ظريف - ظريفة
من هو ظريف؟
لَيسَ الظَريفُ بِكامِلٍ في ظَرْفِهِ
حَتّى يَكونَ عَنِ الحَرامِ عَفيفا
فِإذا تَعَفَّفَ عَنْ مَحارِمِ رَبِّهِ
فَهُناكَ يَدعوهُ الأنامُ ظَريفا
هذان البيتان لعلّامة من كبار عُلماء النَحْو وهو عِلمُ إعرابِ كلام العرب سُمّيَ بذلك لأن المُتكلّم ينحو نَحوَ مَناهجِهم في كلامهم إفراداً وتَركيباً. هذا النحويّ يُعرَف بلقبه نِفْطَوَيْه (858 - 935م)، وهو عربي لا فارسيّ كما يتبادر إلى الذهن لِلوهلة الأولى واسمُه إبراهيم بن محمّد الواسطيّ الأزديّ، شُبّهَ بالنِفْطِ لِدَمامَتِه وأُدمَتِه وأضيف إليه اللاحقة الفارسية "وَيْهِ" فصار يٌلَقّب بِنِفْطَوَيهِ تشبيهاً له بإمام النُحاة سِيبَوَيْه (760 - 796م) لأنه كان ينهج نَهجَه في النحو.
واسم سِيبَوَيْهِ هو عمرو بن عُثمان بن قنبر وهو فارسيّ نشأ في البصرة وتتلمذ فيها على يد كبار علماء اللغة العربية والنحو، حتى صار من أبرعهم وله كتاب مرجعي في النحو هو "كِتاب سيبَوَيه". وسِيبَوَيهِ لفظٌ فارسيٌّ معناه"رائحة التُفّاح".
يُعرّفُ نِفْطَوَيهِ الظريفَ من الناس بأنه الرجلُ العفيف، أي ذو العِفّةِ، وهي تَركُ الشهوات وطهارةُ الجسد والامتناعُ عن
كلّ ما لا يَحِلُّ أو لا يَجمُل. وهو التعريف الذي يشاركه فيه قول بعض الأدَباء:
إنْ أكُنْ طامِحَ اللِحاظِ فَإنّي
والذي يَملِكُ العِبادَ عَفيفُ
ليسَ ظَرفُ الظَريفِ بِالنَفسِ لكِنْ
كُلُّ ذي عِفّةٍ فَذاكَ ظَريفُ
على أنّ هذا التعريفَ هو بعضُ ما يعنيه لفظُ الظَريفِ الذي اشتٌقّ منه اسمُ العلم المذكّر ظَريف. فالظريف هو ذو
الظَرْفِ (بفتح الظاء) أو الظَرافَةِ، وهو الكَيِّس، الذَكِيُّ، البارِعُ، والحَسَنُ الهَيئةِ، و"الخفيفُ الدم" كما يُقال على ألسِنَة العامّة.
يقال: ظَرُفَ يَظرُفُ ظَرْفاً فهو ظريف وهي ظريفة. ولهم في تعريف الظَرفِ أقوالٌ منها قولُهم: الظرفُ في اللِسانِ، والحلاوَةُ في العَينَينِ، والمَلاحةُ في الفمِ، والجمالُ في الأنف. وقال بعضُ الأُدَباء: الظرفُ ظَرفُ النفسِ، ورِقّةُ الطَبع، وصِدقُ اللَهجة، وكِتمانُ السِرّ.
وسُئلَ بعضُ الظُرَفاء فقال: الظَرفُ في أربعِ خِصال: الحَياء، والكرَم، والعِفّة، والوَرَع.
وقيلَ:الظَريفُ ذو الظرافةِ، والظرافةٌ تُطلَق على المَلَكة التي تكون مَبدأ لصدور الألفاظ التي لا تخلو من ظرافة
وإبهام. قال البَهاءٌ زُهَير(1186 - 1258م) في رفيقِ شرابٍ ظريف:
ونَديمٍ كما نُحِبٌّ ظَريفٍ
وعلى كلِّ ما نُحِبُّ مُستحدث ؤاتي
كلُّ شيءٍ أردتَه فهو فيهِ
حَسنُ الذاتِ كاملُ الأدواتِ
والظريفة مؤنّثُ الظريف. اسم علم للإناث. وكان الشاعر المُقِلّ جماهير بن عبد الحكيم الكلبيّ يَهوى امرأةً تُدعى ظريفة وفيها يقول:
قَضى كلُّ ذي دَينٍ فَوَفّى غَريمَهُ
ودَينُكَ عِندَ الزاهِرِيّةِ ما يُقضى
أكاتِمُ في حُبّي ظَريفَةَ بِالذي
إذا استَبصَرَ الواشونَ ظَنّوا بهِ بُغضا
صُدوداً عنِ الحَيِّ الذينَ أوَدُّهُم
كأنّي عَدُوٌّ لا يَطورُ لهم أرضا
ولفظُ الظريفِ مأخوذٌ في الأصل من الظَرفِ وهو الوِعاء. يقول ابن فارس (ت 1004م) في معجم مقاييس اللغة: الظاء والراء والفاء كلمة كأنها صحيحة. يقولون :هذا وِعاءُ الشيءِ وظَرفٌه، ثمّ يسمّون البراعةَ ظَرفاَ، وذكاءُ القلب كذلك، ومعنى ذلك أنه وِعاء لذلك (أي لذكاء القلب). وعلى ذلك فالظريف مُشتَقٌّ من الظَرف وهو الوِعاء،كأن الظريفَ وِعاءٌ للأدب ومكارِم الأخلاق.
والظريفُ هو الظريف طَبْعاً. والمُتَظَرِّف أو المُتظارِفُ هو مَن يَتكلّفُ الظرافةَ وليس بِظريف. يقال فيه: تَظَرَّفَ فُلانٌ أو تظارَفَ. واستظرَفهُ إذا عَدّهُ أو وجَده ظريفاً.
والشابُّ الظريفُ لقبُ الشاعر محمّد بن سُلَيمان التِلِمْساني (1263 - 1289م) لُقّبَ بذلك لِرِقّته وطرافة شعره.
وألًفَ القُدَماءكُتُباً في الظَرفِ والظُرفاءحوَت آدابَ الظَرف ونوادِر الظُرَفاء منها: "الظَرفُ والظُرَفاء" لمحمّد بن إسحاق
الوشّاء (ت936م) و"المُستَطرَفُ في كلّ فَنٍّ مُستَظرَف" لشهاب الدين بن محمّد الأبشيهي (1388 - 1446م).
وأخيراً هذه الأبيات الظريفة من الأشعار التي لا يُعرف قائلُها:
هل مِن رَسولٍ لَطيفِ
إلى غَزالٍ عَنيفِ
لهُ سَريرَةُ ذِئبٍ
وسَمْتِ قَسٍّ عَفيفِ
تكامَلَ الظَرفُ فيهِ
فَفاقَ كُلَّ ظَريفِ