مدرسة قاسم سليماني من الولادة إلى الشهادة
بحسب وثيقة قانون قدمت إلى الكونغرس في أواخر عام 2007، أدرجت السلطات الأميركية اسم الفريق قاسم سليماني في قائمة "المستهدفين"، لكونه مسؤولاً عن مقتل ما لا يقل عن 20% من قتلى الجيش الأميركي في العراق.
-
كتاب "مدرسة سليماني من كرمان الولادة حتى بغداد الشهادة"
يوضح الكاتب الباكستاني حسن رضا نقوي أن المقصود من عنوان كتابه "مدرسة سليماني من كرمان الولادة حتى بغداد الشهادة"، الصادر عن دار الولاء للطباعة والنشر في بيروت، هو الأسلوب الفكري والعملي للشهيد قاسم سليماني. فقد كان شارحاً لمبادئ الحرب الإسلامية في العصر الحديث، وواضعاً لاستراتيجيات الدفاع العالمية، وقارئاً للحروب، ومثالاً عملياً للجهاد والاستقامة.
ويضيف نقوي: صحيح أن المرشد السيد علي الخامنئي استخدم كلمة "مدرسة" 315 مرة في 115 خطاباً في مناسبات مختلفة، لكنه بعد استشهاد سليماني استخدم هذه الكلمة في 7 كانون الثاني/ يناير 2020 بقوله:
"علينا ألا ننظر إلى شهيدنا العزيز الحاج قاسم سليماني على أنه فرد، بل علينا أن ننظر إليه كمدرسة، بل علينا أن ننظر إلى شهيدنا القائد العزيز على أنه مذهب، على أنه نهج وعلى أنه مدرسة للتعلّم، فلننظر إليه بهذه النظرة".
يرى المؤلف أن مدرسة سليماني هي في الواقع امتداد للنضال الذي خاضه الشهيد الدكتور مصطفى شمران والشهيد عماد مغنية. فالشهید قاسم سلیماني لم یکن قدوة للمسلمین فقط، بل کان قدوة للمسیحیين والدروز والعلویين الذين یقدّرونه ویحترمونه.
ويعتقد الكاتب أن مدرسة سليماني التي يمكن تسميتها بمدرسة المقاومة أثبتت في فلسطين ولبنان والعراق وسوريا أن مقاومة القوى المتعجرفة وأذيالها في المنطقة لا يمكن أن تتحقق إلا من خلال القيم الإسلامية والمبادئ المنطقية.
أضاف: "الشعب الفلسطیني قال عنه إنه شهید القدس، و اللبنانیون عدّوه سید شهداء محور المقاومة، والعراقیون والسوریون عدّوه سید شهداء الدفاع المقدس، الأفغانیون رأوه بطلاً تاریخیاً، والباکستانیون يجدونه مؤسس جبهة المقاومة، والإیرانیون یلقبونه بلواء القلوب".
ويؤكد هيرالدو ريفييرا، أحد أهم المحللين الأميركين، أن سليماني نجح في إرساء منظومة مقاومة عابرة للطوائف تمتد من أفغانستان إلى اليمن مروراً بالعراق وسوريا ولبنان وصولاً إلى غزة.
ويقول المؤلف إنه من خلال دراسته للقرون الثلاثة الأخيرة "لم أجد أي شخص من غیر علماء الدین خدموا الإسلام والإنسانیة مثل الحاج قاسم سلیماني. لذلك، فإن كل فئات الشعب فی إیران وسوریا وباکستان ولبنان وفلسطین والعراق کانوا یعدّونه جزءاً منهم".
إقرأ: من هو قاسم سليماني.. رجل الحرب والسياسة؟
يتحدث الكاتب عن سمات عديدة للشهيد سليماني منها أنه أفشل مشاريع أميركا في فلسطين ولبنان والعراق وسوريا وأذاقهم الهزيمة تلو الهزيمة.
يورد نقوي صاحب كتاب "مدرسة سليماني من كرمان الولادة حتى بغداد الشهادة" حكاية تؤكد ولع الشعب الإيراني بالقائد سليماني.
إقرأ: حكايات عن قاسم سليماني
فقد أرسل أحد التلاميذ رسالة (هدية) إلى سليماني عبارة عن عيديته التي جمعها وهي 4 اَلاف تومان. كان مكتوباً في الرسالة أنها عيديته لهذا العام أقدمها لكم هدية تقديراً لإنفاقكم في سبيل الإسلام. ويقول نقوي: كلما كان سليماني يأتي إلى قريته "قناة ملك" كان يجد ما لا يقل عن 200 رسالة موجهة إليه، وقد كان يعين وقتاً لقراءة هذه الرسائل والرد عليها.
ويقول المؤلف: إذا درس المرء حياة الشهيد سليماني يمكن أن يلاحظ حبه الخاص وتفانيه مع شهداء الدفاع المقدس، لم يذكر أصدقاءه الشهداء في كل مكان وحسب، وإنما ظل على اتصال بعائلاتهم.
قاسم سليماني والمسؤولون الأميركيون
يقول الكاتب إن إيران واصلت صراعها غير المباشر مع الولايات المتحدة خلال الاحتلال الأميركي للعراق. ويرى أن ما جرى من انتصارات ضد تنظيم "داعش" الإرهابي في العراق وسوريا كان خلفه سليماني.
منذ عام 2003، وفور سقوط نظام الرئيس العراقي السابق صدام حسين، بدأت أجهزة الاستخبارات الأميركية والغربية برصد تحركات سليماني. وقد وصفته هذه الأجهزة بأنه أحد القادة الإيرانيين المقربين من المرشد خامنئي، وأحد مهندسي خريطة الشرق الأوسط منذ عام 2003 وحتى تاريخ استشهاده.
بدأت البروباغندا الأميركية بالترويج لشخصية سليماني وإعطائه صفات بما يناسب هدفها: "قائد الظل"، "فارس الظلام"، "العدو اللدود". وقد وصفته مجلة "فوربس" الأميركية بأنه ثاني أقوى وأخطر رجل في العالم لعام 2011.
وهنا، نورد ما ذكره المؤلف بأنه كان لسليماني علاقات جيدة جداً بالأحزاب السياسية العراقية، واشتهر كثيراً في العراق خلال عملياته ضد "داعش"، بل أصبح من أحب الشخصيات في الشارع العراقي.
إقرأ: "قاهر أميركا" .. كتاب عن مسيرة الشهيد سليماني
وينقل المؤلف ثلاثة مواقف تؤكد مدى الاهتمام الأميركي بشخصية سليماني، ورصد مشروعه وخططه.
الأول: مقابلة مع قائد العمليات الخاصة الأميركية في العراق، الجنرال ستانلي ماكريستال، أجرتها مجلة "فورين بوليسي" يروي فيها مطاردة قافلة إيرانية عام 2007 عُلم فيها بحسب بعض التقارير أن سليماني موجود ضمنها، دخلت من شمال العراق. ويتحدث ماكريستال عن كيفية هجوم الجيش الأميركي واعتقالهم لهذه القافلة المكوّنة من خمسة إيرانيين ادّعوا أنهم دبلوماسيون، ويضيف: بعد مقابلتهم عرفنا أنهم أعضاء في "فيلق القدس"، ولم نصدق أن سليماني ليس بينهم. ويقول ماكريستال إنه من المحتمل أنه قد غيّر مساره عندما اقترب من أربيل في ظلام الليل وذهب إلى مكان اَخر.
ويقول ماكريستال إن إيران ردّت على هذا الحادث، ونفّذت عملية بطريقة منظمة للغاية في محافظة كربلاء العراقية. ويشرح التفاصيل: استخدم الإيرانيون مركبات سوداء وكانت إشارتها مضاءة مع بعض الإشارات الشائعة الأخرى التي نستخدمها في سياراتنا لنقل القوات من مكان إلى اَخر. فدخل الإيرانيون القاعدة العسكرية من دون أي صعوبة باستخدام رموز خاصة لخداع حراس الأمن في نقطة التفتيش الداخلية للقاعدة الأميركية، وبسرعة خطفوا خمسة جنود أميركيين.. لقد كانت عملية جريئة للغاية. كنا مقتنعين أن لفيلق القدس يداً في هذه العملية. فمهما كان العمل الذي يقوم به فيلق القدس فإنه يتم تحت قيادة سليماني. لن أقول إن سليماني شخصية أسطورية لكن أقول: إنه شخص تأثيره مثير للإعجاب للغاية. إنه شخص يمكنه بمفرده تحديد مستقبل الشرق الأوسط".
وبحسب وثيقة قانون قدمت إلى الكونغرس في أواخر عام 2007، "أدرجت السلطات الأميركية اسم سليماني في قائمة "المستهدف"، لكونه مسؤولاً عن مقتل ما لا يقل عن 20% من قتلى الجيش الأميركي في العراق".
الثاني: يورد المؤلف في كتابه ما ذكرته صحيفة "الغارديان" البريطانية في عام 2011 بأن الفريق قاسم سليماني يدير السياسة الإيرانية في الشرق الأوسط.
وقد نقل مراسلها مارتن تشولوف، عن مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية السابق، ديفيد بترايوس، الذي كان جنرالاً في العراق عام 2008،أنه أثناء الاشتباكات بين القوات الأميركية وجماعات المقاومة الشعبية تلقيت عبر هاتف خلوي من الرئيس العراقي الراحل جلال طالباني، رسالة نصية وجهها إلي قاسم سليماني. ليصبح بعدها "عدوّه اللدود"، وكانت الرسالة تقول: "جنرال بترايوس، عليك أن تعلم أنني أنا قاسم سليماني أدير السياسة الإيرانية في العراق، ولبنان، وغزة، وأفغانستان، وطبعاً السفير في بغداد هو عضو في فيلق القدس، والشخص الذي سيخلفه سيكون عضواً في فيلق القدس أيضاً".
الثالث: يكشف المؤلف في كتابه أن الرئيس الأميركي باراك أوباما كتب في عهده رسالة تهديد إلى المرشد الخامنئي. وبعد ذلك في وقت قصير، كتبت وسائل الإعلام العالمية في عناوينها الرئيسية: "رسالة قاسم سليماني إلى البنتاغون". والمقصود بذلك رسالة من سليماني وصلت إلى طاولة وزير الدفاع الأميركي. فعلى الرغم من أن البنتاغون فيه سبع طبقات و أربع طبقات أمنية، فإن رئيس البنتاغون/ وزير الدفاع ارتعب عندما رأها على طاولته وكان مكتوباً فيها: "نكون أقرب إليك من هذا، إذا تطلب الأمر". وفي أسفل الرسالة كان شعار حرس الثورة الإسلامية الإيرانية وتوقيع الحاج سليماني.
إقرإ: معالم مدرسة الشهيد سليماني.. من العراق إلى غزة
يذكر المؤلف نقوي في كتابه أن سماحة السيد حسن نصر الله قد طلب من سليماني في اَخر لقاء معه قبيل استشهاده ألا يسافر إلى العراق. ويقول سماحته: قلت لسليماني إن وسائل الإعلام الأميركية تركز عليك كثيراً في هذه الأيام. وبعد ذلك أريته مجلة أميركية كانت على صفحتها الأولى صورته وكان مكتوباً تحتها: "جنرال ليس له بديل". وأخبرته أن بعض أصدقائنا المطلعين على أميركا يقولون: إن التركيز الكثير على قاسم سليماني في الإعلام الأميركي هو إحدى مقدمات استشهاده، لذا احتط.... فابتسم وقال: "هذا جيد جداً إن الشهادة هي أمنيتي". ثم عاود سماحته الطلب بقوله: أطلب منك ألا تذهب إلى بغداد فالأوضاع ليست جيدة هناك. فأجاب "علي أن أذهب إلى هناك. ليس هناك خيار اَخر، لأنه هناك حاجة إلى لقاء رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي الذي دعاه إلى زيارة العراق لنقل رسالة سعودية إلى إيران بشأن المحادثات الجارية بين السعودية وإيران وسماع الرد الإيراني من الحاج سليماني وإعطائه رسالة مهمة ... لذلك، علي أن أذهب شخصياً".
قبل أيام من زيارة سليماني الأخيرة للعراق، قتل جندي أميركي في كركوك في هجوم صاروخي من قبل المقاومة العراقية. ورداً على ذلك، شن الأميركيون هجوماً صاروخياً على قاعدة للحشد الشعبي.. ما أسفر عن استشهاد 40 منهم.
وقد أثارت هذه الحادثة غضباً عارماً في الشارع العراقي فأخذوا جثث العراقيين، واعتصموا أمام السفارة الأميركية، ما زاد من حساسية الأميركيين. فاشتبك المتظاهرون مع الأميركيين واحتلوا جزءاً من السفارة، وكسروا الزجاج وعلقت أعلام الحشد الشعبي وجماعات المقاومة الأخرى في السفارة الأميركية.
وكانت هذه الحادثة هي المرة الثانية في تاريخ الولايات المتحدة بعد أن استولى الثوار في إيران على السفارة الأميركية في طهران.
وبناء على طلب من رئيس الوزراء العراقي السابق، نوري المالكي، أخلى المتظاهرون السفارة الأميركية. ورفض الأميركيون التفاوض مع الحكومة العراقية وبدأت الطائرات الحربية الأميركية تحلق فوق بغداد وكأنها تحلق فوق سماء أميركا.
يؤكد الكاتب هنا أن احتلال جزء من السفارة الأميركية كان نقطة تحوّل تاريخية للمقاومة العراقية دفعت الأميركيين إلى إدراك أن العراق لم يعد مكاناً اَمناً لهم. بعد هذه الحادثة، كان كل القادة العراقيين يطلبون من سليماني عدم السفر إلى العراق.
وعلمت أميركا أن الخطوة التالية لقاسم سليماني كانت إخراج أميركا من المنطقة. وقد يكون هذا أحد أسباب استشهاده عام 2020، لأن الولايات المتحدة تعتقد أن وجود "أنصار الله" في اليمن وبقاء نظام الرئيس بشار الأسد في سوريا وتعزيز حزب الله في لبنان، وكذلك تقوية الحشد الشعبي والمقاومة في العراق كلها إشارات واضحة إلى أنها ستخرج من المنطقة سواء شاءت أم لم تشأ.