"الحارة": ملحمة شعبية رابعة للسينما الأردنية في 9 سنوات
بـ 3 أفلام رسّخ الأردن صورته السينمائية المضيئة: "ذيب" – عام2014، و "فرحة" – 2021، وبعده: "بنات عبد الرحمن" – وصولاً إلى الرابع: "الحارة"، الذي نحن بصدد قراءته كونه ملحمة سينمائية شعبية متقنة.
-
الحارة: ملصق الفيلم
قبل 32 عاماً صوّر المخرج السوري نجدت أنزور الشريط الروائي الطويل: "حكاية شرقية"، بممثلين أردنيين، فاعتبر أول فيلم أردني لأن البلاد لم تعرف السينما قبل العام 1991، وطويّت الصورة حتى ظهور: "ذيب"، للمخرج ناجي أبو نوار، الذي شكل مفاجأة كبرى، أتبعتها المخرجة دارين ج سلاّم بشريطها الرائع والمؤثر عن القضية الفلسطينية: فرحة. ثم: بنات عبد الرحمن – للمخرج زيد أبو حمدان.
ومع: "الحارة" لـ باسل غندور، نصاً وإخراجاً اكتمل العقد، وبات للسينما الأردنية أرضية رباعية الأضلاع تفخر بها. إنها ترتكز على أسس ممتازة ومع أفلام 3 منها ظهرت في عام واحد قبل عامين، بما يؤشر إلى أن الفرص حين أُتيحت لعدد من المبدعين الشباب في الأردن أتحفونا بـ 3 أفلام ممتازة ومتلاحقة بعد 7 سنوات على رائعة :"ذيب".
-
الأردني منذر رياحنة في شخصية عباس
هذا التنامي للسينما في الأقطار العربية التي أطلقت أفلاماً جادة ومميزة، جعل الإهتمام يتركز عليها لتقوية ظاهرتها بغية التواجد في المنابر السينمائية العالمية طالما أن أفكار الشباب عندنا تحظى بقبول خارجي طيب مهنياً وإنسانياً.
"الحارة"، شكّل بالنسبة إلينا مادة دسمة للتعامل معها بتقدير واحترام لأنها ذات مستوى نخبوي وإن كانت تتناول الحياة والحيثيات داخل إحدى الحارات في ضواحي العاصمة الأرنية عمّان، استناداً إلى نص بارع عميق وحيوي رصد الأحوال التي تعيشها الفئات الشعبية في الحارة مع تعدد نماذجها، ووجود عصابات محلية تفرض الخوّات على المحال التجارية، بينها واحدة يقودها عباس – في دور موفق جداً لـ منذر رياحنة، تساعده هنادي – في شخصية سادية بالغة الإبداع للممثلة القديرة ميساء عبد الهادي.
-
مخرج الفيلم وكاتب نصه المبدع باسل غندور.
الاكتشاف الحقيقي لنا في الفيلم هو الممثل عماد عزمي – في دور علي الباحث عن فرص للربح السريع ومحاولة تغيير نمط حياته بالبحث عن حياة أخرى في مكان آخرغير الحارة، لكنه انتهى جثة محترقة في أحد مستوعبات النفايات، وهو وجه قابل لأداء شخصيات متلونة في أعمال محلية وعالمية، وقد ذهب ضحية مزدوجة لتهوّره وحبّه للحسناء لانا – الأميركية بركة رحماني من مواليد كاليفورنيا في كاستنغ منحها فرصة ذهبية للتواصل بصدق مع دورها.
وهذا إذا كان يعني شيئاً فهو أن "الكاستنغ" كان موفقاً 100%، حيث لمعت الممثلة نادرة عمران في دور أسيل - والدة لانا، التي حاولت القيام بمهمات زوجها ضعيف الحيلة لحماية إبنتها من علي الذي اعتاد التسلل ليلاً إلى غرفتها عن طريق سطح المبنى، وقضى بمقص في رقبته حين أخطأت أسيل باعتقادها أن علي آذى لانا بعدما تركته في وقت وافقت على الهرب معه والزواج في إسطمبول، وحين رأت مالاً كثيراً ومسدساً معه رفضت المشروع برمته وتركته وحيداً.
إنه فيلم الحكايات الصغيرة الكثيرة التي تتشابك بعفوية ثم تتفكك أكثر من مرة، لكنها في الختام صنعت فيلماً مؤثراً جميلاً جداً يملأ القلب مشاعر خاصة وهو من وقت لآخر يستدر دموعاً صادقة وحارة.