سوريا وتركيا: هل التقارب ورقةٌ بيد إردوغان في الانتخابات الرئاسية؟
في ضوء استطلاعات الرأي الأخيرة التي ترجّح فوز مرشح المعارضة التركية بالانتخابات، يمكن القول إن التفاوض مع تركيا بات أمراً استراتيجياً.
-
سوريا وتركيا: هل التقارب ورقةٌ بيد إردوغان في الانتخابات الرئاسية؟
كثرت في اليومين الأخيرين الإشارات التي تتحدّث عن اجتماعٍ تركيٍّ-روسيّ-إيرانيّ-وسوريّ في موسكو على مستوى نواب وزراء الخارجية، الهدف منه، في حال حصوله، التمهيد لاجتماع وزراء الخارجية.
وفي إطار سبر أجواء حلفاء سوريا وتصريحاتهم، لا يُخفى على أحد أنهم يدفعون بقوة، خاصةً روسيا، إلى عقد اجتماع قمةٍ بين إردوغان والرئيس السوري بشار الأسد.
في المقابل، التسريبات الإعلامية الصادرة من الجانب السوري توحي بأن لا اجتماع على مستوى نواب وزراء الخارجية إلا إذا كان من ورائه نتائج ملموسة. كما أن هناك تسريبات أخرى تتحدث عن سلّة يجب الالتزام بإعلانها وتنفيذها قبيل حصول اجتماع القمّة الذي تدفع إليه موسكو والإمارات والمتّحدة وحتى إيران.
السؤال الذي شكّل مثار جدلٍ خلال الشهرين الماضيين، وأفرز انقساماً في صفوف المهتمين بالشأن السياسي والمحللين السياسيين هو: هل من مصلحة سوريا منح إردوغان ورقة اللقاء، وبالتالي التأثير في نتائج الانتخابات الرئاسية التركية لمصلحته؟
أشرت في مقال نشر في الميادين قبل نحو الشهرين إلى أن "التفاوض ضرورة"، طبعاً في حينها، كان السؤال السابق يؤدي إلى فرزٍ بين من يريد أن يدفع إلى التفاوض، وبالتالي يغفل الفائدة التي من الممكن أن يجنيها إردوغان، وإن لم يغفل، يتعرض للمساءلة حول عدم تفضيله للمعارضة التركية، وبين من لا يريد منح إردوغان ورقة.
مع أن الأمر ليس كذلك مطلقاً، والدفع بخيار التفاوض مع التركي المستند إلى وساطة روسية يندرج في سياق تهشيم جدران العزلة، وتنشيط مسارات التواصل والتطبيع الأخرى مع الدولة السورية، فضلاً عن انعكاسات أي تطبيعٍ مع تركيا على الوضع في شمال غرب سوريا حيث مناطق سيطرتها، وانعكاس التفاهم أيضاً على التكتيك الأميركي القاضي بجمع تركيا والكرد، من دون أن نغفل الانعكاس المباشر لأيّ تقاربٍ سوريّ- تركيّ على منطقة شرق الفرات، وتمتين مسار أستانا باعتباره المنبر الوحيد لتفسير الرؤى الدولية والإقليمية حول الحلّ في سوريا.
اليوم، يبدو أن السؤال الأسبق يجب إعادة صوغه بطريقةٍ أخرى: هل التقارب مع تركيا واللقاء معها على أعلى المستويات، وقبيل الانتخابات التي لم يتبقَ لها سوى شهرين، ستمنح إردوغان ورقة القوة التي يريدها؟
في سياق الإجابة عن هذا السؤال، وفي ضوء استطلاعات الرأي الأخيرة التي ترجّح فوز مرشح المعارضة التركية بالانتخابات، يمكن القول إن التفاوض مع تركيا بات أمراً استراتيجياً اليوم في ضوء:
أولاً، العمل على مسايرة رغبات حلفاء سوريا ومنحهم هذه الورقة.
ثانياً، إجماع المعارضة التركية على ترشيح كمال كليجدار أوغلو للرئاسة، واستطلاعات الرأي التي لم تعد تمنح إردوغان أفضلية الفوز.
ثالثاً، مسارات الانفتاح العربي على سوريا، والتي إن كانت شكلاً منفصلةً عن مسار الانفتاح التركي، وأتت على خلفية الزلزال الذي ضرب سوريا في ما بات يُعرف بـ"دبلوماسية الزلازل"، لكن لا يمكن لأحد أن يغفل التقاء المسارات في لحظة سباقٍ نحو التطبيع مع الدولة السورية وقطف ثمار التقارب معها، سواء على مستوى الوساطات المتعددة والمتشابكة لأزمات الإقليم، أو لجهة ما يمكن أن يفرزه الاتفاق الإيراني-السعودي على استئناف العلاقات بين البلدين على مستوى تبريد أزمات المنطقة، وساحات نفوذ كلّ منهما في الإقليم.
رابعاً، السياسة الأميركية في سوريا المستندة إلى استمرارية الاحتلال، وتأكيد حيوية التحالف مع ميليشيا "قسد"، وهو ما عكسته زيارة رئيس الأركان الأميركي إلى بعض المناطق المحتلة في سوريا.
العوامل السابقة توصلنا إلى إجابةٍ أكثر تحديداً عن السؤال السابق مفادها: أن التفاوض مع إردوغان اليوم لا يمنحه ورقةً لتدعيم حظوظه في الانتخابات، حتى لو كان هو يرى ذلك. فالمعطيات مختلفة وديناميات التنافس الداخلي التركي، وآثار الزلزال المدمّر على تركيا غيّرت صورة المشهد. فالرجل مستعدٌ اليوم وفي هذه اللحظة بالذات لإبداء ليونةٍ أكبر من أجل قطع الطريق على المعارضة التركية في توظيف ملف سوريا ولاجئيها في تركيا، وسياسة إردوغان في سوريا في الانتخابات الرئاسية في أيار/مايو القادم.
وبالتالي، فإن قابلية انتزاع تنازلاتٍ منه اليوم أقرب إلى ما تريده الدولة السورية هي إمكانيةٌ قائمةٌ بقوة. وهي، إن كان هناك خوف من فوز إردوغان، تعزز خطاب المعارضة التركية في مواجهته من جهة، ومن جهةٍ أخرى، تقلقل قاعدته الانتخابية المحافظة التي تبنّت ملف اللاجئين السوريين، ودعم الميليشيات المسلحة الأصولية في سوريا على أساس خطابٍ مذهبيٍّ موجّه يعدّ أحد أهم أسلحة أحزاب تنظيم "الإخوان" في اجتذاب القاعدة الشعبية وتوسيعها.
وفي حال فاز إردوغان بالانتخابات المقبلة، فإنه لا يمكنه الانقلاب على هذه التفاهمات بالسهولة المتوقعة، فملف اللاجئين السوريين، والعنصرية التي تتوسع في المجتمع التركي، وضغط الأزمات الاقتصادية، ليست أمراً يمكن حلّه بتفاهمات مؤقتة، ومناورةٍ سياسية.
أما في حال لم يفز الرجل بالانتخابات، فإن التفاهم السوري- التركي المفترض لم يتم الانقلاب عليه؛ كون خطاب المعارضة التركية هو خطابٌ مناهضٌ منذ سنوات لسياسة إردوغان في سوريا، وحتى إن كان هناك افتراقٌ بين الأحزاب الستة للمعارضة حول بعض تفاصيل الملف السوري، فإن اتفاقاً سورياً- تركياً مفترضاً في عهد حزب "العدالة والتنمية" يوفر منبراً اليوم لمهاجمة سياسات إردوغان الخاطئة في سوريا، والتي هي أساس خطاب المعارضة في ما يخص الملف السوري.
وبالتالي، فإن تراجع المعارضة عن التزاماتٍ قد يبرمها إردوغان في ما يخص اللاجئين ووضعية الاحتلال التركي في سوريا، غير ممكن، ولا يمكن الانقلاب على حلّ وفق ما تطالب به الدولة السورية، وهو ما يؤيده مرشح المعارضة كمال كليجدار أوغلو.