ليلة الاعتقال: إسرائيل تختطف الشيخ!
المكان: منزل الشيخ عبد الكريم عبيد إمام بلدة جبشيت، جنوب لبنان...الزمان: قبل 27 عامًا، بعد ساعة ونيّف من منتصف ليلة الجمعة 28-7-1989
صوتُ طرقٍ قويٍّ على باب المدخل
الرئيسي للمنزل، مسرعًا وخائفًا أركض لغرفة والدَيّ، تنهض "أم ساجد"
وتأتي معي، "أبو ساجد" يلتفت إليّ التفاتةً، لم أكن أعرف أنها لن تتكرّر
قبل 14 عامًا و6 أشهر ويوم واحد.
أصبحنا عند الباب، أمي تضيء "لمبة
الفلوريسون" البيضاء، وتصفر "اللمبة" صفيرها، وتضيء خارج الباب
بتدرّج.
"ما حدا يتحرّك"، يصرخ فينا
"العميل" بلهجة قرويّة، وما هي إلا لحظات حتى ينخلع باب المنزل ويصبح
المكان كلّه مضاءً، أحاول النظر في وجوههم، لا أستطيع، فالضوء المنبعث من أسلحتهم
قويٌّ لدرجة أنه يجبرني على إغماض عينيّ وتسكيرهما.
أجلسونا على الكنبة في غرفة قرب
الباب، أمي وأنا، وأكثر من 20 جنديا دخلوا علينا، وكلهم سؤال واحد بالعربية
المكسّرة: "وين شيخ؟ وين شيخ؟"
"مش هون" كان جواب أمي،
وأنا حتى هذه اللحظة لا أعرف من هم؟ ولماذا أتَوا؟ وما هدفهم؟ ولماذا يسألون عن
أبي؟!
لحظات، يخرج الجنود كلّهم من الغرفة،
كأنّ أحدًا ناداهم لشيءٍ مهم، عرفَت أمي أنّهم وجدوا أبي، فخرجت إلى الشرفة، تصرخ
بما أوتِيَت من صوت وإيمان ومقاومة: "الله أكبر، إجِتْ إسرائيل".
نسمع صوت "تكتكة" الرصاص
"الكاتم" من الشارع نحو الشرفة، يهرع الجنود بشكل سريع إلينا، يُدخِلون
أمي عنوةً إلى الغرفة، يكبّلون يديها خلف ظهرها بالأصفاد الحديدية، ويصرخ أحدهم
بالعربية المكسّرة "أُسكتِي، أحسى ما قوّصك"، وبندقيته في ظهرها.
يذهب الجنود مرة أخرى نحو الغرف
الداخلية، أمي تطلب مني أن أفتح باب الشرفة مجدّدًا، لتعود إليها وتحاول طلب
المساعدة وإخبار الناس أو الجيران أو أي أحد يسمع، هذه المرة كان الجنود أسرع منا،
ومنعونا من الخروج للشرفة، ووضعوا جنديًّا "حارسًا" علينا عند باب
الغرفة.
حاولت استراق النظر من باب الغرفة نحو
الغرف الأخرى، عَلّي أرى شيئًا ما حول والدي وإخوتي الأربعة، حال بيني وبين رؤية
أي شيء ذلك الضوء المبهر للعين المنبعث من بندقية الجندي الواقف على باب الغرفة،
وحينها بدأ يصرخ عليَّ بالعبرية بكلمات لم أفهمها.
بعد دقيقة تقريبا، لاحظت أنّ الجندي
الموكل بباب الغرفة يسير للخلف ووجهه لنا، حتى أصبح على باب المنزل، ركضت نحوه
لأكتشف ماذا جرى؟ لم ألاحظ شيئًا، عدتُ بعدها للغرفة وخرجت إلى الشرفة، نظرت
للشارع تحت المنزل، لمحتهم ينسحبون ويحملون أحدًا بلباس أبيض على حمّالة الإسعاف.
"أركض، قتلوا بيّك"، قالتها
أمّي، وهي تتألّم من الأصفاد في يديها خلف ظهرها، هرعنا إلى غرفة أبي، لم نجده على
السرير، قالت أمّي حينها: "أخدوه معهم".
يتبع…
في الحلقة المقبلة:
كيف قاوم الشيخ عبد الكريم عبيد
مختطفيه؟