول إلى تفاهمات عبره تسهّل مصالحها في البلد. وذلك ما صدر علانية عن بعض أطراف هذه الدول، وما يمكن لفرنجية أن يقدّمه بهذا الصدد، قد لا يتمتع به مرشح سواه.
الفيتو على فرنجية
من القوى من أيّدَ فرنجية، ومنها من رفضه، وهذا حق ومنطق، لكن لم يضع أحد "الفيتو" على فرنجية إلا فئتان نهلتا تاريخياً من المدرسة عينها. إنهما، أساساً، موارنة الحداثة، هذه الفئة التي حصرت نفسها بالدور الذي رسمه المستعمر لها، واستأثرت بمكتسبات السلطة في فترات طويلة، فكانت معادلة الاستئثار - الغبن، من مرتكزات الحرب الأهلية.
بعد متغيراتٍ في موازين القوى، طرحت هذه الفئة من موارنة الحداثة مشاريع التقسيم، والفيدرالية، ودفع طوني فرنجية حياته، وحياة عائلته، ورفاقه، ثمن موقفه الرافض لهذا الطرح في خلوة سيدة البير 1977، حيث انسحب من الخلوة، مشدّداً على لبنان الموحّد، وهو شعار اعتمده "المردة" كتيار سياسي في عملهم.
وضعت هذه الفئة من الموارنة "الفيتو" على سليمان فرنجية لأنها تخشى إشهار موقف عروبي، مقاوم، وتظهيره، وتعميمه، كي لا تنكشف خفايا ارتباطاتها. فموارنة شمال جبل لبنان هم أصل الموارنة، ومن هناك انتشروا؛ من إهدن حيث أقدم كنيسة مارونية هي كنيسة "مار ماما"، ووادي قنوبين حيث أقام مختلف البطاركة الموارنة في لجوئهم إلى الجبال.
هناك، في شمال جبل لبنان اكتسب الموارنة لقب "المردة" الذي تباهوا به في تواريخهم المختلفة. هناك أصل المارونية اللبنانية، ولا عجب أن تتمسّك بعروبتها، فهي سريانية، أي سورية، والقديس مارون ظهر في الشمال السوري، المكان الذي زاره وفد ماروني كبير بداية ولاية الرئيس ميشال عون لسدّة الحكم.
لذلك، من أراد أن يكتسب الحق الماروني بوضع فيتوات، عليه أن يستمدّ من مارونية الشمال بعضاً من عروبتها. أمّا الفئة من الموارنة التي تضع "الفيتو" على فرنجية، فلا أهلية لها لذلك، ولا حق، وإن ابتدعت هراءً، في الفترة الأخيرة، ادّعاء "الميثاقية" لرئيس الجمهورية.
في هذا "الفيتو"، وبمنطق "الميثاقية" المستخدم للهجوم ضد المنافسين، تسقط هذه الفئة من الموارنة مجدّداً في امتحان وطنيتها، فرئيس الجمهورية، بداهةً، وبحسب الدستور، ماروني الهوية، لكنه رئيس لكل لبنان، ولكل اللبنانيين، ويحق لبقية الفئات اللبنانية من مسلمين ومسيحيين أن تختار رئيساً لها لا تقبل به هذه الفئة من الموارنة تحت حجة "الميثاقية" كنزعة متوترة، خارجة من نزعات الحرب الأهلية، وخنادقها النتنة.
وإذا كان منطق الميثاقية مقبولاً، ويُعمل عليه، فلماذا العمل بالدستور، والقوانين التي لا تأخذ هذا المنطق بعين الاعتبار؟ هذا المنطق يوصل إلى تعليق العمل بالدستور، وأن تختار كل فئة الرئيس الذي ينتمي بهويته الطائفية إليها.. أي العودة لمنطق الفيدرالية، والتقسيم، وما شابه من أوهام.
ولا حاجة للقول بأن من يضع "الفيتو" على فرنجية سببه المنافسة على مقعد الرئاسة، ولا سبب آخر، فمارونيته أصيلة، ومارونيتهم زائفة استغلالية، وهي الفئة عينها التي تسبّبت بحروب أهلية في داخل الجسم الماروني على الخلفية عينها: الصراع الداخلي في الطائفة على الرئاسة، وكان من نتائج حروبها تدمير المجتمع الماروني، وتهجير أهله في فترات معروفة.
السيد نصر الله بإعلان دعمه فرنجية، بوضوح، أصاب عدة أهداف بحجر واحد، ومنها: كشف زيف ادّعاء "الميثاقية" من دون أن يسميه، وفضح تلفيق الأخبار المستدرجة من دول التأثير في الملف اللبناني، وإتاحة الفرصة لتظهير المواقف الدولية الحقيقية من العملية الانتخابية، ووضع المهتمين بانتخاب رئيس جمهورية أمام مسؤولياتهم، والتعجّل في عملية الانتخاب إنقاذاً للبنان من مأزقه.