"أثر" معرض عن الحرب والحب والخوف في لبنان

زهاء 20 لوحة فنية معظمها طباعة حبر على الورق، بعض منها مطعّم بلوحات بلاستيك وألمنيوم، تظهر مدينة بيروت وبعض أحيائها ومبانيها الراقية، والبعض الآخر بقايا أغراض أو تجهيزات كهرباء، لا تحمل أي معنىً بحدّ ذاتها. ثمة لقطة لحرج بيروت من الجوّ، وأخرى لشاطئ البحر.

  • جانب من معرض
    جانب من معرض "أثر" للفنان اللبناني روي ديب

"أثر" هو آخر أعمال الفنان اللبناني، روي ديب، وآخر معارضه الإفرادية. أقامه في غاليري "تانيت" في مار مخايل في بيروت، معبّراً فيه عن شجون المرحلة التي مرّ بها، وهي مرحلة ما بعد تحرّكات 17 تشرين الأول/أكتوبر 2019، وما تلاها من تطوّرات خصوصاً جائحة "كورونا"، ثم انفجار مرفأ بيروت، وصولاً إلى حرب ما بعد "طوفان الأقصى". 

زهاء 20 لوحة فنية معظمها طباعة حبر على الورق، بعض منها مطعّم بلوحات بلاستيك وألمنيوم، تظهر مدينة بيروت وبعض أحيائها ومبانيها الراقية، والبعض الآخر بقايا أغراض أو تجهيزات كهرباء، لا تحمل أي معنىً بحدّ ذاتها. ثمة لقطة لحرج بيروت من الجوّ، وأخرى لشاطئ البحر يلامس أطراف المدينة.

لقطات متنوّعة أسماها "أثر"، تشي بأنها بقايا أشياء تلمّح لحدث ما سابق، لكنه غير ظاهر في الصورة. يتحدّث ديب عن هذه الآثار بصورة عمومية، ويقول إنه يوم أراد إنتاج عمل فني جديد، "قرّرتُ أن أدع جسدي يختبر الحياة من دون تفكير مُفرطاً في كيفية ترجمة تلك التجارب إلى أفكار، أو أشكال، أو أشياء، أو صور، أو أصوات"، مضيفاً "اعتقد أنني بتغيير الوسائط التي أعمل بها عادةً، قد أكتشف وجهات نظر مختلفة وآليات جديدة للتعامل مع تجاربي".

الأعمال ساكتة، لا يتدخّل الفنان في مشهديّتها، رغم أنه يقول إنّ "الصوت كان حاضراً بصورة مستمرة، ولا سيما في الأشهر الأخيرة"، متعمّقاً أكثر وأكثر في مؤثّرات التـطوّرات حيث "عندما لا تكون هدفاً مباشراً للموت، تُصبح أصوات العدوان طاغية"، ويقدّم مثلاً على ذلك بالقول إنه "عندما تسمع صوت الصاروخ، فهذا يعني أنه لم يقتلك، ولكن بالنسبة لنا نحن الذين نجونا من رصاص الشرطة خلال الانتفاضة، وانفجار المرفأ، والهجمات الإسرائيلية، كنا نتعايش مع إرهاب الصوت".

لكنّ "أثر" معرض خالٍ من الصوت، فهو تجربة صامتة. يقول ديب، إنه "في حوار مع عمل مايكل أنجلو بيستوليتو الشهير (المتر المكعب من اللانهاية)، يعلن أنه قدّم عملاً عكسياً بعنوان (العزلة في زمن الكارثة) يدعو إلى مكعّب آمن، حيث يعكس الصمت والمرايا كلّ ما يقترب منك".

 ويروي ديب أنّ "الجدران تحيط بالمكعّب، وتلتقط "آثار" ممارسة جسدية - جنسية حيث يستعيد ضحايا الكارثة سيطرتهم على أجسادهم"،  ويمضي شارحاً مفهوم الهيمنة هذا للأفراد، وتأكيد سيطرتهم على تجاربهم، بدلاً من الشعور بأنهم ضحايا سلبيون. 

في تعليق مرفق بالمعرض، تعلّق الناقدة الفنية، نايلة تمرز، عن معرض "أثر"، و"فيه 20 صورة فوتوغرافية" تفيد أنها "تتبع حادثة جنسية". 

على مقلب آخر من المعرض، تظهر لوحات ثنائية من سلسلة "جدار"، تذكّر بما يسميه ديب "تلك اللحظات التي سمعنا فيها دويّ انفجار وانتظرنا الثاني، مُطَمْئِنين بعضنا بعضاً: "جدار، ما هو إلا اختراقٌ لحاجز الصوت". إنه هاجس جدار الصوت الذي بات يؤرق اللبنانيين منذ ما بعد حرب تموز 2006، حيث لم ينفك جدار الصوت يُخْرَق يومياً في سماء لبنان. 

  • من أعمال روي ديب
    من أعمال روي ديب

يقول ديب عن ذلك إن "كلّ لوحةٍ ثنائية تُترجم تلك الأصوات إلى صور، تُصوِّر الأبطال والأبطال المُضادِّين الذين يقيسون المسافة المادية بين مصدري الخطر"، ويخلص إلى "في هذه الغرفة الصامتة، وسط آثار المساحات، والمشاعر، والرغبات، تتجوّلون، وأجسادُكم المُنعكسةُ في المرايا تُكملُ الأجساد المفقودة التي غادرت الأعمال الفنية".

ويقترح مع نهاية هذا المعرض، بسخرية - كما قال - درعاً لحماية بيروت وسكانها - "درع بيروت".

في وسط المعرض، توجد مساحة مكعّبة مجهّزة بسمّاعات إلغاء الضوضاء، وهي دعوة للجلوس للحظات من الصمت والهدوء بعيداً عن ضجيج الحرب. بالإضافة إلى الدروع الثلاث المجاورة لهذا المجمّع هناك أيضاً وظيفة صدّ الشر، وحماية المدينة. 

كيف نحكي قصة فضاء العنف؟ كيف نحكي قصة الأوقات الكارثية؟ كيف يمكننا التعبير عن وحدة الجسد؟ يسعى عمل روي ديب إلى الإجابة عن هذه الأسئلة من خلال شاعرية الأثر.

في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 أعلنت كتائب القسام معركة "طوفان الأقصى"، فاقتحمت المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة، وأسرت جنوداً ومستوطنين إسرائيليين. قامت "إسرائيل" بعدها بحملة انتقام وحشية ضد القطاع، في عدوانٍ قتل وأصاب عشرات الآلاف من الفلسطينيين.

اخترنا لك