حلب: ابتسامة أمل بين الأنقاض
هل صرخت يوما بكل قوتك للحياة؟ هل ناديتها وتمسكت بها وتعلقت بحبالها؟ كل نفس يحررك، فلماذا تصنع قيودك؟ أخرج من تحت أنقاضك! أنفض غبارك! الخسارة؟ ما هي إلا جزء من مصيرنا! الألم؟ ما هو إلا حكاية من حكاياتنا! الخوف؟ ما هو إلا دافع لنمسي أقوى! إجمع خساراتك وأحزانك ومخاوفك، وقدمها على مذبح الحياة قرابين… أخرج صلابتك من تحت الركام، واكتب بها على صقيع أيامك… لا شيء مستحيل!
لانا مدوّر: شهم منذ متى وأنت في فوج الإطفاء بحلب؟
شهم الأعرج: كنتُ عسكرياً لمدة تسع سنوات وتمّ تسريحي في العام 2019، أنا موظّف في فوج الإطفاء.
لانا مدوّر: أي حوالى أربع سنوات.
شهم الأعرج: نعم.
لانا مدوّر: منذ متى لم تنم؟
شهم الأعرج: ثماني ساعات نوم خلال ستة أيام.
لانا مدوّر: منذ حصول الكارثة؟ استنفرتم مباشرةً؟
شهم الأعرج: منذ اللحظة الأولى، عددنا قليل في فوج الإطفاء بسبب ظروف الأزمة ولكن كل العناصر كانوا حاضرين.
لانا مدوّر: أين كنتَ عند حصول الزلزال؟
شهم الأعرج: في المنزل.
لانا مدوّر: هل استنفرتَ بسرعة؟
شهم الأعرج: مباشرةً، أمّنت عائلتي في مكانٍ وتوجّهتُ إلى الفوج.
لانا مدوّر: إلى أيّ موقع اتجّهتَ؟
شهم الأعرج: إلى منطقة الشعار، دار الشفاء.
لانا مدوّر: ماذا كان أوّل ما رأيته؟
شهم الأعرج: الموقف كان صعباً، كان هناك خوف كبير من زلزالٍ ثانٍ أكثر دماراً، الهاجس الأول لفوج إطفاء حلب كان هو البحث عن ناجين، كان هناك بناءان متلاصقان هُدما بشكلٍ كامل، طبقات الإسمنت فوق بعضها وكان الظلام يعمّ المكان حوالى الساعة الرابعة والنصف، عملنا بأدوات بسيطة.
لانا مدوّر: لم تكن لديكم أدوات للحفر؟
شهم الأعرج: يوجد ولكن الكارثة كانت كبيرة، في اللحظات الأولى وردنا بلاغ انهيار 27 بناء، ما من دولة في العالم لديها هذه القدرة في محافظة مثل حلب أن تلبّي 27 نقطة.
لانا مدوّر: حين وصلتم إلى موقع الشعار هل سمعتم نداءات استغاثة؟
شهم الأعرج: بالطبع.
لانا مدوّر: هل استطعتَ إنقاذ أحد؟
شهم الأعرج: بالطبع، نحن كفريقٍ واحدٍ أنقذنا أكثر من شخص وهم على قَيْد الحياة اليوم ويتلقّون العلاج، وهناك مَن أصيبوا برضوضٍ بسيطةٍ وتمّ إخراجهم من المستشفى.
لانا مدوّر: ماذا تشعر حين تنقذ أحداً؟
شهم الأعرج: عند حدوث الزلزال كنتُ في المنزل، كانت زوجتي بجانبي وطفلتي، أنا أبكي دائماً في عملي قلتُ هل يُعقل أن أموت هنا، الله منحني فرصةً ثانية للحياة، ولقد عاهدتُ الله بأن أستمرّ في هذا العمل الإنساني، نحن موجودون في فوج الإطفاء بدافعٍٍ إنساني ليس أكثر.
لانا مدوّر: هل تفكّر بالموت حين تكون في موقع الإنقاذ؟
شهم الأعرج: نهائياً، أفكّر في إنهاء المهمّة فقط.
لانا مدوّر: كم تحمل ذاكرتك وجوه أناسٍ فقدوا حياتهم؟
شهم الأعرج: كثيراً، نصيحتي لأهلي في سوريا ألا يستمعوا لما يتمّ تداوله على مواقع التواصل الاجتماعي، لا تدعوا الخوف والهلع يسيطرا عليكم.
لانا مدوّر: قلتَ لي إن الإنسان يجب أن ينتصر على الذات، ما معنى ذلك؟
شهم الأعرج: تجاوز الأزمات، يجب ألا نقف عند الأزمات والمِحَن، يجب أن تكون هناك استمرارية لدورة الحياة. الزلزال شيء طبيعي بإرادة ربّ العالمين عزّ وجلّ ولا إرادة للبشر في ذلك.
لانا مدوّر: عافاك الله، أنت تلهث، منذ متى أنت متعب؟
براء البر: منذ اللحظة الأولى للزلزال.
لانا مدوّر: منذ متى تعمل في هذا الموقع؟
براء البر: أنهينا البارحة البحث في موقع الشعار بجانب مستشفى دار الشفاء في الساعة الثانية والنصف ليلاً، ونحن اليوم هنا منذ الساعة الثامنة صباحاً.
لانا مدوّر: أين كنتَ عند حدوث الزلزال؟
براء البر: نحن في فوج إطفاء حلب نداوم 24 ساعة ونرتاح 48 ساعة، كنتُ في حينها في يوم استراحتي في المنزل.
لانا مدوّر: وجاء النداء فوراً؟ هل شعرتَ بالزلزال؟
براء البر: نعم، أخذتُ زوجتي وأطفالي إلى الشارع وفُقدت الاتصالات ولم يكن أمامي سوى حل وحيد هو أن أنقلهم إل مكانٍ آمن ومن ثم ألتحق برفاقي في فوج الإطفاء.
لانا مدوّر: براء كم هو صعب على الشخص أن يُنقذ عائلته وعليه واجب إنساني في الوقت نفسه تجاه أبناء وطنه؟
براء البر: كان همّي الأول أن أوصل عائلتي إلى منطقة آمنة ومن ثم ألتحق برفاقي، واجبنا أن نضحّي من أجل الناس، أمَّنت على عائلتي ويجب أن أؤمِّن على الآخرين.
لانا مدوّر: متى تشعر أن التضحية تستحقّ كل هذا التعب؟
براء البر: في كل لحظة يتمّ فيها إنقاذ روح تستحقّ كل شيء.
لانا مدوّر: هل أنقذتَ أرواحاً؟
براء البر: الحمد لله.
لانا مدوّر: كم كان عددهم؟
براء البر: خمسة أشخاص في منطقة صلاح الدين، شخص في منطقة الشعار، ثلاثة في منطقة الصالحين.
لانا مدوّر: كانوا على قَيْد الحياة؟
براء البر: نعم الحمد لله ربّ العالمين.
لانا مدوّر: حين تُخرِج إنساناً حيّاً من تحت الأنقاض ماذا تشعر؟
براء البر: كنتُ أتمنّى أن أنقذ أحياء كي يكون لديّ الدافع القوي، الله يمنحنا الطاقة التي لا نعهدها في بداية عملنا.
لانا مدوّر: هل هناك وجهٌ لا تنساه؟
براء البر: أوجه كثيرة خاصةً الأطفال ما دون الثلاث سنوات. في هذا الموقع أخرجنا شخصاً حيّاً وقال أمراً لن أنساه، فقد عائلته بأكملها وطلب منا أن نعيده.
لانا مدوّر: ماذا تقول للحلبيين؟
براء البر: الحلبيون كبار أقوياء، السوريون جميعهم أقوياء.
لانا مدوّر: ما هو الأمر الذي يحتاجه السوري اليوم؟
براء البر: الحصار ذبح الشعب السوري بأكمله.
لانا مدوّر: حين أتيتُ إلى حلب توقّعتُ أن أجد حالةً من الإحباط ولكن حين أسمع ما قلته أنت وشهم يكبر قلبي، برنامجنا إسمه "لا شيء مستحيل"، هل تؤمنا بالمستحيل؟
شهم الأعرج: بالتأكيد لا شيء مستحيل، المستحيل هو أن يسلّم الشخص نفسه لليأس، أن يُكبِّل نفسه.
لانا مدوّر: لا شيء مستحيل؟
شهم الأعرج: العياذ بالله، الموت فقط.
براء البر: حين فتح الناس بيوتهم للمُشرّدين في الشارع وآزروا بعضهم البعض أصبحتُ على يقين بأن لا شيء مستحيل إلا حين يأخذ الله أمانته.
شذى مصطفى ياسين: منذ يومين أخبرته، سألني كثيراً عن أهله، قلتُ له إنهم مرضى وميؤوس من شفائهم، وإذا كان المريض ميؤوساً من شفائه نقول خفّف الله عنه، قلتُ لهم أهلك في الجنّة وهذا قدر ومكتوب. أنا خسرتُ أخي وزوجته وبناته الإثنتين، البناء سُوّي بالأرض، ولكنني خسرتُ عائلة بأكملها، أتمنّى أن أقوم بواجبي تجاهه على أكمل وجه.
لانا مدوّر: سيبقى معكِ؟
شذى مصطفى ياسين: نعم، سأهتمّ به، قلتُ له أنت إبني الآن، إبني أصبح لديه أخ إن شاء الله.
لانا مدوّر: أدامهما الله لكِ. صباح الخير كيف حالكِ؟
راما: الحمد لله رب العالمين.
لانا مدوّر: هل أنتِ موجوعة؟
راما: الحمد لله.
لانا مدوّر: ما هو إسمك؟
راما: راما.
لانا مدوّر: هل أستطيع أن أتحدَّث معكِ؟
راما: نعم.
لانا مدوّر: هل تتذكَّرين ما حدث؟
راما: كنا نائمين، استيقظنا على الصوت.
لانا مدوّر: هل كان هناك صوت؟
راما: نعم، قال أخي هذه هزّة انهضوا، أنا وأمّي وأختي كنا في غرفة وأبي وأخي في غرفةٍ أخرى، ركض أخي وركضنا خلفه، نسيَتْ أختي هاتفها فصعدتُ لأحضره لها، أعطيتها الهاتف لتُضيء الدرج، لم نشعر إلا والبناء يهبط، نحن في الطابق الأول، توفّى أبي وهو نائم وأمّي بعده بدقيقتين وأختي في نفس اللحظة، وأنا كما ترين بقيتُ تحت الأنقاض لعشر ساعات.
لانا مدوّر: هل كنتِ واعية؟
راما: نعم.
لانا مدوّر: كيف مرّت تلك الساعات العشر؟
راما: بذكر الله وقراءة القرآن.
لانا مدوّر: هل كنتِ تصلّين وتدعين طيلة الوقت؟
راما: نعم.
لانا مدوّر: هل مضت تلك الساعات سريعاً أم ماذا؟
راما: كلا، كنتُ أشعر بها، حتى أنني قلتُ لأحد الشباب إن آذان الفجر صدح وأنا لم أصلِّ العشاء، قال لي الآن ستخرجين وتصلّين. كان وجهي نحو الأرض وأطرافي مُتفرّقة، هناك أسياخ حديدية في ساقي ويدي لا تتحرّك نهائياً.
لانا مدوّر: كيف عرفتِ باستشهاد أهلكِ؟
راما: أبي كان نائماً، وأمّي كانت بجانبي تحت الأنقاض قالت لي رضي الله عنكِ، قالت لي لنقرأ الفاتحة على أرواحنا.
لانا مدوّر: هل كنتِ تسمعينها من تحت الأنقاض؟
راما: كانت إلى جانبي كما أنتِ الآن، كانت مُمسكة بيدي، قلتُ لها لنقرأ الفاتحة على أرواحنا وندعوا ربّنا ونصلّي، وحّدي الله يا أمّي، تنفسّت أمّي لمرتين وقالت رضي الله عنكِ وعن إخوتكِ.
لانا مدوّر: كم عُمرك؟
راما: 28.
لانا مدوّر: هل أنتِ متزوّجة؟
راما: كلا ولكن قوّتي بألف امرأة، سلّمتُ أمري لله، إنْ أراد أخذ النفس أخذه وإن أراد أن يبقى أبقاه.
لانا مدوّر: هل كُتِبَ لك عمر جديد؟
راما: بإذن الله.
لانا مدوّر: ما أكثر ما ستفتقدينه؟
راما: أمّي، سأفتقد لها كثيراً لأنني عشتُ معها أجمل سنوات عمري، الحمد لله على قضائه وقدره.
لانا مدوّر: هي في مكانٍ أفضل الآن.
راما: بإذن الله، أتمنّى أن أقف على قدمي لأجل إخوتي كي لا أحتاج لمَن يسقيني الماء، لا أريد أكثر من ذلك.
لانا مدوّر: ستقفين على قدميكِ إن شاء الله، أنتِ قوية.
راما: إن شاء الله.
لانا مدوّر: أرِني الابتسامة الجميلة. هل تعرفين ما إسم برنامجنا؟
راما: كلا.
لانا مدوّر: لا شيء مستحيل.
راما: لا شيء مستحيل على الله ولا على عبده، إذا وضع العبد هدفاً أمامه يسيّره الله له، لا شيء مستحيل.
لانا مدوّر: أنتِ هزمتِ الموت يا راما.
راما: إذا كان سيّدنا موسى عليه السلام قد فقأ عين سيّدنا عزرائيل فأنا هزمته أكثر.
لانا مدوّر: أنتِ هزمتِ الموت، أليس كذلك؟
راما: بالتأكيد.
لانا مدوّر: لا شيء مستحيل؟
راما: لا شيء مستحيل بإذن واحد أحد.
لانا مدوّر: الله أراد لكِ أن تحيي وتكونين أملاً لمَن حولكِ.
راما: بإذن الله.
لانا مدوّر: هل ستكونين الأمل الذي خرج من تحت الأنقاض؟
راما: بإذن الله سأكون الأمل لكل البشر.
لانا مدوّر: أبانا جورج كيف الوضع هنا؟
الأب جورج فتال: نشكر الله دوماً.
لانا مدوّر: بابتسامة أيضاً.
الأب جورج فتال: نعم لأن الله يفكّر بنا دائماً. ما حصل كان مؤسفاً ومؤلماً ومؤثّراً جداً، هزّ الجميع. الناس خرجوا من ديارهم، الملاعب هنا امتلأت، فتحنا الأضواء والمولّدات الكهربائية.
لانا مدوّر: كيف بدأتم باستقبال الناس؟
الأب جورج فتال: فتحنا قلوبنا.
لانا مدوّر: هل لديكم الإمكانيات؟
الأب جورج فتال: لم نكن على استعداد، أثناء الحرب لجأ إلينا حوالى 80 أو 90 شخصاً لفترة من الزمن، كانوا ينامون هنا، هيّأنا لهم ظروفاً مريحة وبقيت لدينا هذه الفرشات والحرامات، جاءنا 300 شخص كانوا ينامون على الأرائك، كل شخص كان يفكّر بالآخر.
لانا مدوّر: هل جميع بيوتهم مُهدّدة بالهدم؟
الأب جورج فتال: كل المدينة مُهدّدة، هناك أبنية قديمة ومُتصدّعة.
لانا مدوّر: هل مَن لجأ إليكم هم من المسيحيين فقط؟
الأب جورج فتال: هناك بضعة عائلات مسلمة أيضاً، نحن ككنيسة نعمل مع شبيبة ولدينا حوالى 850 أو 900 بين شاب وفتاة.
لانا مدوّر: كيف جاءتكم المساعدات؟
الأب جورج فتال: بالعناية الإلهية.
لانا مدوّر: أنتم تؤمّنون الطعام أيضاً وليس المنامة فقط.
الأب جورج فتال: من أهل حلب.
لانا مدوّر: هل أظهر هذا الزلزال التكاتُف الاجتماعي والوحدة في حلب؟
الأب جورج فتال: قبل قليل أتت امرأة مُسنّة تحمل معطفها وقالت لي أعطه لمَن يحتاجه، قلتُ لها ولكنكِ بحاجة إليه قالت لا، وأعطتني بعض البسكويت لأعطيها للأطفال، جاءني أناس من ديانات مختلفة قدّموا وجبات الطعام، نحن عائلة واحدة، لم يكن لدينا شيء وأصبح لدينا وما يفيض نوزّعه لمن حولنا.
لانا مدوّر: إلى ماذا تحتاج حلب الآن؟
الأب جورج فتال: إلى الأمان النفسي، نحن في فترة صعبة، لا وسائل تدفئة ولا كهرباء ولا مازوت، أمام الله لا شيء مستحيل، علينا ألا نخاف، الله يرزقنا.
لانا مدوّر: دكتور برنار كم مضى على وجودك في سوريا؟
برنار كوتغنز: منذ 5 سنوات تماماً حتى اليوم.
لانا مدوّر: ما سبب وجودك هنا؟
برنار كوتغنز: في زيارتي الأولى كنتُ مدعوّاً لقضاء العطلة في مجتمع الفوكولار في مكانٍ قريب من هنا، كنتُ مُتأثّراً بكل القصص وبترحيب الأفراد وبالإنسانية التي لم أشهد لها مثيلاً قط.
لانا مدوّر: ما هي الخدمات التي تقدّمها اليوم؟
برنار كوتغنز: عملتُ طوال هذه الفترة مع مراكز رعاية الأطفال.
لانا مدوّر: أنت طبيب نفسي إذاً.
برنار كوتغنز: في الحقيقة أنا معالج نفسي أسري وأدرّب الأفراد عن قرب، ننظّم تدريبات بشأن تطوير الذات. لقد شهدتُ دمار الكثير من المباني من جرّاء الحرب، لكنني أظنّ أن إعادة بناء الذات هي الأهمّ.
لانا مدوّر: بالطبع هي الأهمّ.
برنار كوتغنز: لكنها قد تستغرق وقتاً أطول.
لانا مدوّر: بعد الزلزال الذي وقع في الآونة الأخيرة ما هو التحدّي الأكبر الذي واجهته مع الشعب السوري؟
برنار كوتغنز: بعد الزلزال الذي شهدته بأمّ عيني أردتُ أن أساعدهم على إدراك ما يحدث داخلنا أو ما حدث بالفعل، الجميع شعر بالهزّة.
لانا مدوّر: هي حالة أشبه بالتروما أو الصدمة النفسية وما بعدها.
برنار كوتغنز: إنها صدمة بالأحرى، لا أودّ استخدام مصطلحات قاسية، صحيحٌ إنها التروما لكن بعضهم أخبرني بأنه يرغب في نسيانها فوراً.
لانا مدوّر: وهذا غير ممكن.
برنار كوتغنز: هذا صعب جداً، عليكم أولاً تهدئة أعصابكم، تستغرق هذه المرحلة الأولى بعد هذه الصدمة أسبوعين. أحياناً يقول الآباء إنه لا داعي للخوف بعد الآن ولكن على العكس، الطفل دائماً ما يشعر بالخوف.
لانا مدوّر: الأطفال على وجه الخصوص أليس كذلك؟
برنار كوتغنز: والبالغون أيضاً يخافون من تكرار هذه الواقعة، والتفكير في الطريقة التي تغلّبنا بها على خوفنا في الماضي لأن ذلك يساعدنا أيضاً في التغلّب على خوفنا في المستقبل، وكيف يمكننا أن ننتقل الآن إلى مرحلةٍ أخرى ونتعايش مع كل ذلك. كل ما جرى ترك بصمة فينا، علينا إدراك الأمر حتى وإن لم نرغب في التحدّث عنه، يمكننا تحمّله بطريقةٍ إيجابية لأن ذلك يعزّز شخصيتنا.
لانا مدوّر: عظيم، شكراً على هذه الإيجابية يا دكتور.
برنار كوتغنز: أحبّ هذا البلد بالفعل.
لانا مدوّر: أستاذ سعيد كم شخص يوجد هنا؟
سعيد الشيخ حسن: يوجد حوالى 600 عائلة مؤلّفة من 2500 إلى 3000 شخص. هناك ازدياد في هذا العدد نتيجة الهزّة، أصحاب البيوت الآيلة للسقوط أو التي فيها تشقّقات لجأوا إلينا، الحمد لله المكان هنا آمن والعدد في ازدياد.
لانا مدوّر: هل تستطيعون تأمين متطلّبات كل هؤلاء الناس.
سعيد الشيخ حسن: بعض الأصدقاء يقدّمون المساعدات ولكن الأساس هي الجمهورية الإسلامية والسيّد عبد الله نظام، الحمد لله نستطيع تأمين وجبات الفطور والغذاء والعشاء.
لانا مدوّر: وهل توجد منامة؟
سعيد الشيخ حسن: نعم وتدفئة وكهرباء على مدار 24 ساعة.
لانا مدوّر: هل المنامة داخل غرف المسجد؟
سعيد الشيخ حسن: فتحنا كل ما يستوعب أكبر عدد ممكن من الناس، المسجد والقاعات.
لانا مدوّر: هذا مسجد والجهة التي تقدّم المساعدات معروفة، هل الموجودون لديكم من طائفة واحدة؟
سعيد الشيخ حسن: كل الموجودين هنا من جميع الحارات المحيطة من سيف الدولة والفردوس وبستان القصر والكلّاسة وحتى من القلعة وميسّر، نحن هنا جميعاً إخوة.
هل صرختَ يوماً بكل قوّتك للحياة؟ هل ناديتها وتمسّكتَ بها وتعلّقتَ بحبالها؟ كلّ نفَسٍ يحرّرك فلماذا تصنع قيودك؟ اخرج من تحت أنقاضك، انفض غبارك، الخسارة ما هي إلا جزءٌ من مصيرنا، الألم ما هو إلا حكايةٌ من حكاياتنا، الخوف ما هو إلا دافعٌ لنمسي أقوى، اجمع خساراتك وأحزانك ومخاوفك وقدِّمها على مذبح الحياة قرابين، أخرِج صلابتك من تحت الركام واكتُب بها على صقيع أيامك لا شيء مستحيل..