"السد": عنوان اقتصادي ومضمون سياسي إنساني عن السودان
80 دقيقة ترصد الحياة في محيط سد أروي السوداني في فيلم: السد، للبناني علي شري مع عمال الطوب الذين يستخدمون طمي النيل لصناعة الأحجار وبينهم ماهر الذي يُنجز شكلاً ترابياً يتحدث إليه.
-
السد: ملصق الفيلم بالفرنسية
فيلم خاص جداً. لا هو وثائقي، ولا روائي، إنه شريحة إنسانية درامية اختار صاحبها عامل الطوب العادي: ماهر – ماهر الخير، أن يعبر عن مكامنه من خلال مادة الطمي التي تُستخدم في صناعة حجارة البناء بعد تجفيفها، لكي يُنجز شكلاً غير مفهوم الهوية يفاجئه لاحقاً بأنه ينطق بإسمه ويعرف قدر معاناته وتعبه ووفاءه لموهبة فنية فذة يتمتع بها.
حياته عادية بالغة الرتابة، يملأها بالتعاطي الحنون مع التكوين المشهدي بينما لم يُفاجأ به عندما خاطبه بإسمه وسأله عن أحواله ولماذا يبدو ساهماً طوال الوقت، وما الذي ينتظره من الحياة التي يعيشها خصوصاً وأننا نراه مبتسماً على الدوام من دون أن يكون معه أحد يُحفزه على ذلك.
ولكن المفارقة أن هذه الحال التي يرتاح لها ماهر تتناقض مع الأوضاع السائدة في السودان، وأبرز أحداثها سقوط نظام الرئيس عمر البشير، والتداعيات التي تشهدها العاصمة الخرطوم، فيما يبدو ماهر راسماً خطوط حياة مستقلة عن هذا الواقع في مكان بعيد عن التطورات غير المطمئنة، وكأن هذه العزلة شكلت له نعمة حمته من أخطار ما يجري.
لا توجد شخصية أخرى معه، فقط هو والطين النيلي، وما تبقى عمل لا رقابة عليه إذن هو يتمتع بكامل حريته لفعل ما يريد، رجل في مواجهة الطبيعة، يتآلف مع السد، ويجد في الحيثيات البسيطة من حوله مادة للتطويع وبناء علاقة متينة مع ثوابت الطبيعة وعلاماتها الفارقة والثابتة.
علاقة مباشرة تنتعش كلما غمس كفّيه في الطمي وباشر الترميم والتدعيم حيناً، ثم التجسيد بالشكل الذي إختاره ولأنه منه تعرف عليه وخاطبه على أساس أن حالهما واحدة.
-
مخرج الفيلم، اللبناني علي شري
تكمن أهمية : "السد"، في أنه لا يشبه الأعمال السائدة من هنا خصوصيته، وربما لا يكون جماهيرياً لكنه من دون شك مادة سينمائية جديرة بالتعرف عليها والتعمق في حسّها السياسي والإنساني وصولاً إلى خلاصة أن أرقى علاقة مادية وروحية هي تلك التي تربط الإنسان بالأرض.
الفيلم تعاون على صياغة السيناريو الخاص به المخرج علي شري مع الكاتبين: جيوفري غريزون، وبرتراند بوتيللو، وظهر في مشاهده التي اقتصرت على المؤثرات المشهدية – آرنو شيليه، وميل ماساديان - مجموعة من الشخصيات المتفرقة من دون فعل أمام الكاميرا: مدثر موسى، سانتينو أجوير وينج، أبو القاسم سر الختم، وأيمن شرابي، وأدار التصوير باسم فياض، وواكبت الشريط موسيقى تصويرية صاغها روبن كوديرت.