عرانيس: بَسْطةُ العريس
يقتحمون العرس، يصادرون عربة الرزق، ثم يحدثون عطباً في الخيال. لا شيء. إنهم فقط يزيلون المخالفات. لا ذنب لهم.
-
عرانيس: بَسْطةُ العريس (Jacob Lawrence)
يلمع أمام عينيه لون ثوبها، ينعكس بريقه على حبيبات الذرة الصفراء. لون أبيض تسيل منه الحياة. تتدفق مثل ماء عذب بعد عطش طويل.
لون دافئ ينهمر فوق جسدها النحيف، على هيئة فستان أو شعاع شمس. يراقب تفاصيله اللطيفة بلهفة، بينما يفرط حبيبات الذرة الصفراء أمامه بهدوء، لئلا يقع شيء من خرزات ذلك الفستان السحري. تمتزج حدود الإدراك التي تفصل الأبيض عن الأصفر، بينما تذوب الزبدة فوق "عرنوس" الذرة. يرش الملح فوق الصحن بهدوء، فيتناثر الأرز مع بتلات ورد ملون على رأسيهما.
يمد يده إلى طفل صغير يقف هنا، بجانبه، يناوله الذرة المشوية، ثم تعلو الزغاريد. يفتح القدر، يرمي العرانيس النيئة في الماء المغلي، بينما تغمس العروس إصبعها في الحناء، وتبتسم برقة، مثل زهرة قطن. يحترق إصبعه أثناء شروده بها فيجفل ويرتعش جسده، ثم تدير العروس وجهها إليه وتضحك. ينسى الحرق الذي قد يصير ندبةً في ما بعد، ثم يسكب حبيبات الذرة في علبة صغيرة، بينما تمد فتاة يدها لتأخذ حبة "ملبّس" ثالثة خلسةً عن أمها. تنظر إليها العروس، ومجدداً تضحك. يملأ كأس الماء ويشرب. كوب. ثم كوب آخر. ضحكتها تشعل في الظمأ نفسه، والماء هنا مالح. مثل ماء عينيه.
يلف أحد المعازيم "النقوط" على أصابعه، بينما تقرقع النقود المعدنية وهو يرميها في علبة "الغلّة". تمد العروس يدها اليسرى ليضع المحبس الفضي الناعم، فيمد هو يده ليسند ظهر عجوز جاء لتوه، ويجلسه على المقعد بجانبه، ريثما يعطيه "عنقود" الذرة، بينما ينظر إلى وحمة صغيرة على طرف بنصرها، تشبه "العنب".
"ألف مبروك" تقول لهما امرأة تلبس ثياباً زاهية، عليها أغصان وعصافير. "صحة وهنا" يقول لامرأة يغرد العصفور نفسه على غصن في ثيابها، بينما تأخذ منه علبة الذرة. ينظر مجدداً إلى تطريز بديع في فستانها الأبيض، يشرد بها.
تقع من يده حفنة من الذرة، فينحني ليلتقط منديل عروسه. يرفع رأسه. إنهم رفاقه، يتحلقون حوله، يغنون له موالاً يحبه:"يضحكلك الورد لو كان الورق يابس". ترتسم ضحكة على وجهه. تختفي. يرفع رأسه، إنهم رجال الشرطة، يتقدمون نحوه، لا يقولون شيئاً. يصادرون عربة الذرة. يزيلون المخالفات. يصدح صوت ارتطام القدور بالأرض، بينما تعلو أصوات النسوة وهن يرددن زغرودةً قديمة:
"آويها عنا حبة درة
آويها لا بتنباع و لا بتنشرا
آويها وعريسنا الحلو
آويها نقى أحلى جوهرة"
يقتحمون العرس، يصادرون عربة الرزق، ثم يحدثون عطباً في الخيال. لا شيء. إنهم فقط يزيلون المخالفات. لا ذنب لهم. نحن من يصنع من حبة الذرة قبة، لنحمي أحلامنا، وأيامنا القادمة.