"الشبك" في العراق
الشبك في العراق... أصلهم، عشائرهم، معتقداتهم، لغتهم، لهجاتهم. وجودهم وطقوسهم وعاداتهم... هل هم قومية أم طائفة؟ وماذا عن موقعهم ودورهم؟
نص الحلقة
<p> </p>
<p>المحور الأول:</p>
<p>غسان الشامي:أحيّيكم، قليلون مَن يبحثون عن مكوّنات مجتمعاتنا الصُغرى في هذا العالم العربي ويحاولون التعرّف إليها وإلى عاداتها وتقاليدها، ولذلك تبقى في الظل ومجهولة لدى عموم الناس وكأنها في ومن كوكبٍ غريب. الشبك مكوّنٌ وجماعة من الشعب العراقي سمع بها البعض بعد الاجتياح الأميركي للعراق لكن ما ومَن هي وما أصلها وأصل تسميتها ولغتها وعقيدتها وعشائرها وطقوسها؟ هل هي قومية أم طائفة أم مذهب، فذلك من مجهولات الكثيرين، بماذا يفكّر ناسها وماذا يريدون فهذا لا يستمع إليه الكثيرون. الأستاذ زهير كاظم عبود له كتابان حول هذا الأمر، "لمحات عن الشبك" و"الشبك في العراق" وكتب أخرى كثيرة، وهو قاضٍ حاصلٌ على بكالوريوس في القانون من جامعة بغداد سنحاوره في الشبك بعد تقريرٍ عنهم.</p>
<p>تقرير: </p>
<p>يختلف الباحثون في أصل الشبك ولا إحصاء رسمي لعددهم، فمنهم مَن يعتقد أنهم من أصولٍ كردية أو تركمانية لكنهم عشائر عراقية من الباجوات والكرد والتركمان والعرب، يقطنون نحو 60 قرية على جوانب الطرق التي تربط الموصل بأربيل وكركوك ودهوك وعقرة.</p>
<p>يدين أغلبهم بالإسلام على المذهب الجعفري الإثني عشري وبعضهم من السنّة.</p>
<p>تتّصف قراهم بالبساطة ولطالما طالها الإهمال، فيما يتّصفون بالكرم والطيبة والصدق والأمانة، وقد امتهنوا الزراعة والرعي وتربية الحيوانات، وشاعت سابقاً الأميّة بينهم وكانت آدابهم الدينية محصورة بشيوخهم، لكن منذ منتصف القرن الماضي افتُتحت المدارس الحكومية وبدأ المجتمع الشبكي بمواكبة العصر، وبرز بينهم مثقّفون وأطباء ومهندسون وتنتمي لغتهم الخاصة إلى المجموعة الآرية الهندو-أوروبية.</p>
<p>يقترب تنظيمهم الاجتماعي من مراتب الصوفية، ويُسمّى رجل الدين الناشئ "المريد" ويرتبط روحياً بشخص أعلى منه مرتبةً دينية يُسمّى "المرشد"، والمرشدون يرتبطون بمرجعٍ أعلى يُسمّى "البير"، وأقدس كتبهم الدينية مخطوطٌ بالتركية يُسمّى "بويورق- الأوامر" إضافةً إلى كتاب الكلبنك ويضمّ قصائد لشعرائهم وشيوخهم في مدح آل البيت.</p>
<p>للشبك عاداتهم وتقاليدهم وتراثهم ومنها مباركة البابا الذي يتقلّد إحدى مراتب أهل الطرق الصوفية للمولود ويُقرأ له الكلبنك، والبابا أيضاً يُسجّل عقد الزواج ويحضر الأفراح في بيت العروس حيث يرقص المجتمعون على شكل حلقةٍ تُسمّى رقصة تشوبي أو الدبكة، وفي حال الوفاة يقوم البابا بغسل الميت أو يتولّى ذلك رجلٌ تقي ويُكفَّن ويُدفَن الميت إسلامياً، ثم يوزّع أهل الميت الطعام على فقراء القرية.</p>
<p>غسان الشامي: تحيةً لكم من أجراس المشرق، دكتور زهير عبود أحيّيك ضيفاً عزيزاً على البرنامج، وسنحاول معك الإضاءة على هذا المكوّن "الشبك" الذي لا يعرف عنه الكثيرون، سيّدي سنبدأ من أين جاءت تسمية الشبك؟ </p>
<p>زهير عبود: تحياتي لك ولجميع المشاهدين، في الحقيقة أنا لست دكتوراً وإنما قاضٍ متقاعد وباحث في شؤون الأقليات والمُكوّنات العراقية. كلمة الشبك مثلما هي غريبة عليك كانت غريبة عليّ، عندما نُقلتُ إلى الموصل في عام 1991 في إطار عملي القضائي سمعتُ بكلمة الشبك، وعندما سألت وتحرّيتُ علمتُ بأن أصل هذه الكلمة هي من الاشتباك، من تشابك العديد من القوميات التي يتكوّن منها هذا المُكوّن، وما لفت انتباهي أن هذا المُكوّن مظلوم جداً ومُهمَل ومُهمّش من قِبَل الدولة العراقية، يسكنون في قرى تحيط بخاصرة الموصل وبالرغم من كون سهل نينوى في العراق يضمّ عدّة مُكوّنات قومية: الكرد والعرب والتركمان وعدة ديانات: الإسلام والمسيحية والأيزيدية والآشوريين والكلدان والعديد من المُكوّنات الدينية، إضافةً إلى المُكوّنات المذهبية، الشبك كانوا شبه منعزلين.</p>
<p>غسان الشامي: سنأتي على هذا ولكن سؤالي هل هو فقط من الاشتباك؟ البعض يقولون إنها تأتي من كلمة بيك وهي كلمة تركية.</p>
<p>زهير عبود: هناك تقوّلات كثيرة أساءت إلى الشبك والكثيرون كتبوا بصورةٍ تُشوّه هذا المُكوّن الجميل والنازع للإنسانية بشكلٍ غير حقيقي. لقد وجدتُّ أن الكثير من الكتابات كُتبِت لتفسّر كلمة الشبك وتحاول أن تعيدهم إلى الأصول التركية والكردية والتركمانية، ولكن وجدتُّ أن هناك مجموعة خليط من الكرد والعرب والتركمان والفرس بين هؤلاء، ولهذا أجد أن الاشتباك بين هذه القوميات التي شكّلت هذا المُكوّن هي الأصحّ، وأعتقد أن الكثير مما قيل لا سند له في التاريخ رغم عدم الاتفاق على مفهوم وأصل كلمة الشبك.</p>
<p>غسان الشامي: سيّدي أن يكون في القرن الواحد والعشرين نوعٌ من اللغط حول أصول مُكوّن اجتماعي أو مجموعة من البشر هو أمرٌ له دلالات، ولكن لنبدأ معك أيضاً بأصل الشبك علّنا نصل إلى النتائج، ما هو أصلهم؟ </p>
<p>زهير عبود: من خلال بحثي وجدتُّ أن الكثير من الافتراضات والآراء التي تجنح نحو القول بأن أصل الشبك من الأتراك وهذا يدحضه وجود شبك من غير الأتراك. هناك رأي يقول إنهم من الكرد وأيضاً هذا ضعيف جداً وليس له سند لأن هناك الكثير من العشائر التركمانية والعربية ومجموعات من الفرس من بين هؤلاء الشبك. لا أستطيع القول إنهم عرب بالرغم من أن الحكومة العراقية سابقاً كانت تكتبهم في حقل القومية عرباً من دون أن تستوعب وضعهم أو مُكوّنهم الحقيقي، لذا أجد أنه من الأصحّ أنهم مشتبكون وخليط من عدة قوميات يوحّدهم الدين أو المذهب.</p>
<p>غسان الشامي: قلتَ إن هناك عشائر عربية شبك.</p>
<p>زهير عبود: نعم أثناء تجوّلي في مناطقهم وأنا عملتُ لمدة طويلة في قضاء الموصل وأصبحت لديّ علاقات اجتماعية جميلة جداً مع بعض الشخصيات الشبكية، وجدتُّ أن هناك من عشائر التركمان من البيات، وجدتُ أيضاً عشائر كردية من باجلان، وجدتُ أيضاً من ضمنهم العشائر العربية من طي، ومجموعة من الفرس الذين يتحدّثون بلكنةٍ أشبه ما تكون باللغة الإيرانية من التركمانية.</p>
<p>غسان الشامي: ما هي عقائدهم أستاذ عبود؟</p>
<p>زهير عبود: الشبك كانوا سابقاً محصورين في منطقة بين كردستان والموصل ومُنغلقين على أنفسهم، ولهذا كانت هناك بعض الإنحرافات أو بعض التقوّلات التي لم أشاهدها الآن في العصر الحديث وإنما يُذكر في الثلاثينات وبداية الحُكم الوطني العراقي أنه كانت هناك بعض العثراث أو الإنحرافات حول طريقة عبادتهم، لكن اليوم أصبح الشبك مسلمين، الأكثرية منهم من أتباع المذهب الجعفري الإثني عشري والقليلون منهم من أتباع الشافعية، ولهذا أقول إن جميعهم مسلمون صحيحون ويمارسون كل ما يمارسه المسلم من عبادات وطقوس.</p>
<p>غسان الشامي: لماذا اختلف الباحثون حولهم، هل كان هناك انغلاق كبير حتى لم يتعرّف عليهم الباحثون؟</p>
<p>زهير عبود: قسمٌ من الباحثين كان يريد بقصد الإساءة فيخترع أو يتصوّر بعض المناسبات الدينية أو الطقوس ويحاول الإساءة إليهم، وجدتُّ أن بعض المؤلّفين يقول إن عندهم ليلة تُسمّى ليلة التعاذر يختلط فيها الحابل بالنابل، حاول الإساءة لهم. في الحقيقة في ليلة التاسع أو العاشر من محرّم تجدهم يمارسون طقس البكاء في ذكرى استشهاد الحسين عليه السلام، هذه ليست مثلبة وإنما العكس ولهذا يتقوّلون عليهم إنهم في هذه الليلة يختلط الحابل بالنابل، كيف ذلك؟ الكل حزين وملتزم، أيضاً كانوا يقولون إنهم في ليلة من ليالي السنة تكون لديهم ليلة الاعتراف، يعترفون بذنوبهم مثلما يعترف الإنسان المسيحي على كرسيّ الاعتراف أمام الجهة الدينية المُخوّلة بالاستماع للاعتراف بالذنوب، وهذه غير موجودة، لم أجد لديهم جميع التقوّلات أو الاتهامات التي تسيء إليهم. بقيتُ لفترة طويلة جداً أتحرّى عن هذه المسائل فيضحك مَن أسأله عن هذه الأمور أنهم يتناولون الخمر والخمر كما تعلم لا يجوز للمسلم شربه، وأغلبهم ملتزمون بالصلاة والصيام والزكاة والحج إلى بيت الله والالتزام بالشهادة، ولهذا فأنا أجد أن الكثير من هذه التقوّلات سيمحوها الزمن وقد أُهملت وأصبحت في سلّة المهملات، والكثير من الباحثين والمؤلّفين لا يلتفتون إلى مثل هذه التقوّلات التي عفا عليها الزمن. </p>
<p>غسان الشامي: البعض يقول ولا أعلم إذا ما كان تقوّلاً أم قولاً إنهم فرقة من الشيعة تؤمن بألوهية الإمام علي، هل هذا صحيح؟ </p>
<p>زهير عبود: هذا قسمٌ من الاتهامات المغرضة، يتّهمونهم بأنهم من "العلاهية"ومن بقايا الفرق الباطنية ومن القزلباشية وغيرها الكثير من الاتهامات، لكنني لم أجد مثل هذا الشيء وإنما هم أتباع المذهب الجعفري ويلتزمون بما تمليه عليهم المرجعية الدينية وملتزمون بتوجيب وتوقير الأئمة الإثني عشر الذين يوقّرهم جميع الشيعة الإمامية، إضافةً إلى أن لديهم بعض المسلمين أيضاً من أتباع المذهب الشافعي ومنسجمين، أما مسألة أنهم علاهية ومن غلاة الشيعة ويؤلّهون الإمام علي فلا أعتقد أن لها نصيب من الصحّة وهي مسألة مُغرضة جداً وغاية في الكذب.</p>
<p>غسان الشامي: ما علاقتهم بالصوفية أستاذ عبود؟</p>
<p>زهير عبود: في الحقيقة كان قسم منهم من الأتراك ولديهم كتاب يُعتبر من التواشيح الدينية أو الأناشيد الدينية التي تقرّبهم إلى الله أو إلى الأولياء وهو كتاب الكلبنك ومعناه ما يتفضّل به، ولديهم كتاب آخر أيضاً، هذه الكتب هي من بقايا القزلباشية أو بقايا الفرق الإسلامية الصوفية في تركيا، وأنت تعرف أن هذا الخليط يأتي بما يأتي به قومه أصلاً فتنتشر في المنطقة. لديهم علاقة أيضاً بالصوفية من خلال التزامهم بالنفس الصوفي والطرق الصوفية السابقة ولكن أعتقد أن هذه المسألة انتهت الآن وبقي التزامهم المذهبي الديني، ولا علاقة لهم إطلاقاً بالصوفية الآن سواء في كردستان أو في تركيا. </p>
<p>غسان الشامي: وأيضاً هناك كلام عن علاقاتهم السابقة بالعثمانيين، وأنت ذكرت أنهم أخذوا كتركمان منقزلباش أو الطرابيش الحمر بعض طرقهم. </p>
<p>زهير عبود: الدولة العثمانية احتلّت المنطقة لمدة 400 عام فأثّرت بالكثير من المناطق وليس فقط على الشبك، الشبك لديهم فرس أيضاً ويقال إن هؤلاء بقايا الحملة التي شنّها أحد القادة الفرس لفتح الموصل ومحاصرة الموصل لفترة طويلة جداً، وعندما فشلت هذه الحملة وعاد الفرس إلى بلاد فارس بقيت بعض الشخصيات الذين تزوّجوا من نساء المنطقة أو الذين مرضوا أو رغبوا بالإقامة في هذه المنطقة فبقيت هذه المجموعة. أيضاً بقيت مجموعة من الطرابيش الحمر أو الذين اكتسحوا مناطق كردستان أو الموصل أو اتّجهوا إلى احتلال مناطق العراق بأكملها، ولهذا تجد أن اللغة التي يستعملونها هي لغة خليط بين التركمانية والفارسية والكردية وحتى العربية أحياناً.</p>
<p>غسان الشامي: سنحاول وإيّاك البحث في لغتهم ولكن بعد أبحاثك عنهم هل يُعتبرون قومية أم طائفة أم مذهباً؟ هم شيعة وسنّة وهم كرد وتركمان وعرب وفرس.</p>
<p>زهير عبود: الشبك هم خليط من عدّة قوميات، لا يصحّ أن ننسبهم إلى قومية معيّنة ولا يصحّ أيضاً أن نقول إنهم قومية شبكية، هم هجين خليط جداً، إذا قلنا هم قومية بذاتها فإننا نغبن حق الشبك التركمان أو الشبك العرب أو الشبك الكرد، فالأصح من وجهة نظري أنه يقال إن الشبك كمُكوّن مسلم سواءً الشيعة أو السنّة هم بالنتيجة مسلمون ويتبعون المذهب الذي يؤمنون به وفق عقيدتهم.</p>
<p>غسان الشامي: هل تختلف الطقوس التي سنحاول التكّلم عنها في القسم الثاني إذا سمحتَ بين الشيعة والسنّة من الشبك؟ </p>
<p>زهير عبود: لقد زرتُ القرى التي تؤمن بالمذهب الجعفري وأيضاً تلك التي تؤمن بالمذهب الشافعي فلم أجد أيّ فارق إطلاقاً أو أي مؤشّر يدلّ على أيّ اختلاف بينهم، جميعهم مسلمين أصحاح وجميعهم مؤمنون بأن الإسلام يظلّلهم بخيمته، وأن المذهبية لا تعدو كونها طريقة من طرق الوصول إلى الحقيقة التي يؤمنون بها. القرى الشبكية عموماً سواءً السنية أو الشيعية هي مُهملة ومُهمّشة في الحُكم السابق وحتى الحالي، لم نجد أي اهتمام إطلاقاً بشكل خاص بهذه المنطقة رغم كونها منطقة زراعية مؤثّرة ومُنتجة وتضمّ تربية الحيوانات التي يمتهنها الشبك ويبدع فيها واشتهروا بأمانتهم في هذه المنطقة، وأنا سمعت الكثير عن أمانتهم وقصصهم من أهل الموصل وهذا دليل على أن أهل الموصل يثقون بهم ويحترمونهم، وهم جديرون بهذا الاحترام وهذه الثقة لأنهم اشتهروا بطيبتهم وكرمهم وأمانتهم في هذه المنطقة.</p>
<p>غسان الشامي: من أين برأيك جاءت لغة الشبك؟ </p>
<p>زهير عبود: هذا اللسان الخليط الذي يجانس بين التركمانية والكردية وأحياناً حتى الكلمات الفارسية والعربية، لديهم لغة خاصة بهم يتفاهمون بها، الكثير منهم يتحدّث الكردية والتركمانية أيضاً، وقسم يتحدّثون العربية فقط ويتبعون تأثيرات المنطقة، مَن كان في تلعفر يتمسّك باللغة التركمانية، قسم من القرى الشبكية الموجودة على خاصرة الموصل أيضاً يتكلّمون التركمانية،وقسم يتكلّمون الكردية، وقسم هجين بين هذه اللغات، وقسم يتحدّثون العربية.</p>
<p>غسان الشامي: هل هناك لهجات؟ هلي هي لهجة وليست لغة؟ هل هي شفاهية أم مكتوبة؟ يتحدّثون عن لهجات كورانية، باجلانية، هورامية، ما هي هذه اللهجات؟ </p>
<p>زهير عبود: الباجلاني يتحدّث هذه اللهجة بحكم كونه كردي أصلاً ويؤثّر على الآخرين، وبالتالي لا أعتقد أنه يسحب هذه اللهجة أو هذا التمسّك باللغة إلى شقيقه الشبكي الذي يتحدّث التركمانية، وأنا أعتقد أن كلاً منهم متمسّك بهذه اللهجة لكنه يتفاهم مع الشبكي الآخر من دون أن يتفاهم مع لغة أخرى، الكثير منهم لا يتفاهمون مع الكرد أو مع الأتراك ولكنهم يتفاهمون مع الشبكي.</p>
<p>غسان الشامي: سنذهب إلى فاصل أستاذ عبود، أعزائي انتظرونا بعد الفاصل، موضوعنا هو الشبك المُكوّن الموجود في شمال العراق بعد الفاصل.</p>
<p>المحور الثاني: </p>
<p>غسان الشامي: تحيّةً لكم مجدداً من أجراس المشرق، أستاذ زهير عبود ما هو تعداد الشبك في العراق؟ </p>
<p>زهير عبود: حوالى أكثر من 65 قرية من القرى الواقعة بين الموصل ومدينة أربيل وامتداداً إلى شيخان وتلعفر في غرب الموصل والشمال الشرقي، بتقديري أنهم يصلون الآن إلى ما يقارب أكثر من نصف مليون إنسان من الشبك، ولكنني لم أطّلع على أية إحصائية لعددهم بشكل دقيق.</p>
<p>غسان الشامي: سألتك لأنني حاولت خلال الإعداد لهذه الحلقة أن أحصل على أرقام صلبة لأتكلّم بها ولكنني لم أجد، البعض يقول إنهم 70 ألفاً والبعض الآخر يقول 120 ألفاً ولكن لم أجد رقماً دقيقاً، لذلك سألتك هذا السؤال. في الواقع وأنت تتكلّم خطر لي أن كل هذه الأقليات: الشبك والأيزيديون والآشوريون والسريان والكلدان يسكنون في سهل نينوى، ألم تتساءل لماذا سهل نينوى ضمّ كل هؤلاء؟ </p>
<p>زهير عبود: سهل نينوى مرتع قديم جداً للديانات القديمة، تاريخ المسيحيين بدأ من سهل نينوى والأيزيديون مركزهم الديني وحياتهم الدينية والعشائرية في سهل نينوى، أيضاً الآشوريون والأرمن وجميع هذه الديانات كانت تسكن هذه المنطقة لأنها جميلة وزراعية ويمكنك أن تصل عبرها إلى مناطق سوريا وإلى تركيا وإيران، مناطق الجنوب لها نمط خاص من الحياة القاسية وأغلب سكانها يعيشون على الأنهار ووسط الأهوار والحياة القاسية والحرّ الذي لا يُطاق. أعتقد أن أجواء الموصل الجميلة جداً جعلت من هذه الأمكنة مرتعاً لهذه الديانات والطوائف. هناك عدد من الأديرة التي بُنيت في الزمن القديم يتواجد فيها المسيحيون حتى الآن، هناك الكثير من الأمكنة الدينية والمزارات التي يؤمّها الأيزيديون، مركز لالش الذي هو المحجّ الأساسي لكل أيزيدية العالم موجود في منطقة لالش قرب منطقة الشيخان على طريق دهوك. الشبك أيضاً لأنهم كانوا منقطعين ومحصورين في هذه المنطقة صنعوا لأنفسهم مقامات دينية يعتقدون أنها توصلهم روحياً إلى أئمّتهم وأوليائهم. الكثير من الأضرحة أو المقامات وجدتها في القرى الخاصة بهم، مقام للإمام الرضا، مقام للإمام زين العابدين رغم أن الإمام الرضا موجود في طوس وأن الإمام زين العابدين موجود في المدينة، ورغم كون الإمام العباس موجود في كربلاء إلا أن هذه القبور أو الأضرحة أو المقامات رمزية يتّخذها الشبكي حتى ينفّس عن نفسه أو يؤدّي واجباً أو طقساً دينياً يعتقده. </p>
<p>غسان الشامي: أيضاً هذا يدفعني إلى سؤال حضرتك عن معتقداتهم، ماذا رأيتَ من معتقداتهم في القرى التي يعيشون فيها؟ </p>
<p>زهير عبود: جميع القرى التي زرتها من أهل الشبك وجدتهم مسلمين صحيحين ومتمسّكين بإسلامهم ويفتخرون بهذا الإسلام، ولقد شاركتهم بعض المظاهر والطقوس، حتى إنني حضرتُ مع عدد من الأصدقاء الذين أتمنّى لهم طول العمر مراسم العاشر من محرّم في قرى الشبك رغم أنه كان هناك منع ومراقبة من السلطة السابقة، ولكننا اجتمعنا في إحدى القرى واستمعنا إلى الخطبة الدينية وتناولنا الطعام على ثواب الإمام الشهيد الحسين وأصحابه، ولم أجد إطلاقاً في هذه القرى شائبة أو إشارة سلبية. </p>
<p>غسان الشامي: نحن لا نتكلّم عن الشوائب والإشارات السلبية ولكن نريد التوضيح للسادة المشاهدين هذا المكوّن الصغير كيف يرى الحياة، كيف يفكّر، المُعتقدات، هذا يدفعني أيضاً للسؤال هل هناك طقوس دينية اجتماعية خاصة؟ اللباس الخاص؟ أعياد خاصة؟ </p>
<p>زهير عبود: هم منسجمون مع المنطقة، أنت تعرف أن اللباس يتحدّد ضمن المنطقة، هم يلبسون اللباس العربي لأن الموصل هي محافظتهم تقريباً، الوضع اختلف الآن، انتشروا في مناطق عديدة من الموصل حتى أن بعض أحياء الموصل يسكنها أبناء الشبك، أيضاً هم يلبسون الملابس المدنية أو العربية، وقسم منهم يرتدون الملابس الكردية بحكم المنطقة. بخصوص الطقوس فهم يحتفلون مثل المسلمين، رمضان بموجباته والتزاماته، وزياراتهم وعلاقاتهم الاجتماعية متماسكة جداً، لديهم رجال يؤمّونهم عند أي خلاف في ما بينهم، يمتازون بحكمتهم، كذلك يمتاز أبناء العديد من الشبك بحصولهم على شهادات علمية عالية في الطب والهندسة، وتبوّئهم لمناصب عليا بعد أن كانوا محرومين منها وكان من المستحيل وصولهم إلى هذا المستوى. الآن انفتحوا على العراقيين وعلى المجتمع الموصلي والكردي، حتى أن لديهم الآن أعضاء في البرلمان العراقي يمثّلونهم. المجتمع الشبكي الآن لم يعد محصوراً أو منغلقاً كما كان سابقاً بل انفتح اقتصادياً وثقافياً وحتى سياسياً ودينياً. </p>
<p>غسان الشامي: هذا في الوقت الحالي، ولكن أنا قرأت أن من عاداتهم أن يرشّو الحنطة والشعير خلال حفلات الزواج، هذا معطىً أنثروبولوجي وعادة لها معنى.</p>
<p>زهير عبود: هم يزرعون الحنطة والشعير ويرعون الحيوانات ويهتمّون بتنمية الثروة الحيوانية. هناك مناسبات تُرشّ فيها الحنطة للتعبير عن الخير، في الجنوب يرشّون الرز باعتبار أن مناطق الجنوب تزرع الرز، أما مناطق الشبك فتزرع الحنطة والشعير، وهذه مسألة تتعلّق بالعادات الاجتماعية ولا علاقة لها بالدين أو المذهب على الإطلاق. أيضاً كما ذكرتُ في ليالي رمضان يجتمعون بعد الإفطار للاستماع إلى الخطب الدينية والتواشيح والنصائح، أيضاً لديهم نفس أعياد المسلمين، عيدا الفطر والأضحى، ويقومون أيضاً بزيارة الأئمّة سواء في كربلاء أو النجف أو الكاظمية أو سامراء، وكذلك يقومون بالحج إلى بيت الله. </p>
<p>غسان الشامي: سيّدي أنا أسأل عن العادات والتقاليد الاجتماعية وهذا أمر مهم جداً، البعض يقول إنهم في العراق منذ 300 سنة لا أكثر، معنى ذلك أن لهم عاداتهم وتقاليدهم، منذ متى هم في العراق؟</p>
<p>زهير عبود: أعتقد قبل تأسيس الدولة العراقية، إذا افترضنا أن قسماً منهم عند حصار الموصل جاؤوا مع مجيء الجيش التركي ومن بقايا القزلباشية، هم بالتأكيد من الطرق الصوفية التي تتبع آل البيت، هذه البقايا موجودة قبل تأسيس الدولة العراقية يقيناً. </p>
<p>غسان الشامي: البعض يقول إنهم وُجدوا في العراق أواخر العصر العباسي، هل هذا الكلام صحيح؟ </p>
<p>زهير عبود: لم أجد مصدراً يؤكّد هذه المسألة وأعتقد أن هناك خلافاً بين الباحثين والكتّاب حول أصلهم وحول الوقت الذي حلّوا فيه في هذه المنطقة، إلا إنني حينما تحرّيت في مكتبات الموصل القديمة وعندما سألتُ شخصيات كثيرة في الموصل لم أعثر على جوابٍ شافٍ يؤكّد أن الشبك جاؤوا ضمن فترة محدّدة. عندما عشت في هذه المدينة وجدت أن الشبك مشهورون بأمانتهم وزراعتهم وتجانسهم وخدمتهم لأهالي الموصل واشتراكهم معهم بصفقات تجارية وزراعية، لم أتأكد بالضبط من الفترة التي حلّوا فيها في هذه المنطقة. </p>
<p>غسان الشامي: ولكن يقال أيضاً إن لديهم طقوس خاصة للموت، هل تحرّيتَ؟ في كتابك يوجد هذا، كيف تقام الجنازات؟</p>
<p>زهير عبود: لديهم مقابر خاصة بهم في قراهم وأنا أعتقد أن هذه المقابر للفقراء أو لمَن لا يستطيع أن يرسل موتاه إلى النجف، أما البقية فترسل موتاها إلى النجف أسوةً بالشيعة الذين يتباركون بقبر الإمام علي في هذه المدينة المقدّسة، لم أجد إطلاقاً أي اختلاف، حضرتُ مجالس فاتحة لبعض الأموات وأيضاً مجالس تأبين ولم أجد أيّ خلاف إطلاقاً عمّا يُمارَس في وسط وجنوب العراق. </p>
<p>غسان الشامي: ما هو وضع المرأة عندهم؟</p>
<p>زهير عبود: المرأة الشبكية مهمة جداً لأنها تأخذ على عاتقها ليس فقط تربية الأولاد ورعاية شؤون البيت وإنما تشارك في رعاية الحيوانات وفي الزراعة، ولهذا تجد أن المرأة عنصر مهم جداً في حياة الشبكي وهي جديرة بالتقدير والاحترام، لديهم نساء تعمل بشكل مضاعف أكثر مما يعمل الرجل. المرأة الشبكية مُعتزّة بنفسها وملتزمة التزاماً حديدياً بما يمليه عليها المجتمع الشبكي، ولهذا أنا وجدتُّ الكثيرات ممّن نجحنَ في تربية أولادهنّ وتهيئة بيتوهنّ لاستقبال الضيوف أو تهيئة حياة مُرفّهة لأزواجهنّ وأولادهنّ وإخوتهنّ وسط هذا المحيط رغم كل ما يقع عليهنّ من تعب وجهد كبيرين جداً أكبر من طاقتهنّ. </p>
<p>غسان الشامي:هل المجتمع الشبكي هو مجتمع بطريركي أبوي، ما دام أن هناك دوراً كبيراً للمرأة كما تقول يجب أن تتقاسم المرأة والرجل المسؤولية وبطريقة أو بأخرى السلطة أم أن الرجل هو مَن يتحكّم بمسيرة العائلة الشبكية؟</p>
<p>زهير عبود: إسوةً بكل المجتمعات العراقية العشائرية السطوة للرجل ولا حضور للمرأة في هذا المجال، ولهذا لا تجد نساء شبكيات في المناصب العليا في السلطة أو البرلمان، هنّ مقموعات من هذه الناحية لكن لديهنّ كل الاحترام في مجتمعاتهنّ ومدنهنّ وقراهنّ وبيوتهنّ.</p>
<p>غسان الشامي: هل يتزوج الشبكي امرأة غير شبكية؟</p>
<p>زهير عبود: قليل جداً، أنا وجدتّ شبكاً متزوجين من غير شبكيات ووجدت أيضاً شبكيات متزوّجات من غير الشبك لأنهم كما تعرف مسلمون، ولم أجد أية حواجز أو ممنوعات حول هذا الأمر إلا أنني سُئلتُ مرة أنه هل يجوز أن يتزوّج الإنسان من امرأة علوية من نسل الإمام علي أو الحسن أو الحسين، وهو شخص عادي، هذه كانت معضلة لديهم أنه لا يجوز هذا الأمر تقديساً وتقديراً لموقع السادة الأجلاء في المجتمع، وأعتقد أنهم تجاوزوا هذه المسألة الآن لأن المجتمع الشبكي أصبح منفتحاً وتفهّم هذا الدور، وانتقلوا الآن إلى النجف وكربلاء وبغداد وأصبحوا منسجمين ومختلطين بالمجتمع، حتى يمكن ألا تعرف الشبكي من غير الشبكي إلا إذا صرّح لك هو بذلك. </p>
<p>غسان الشامي: هذا أيضاً يدفعنا إلى السؤال عن التعليم لدى الشبك، هل هناك محظورات في التعليم؟ هل لديهم مدارس خاصة أم أنهم يدرسون مثل أيّ مواطن عراقي؟ </p>
<p>زهير عبود: القرى التي يسكنها الشبك كانت مهملة ومهمّشة بلا ماء ولا كهرباء ولا طرقات مُعبّدة ولا مدارس، وكان المجتمع الشبكي يعتمد على الزراعة وتربية الحيوانات. الجيل الذي نشأ بعد دخول المدارس بعد أن ذهبت مجموعات من صغار الشبك إلى مدارس قريبة سواء في مناطق المسيحيين أو في المناطق التي بنت الدولة لهم فيها مدارس استطاعوا أن يبرزوا وأن يتجاوزوا إلى الدراسة الإعدادية ثم إلى الكليات، وكما ذكرت لك الآن تجاوزت هذه المسألة حتى أصبح الكثير من أبناء الشبك من حَمَلة الشهادات العلمية العليا والغاية في الإنسانية والتطوّر، وهذا ما يُفرح النفس أن مسألة التعليم أصبحت مسألة إلزامية ويتبارى بها أبناء الشبك. </p>
<p>غسان الشامي: وتعليم المرأة؟</p>
<p>زهير عبود: نفس الشيء، ولكن الكثير من أبناء الشبك يمنعون بناتهم من تجاوز مرحلة الإعدادية، قليلون جداً منهم مَن يسمح لها بمتابعة التعليم الجامعي لكي تستفيد من الشهادة الأكاديمية.</p>
<p>غسان الشامي: ما هو واقعهم السياسي والاقتصادي الحالي إن كان في شمال العراق أو في بغداد؟ </p>
<p>زهير عبود: واقعهم السياسي للأسف أصبح التشتّت بينهم ظاهرة ملفتة للنظر بحكم أن الكثير منهم انتموا إلى الأحزاب الكردية، وقسم منهم انتمى إلى الأحزاب الإسلامية الدينية، أحزاب الإسلام السياسي. هذه الفُرقة تحدث للمرة الأولى عند الشبك وولّدت نقاط ضعفٍ وخلاف بينهم، وأعتقد أن ذلك انعكس سلبياً على حياتهم لأن الكثيرين منهم لا يلتفتون إلى وضعهم السابق والحالي وواقعهم الاجتماعي المتردّي وقراهم المهمَلة التي يجب أن تلتفت لها الدولة بشكل خاص لأنهم غُبنوا وظُلموا على امتداد زمنٍ طويل جداً، ولم يأخذوا حقهم من المواطَنة ومن خزينة الدولة التي بُعثرت على مناطق أخرى.</p>
<p>غسان الشامي: بطريقةٍ أو بأخرى هل هم يعتمدون فقط على مفهوم الكوتا، لنفترض الأمر في شمال العراق. </p>
<p>زهير عبود: لا مجال لهم في الكوتا إنما يدخلون ضمن الأحزاب الدينية أو الأحزاب الكردية الموجودة، بدأت تبرز عناصر كثيرة في مجال السياسة والتشريع من قِبل الشبك على أساس الانتماء السياسي الحزبي لهذا الحزب أو ذاك. </p>
<p>غسان الشامي: في السابق كان هناك ضبّاط من الشبك، أريد أن أسألك هل يوجد أدباء وشعراء؟ بأيّة لغةٍ يكتبون؟ هل يعتمدون العربية مثلاً ما دام قلت إن هناك شبكاً عرباً؟ </p>
<p>زهير عبود: خلال عملي كان الكثير من المحامين المجتهدين والصادقين في عملهم من الشبك كانوا يتحدّثون العربية، وكان هناك أطباء من الشبك كذلك وأيضاً تعرّفت على ضباط، وكما تعرف أن الضابط لا يُسأل عن أصله وإنما عن دينه حتى يتقدّم إلى الكلية العسكرية، فعندما يتقدّم أحدهم إليها يكتب إسمه ودينه كمسلم لكي يتم قبوله، ولكن كان هناك أشبه ما يكون بالدائرة على الشبك للحكومة العراقية السابقة التي كانت تريدهم عرباً وتسجّلهم في سجلات الأحوال المدنية عرباً علماً أن الكثير منهم غير عرب أو شبك بوضع خاص، هم خليط وهجين من عدّة قوميات.في الفترة الأخيرة برز منهم الكثير من الأدباء والكتّاب ممّن راسلوني وكتبوا لي بعض الأمور التي تبشّر بأن لديهم جيل واعد دخل في مرحلة الحداثة.</p>
<p>غسان الشامي:هل الأدباء والشعراء يكتبون بلغتهم أو بلهجاتهم أم بماذا؟ </p>
<p>زهير عبود: قسم منهم يكتب بالعربية وقسم بالتركمانية وقسم آخر بالكردية أيضاً.</p>
<p>غسان الشامي: هل بات هناك أسماء مشهورة؟</p>
<p>زهير عبود: لا تحضرني أسماء ولكن كان لديّ أحد الأصدقاء يُدعى أدهم عبد العزيز رحمة الله عليه وقد كان أديباً وباحثاً كبيراً جداً معني بشؤون الأقليات، وكان يعمل في الإمارات العربية المتّحدة وبقينا على تواصل حتى وافته المنيّة. </p>
<p>غسان الشامي: شكراً جزيلاً. رغم الهجرات والتهجير والقتل والتقتيل ما يزال المشرق خزاناً أنثروبولوجياً وثقافياً لا مثيل له على هذه الكرة الأرضية، كيف لا وهو البؤرة الحضارية الأولى. الشكر للأستاذ زهير كاظم عبود على مشاركته أجراس المشرق الإضاءة على الشبك، والشكر لزملائي في البرنامج والميادين على جهدهم، سلامٌ عليكم وسلامٌ لكم. </p>
<p> </p>