الخلف حول التعيينات الأمنية قد يؤدي إلى تأجج الشارع
في مثل هذه
الأيام من السنة الماضية، كان قائد الجيش اللبناي العماد جان قهوجي قد اقترب من
الإحالة إلى التقاعد، لكن جزءً من الأطراف السياسية في لبنان رأى أنّه في ظل غياب
رئيس الجمهورية والتمديد للمجلس النيابي، فإنّ من الطبيعي أن يتم التمديد لمن يمكن
التمديد لهم قانوناً من قادة الأجهزة الأمنية ومنهم قائد الجيش.
إلا أنّ التيار
الوطني الحر بقيادة النائب ميشال عون الذي يعتبر نفسه الطرف الأكثر تمثيلاً
للمسيحيين في لبنان، رأى أن من حقه تعيين قائد جديد للجيش، طالما أنّ قيادة الجيش
تخص المسيحيين وتحديداً الموارنة، في بلد تتوزع فيه المراكز والمناصب من أعلى
الهرم إلى أسفله حصصاً على الطوائف.
حصلت الأزمة
حينها على قضية التعيينات الأمنية هذه. أصرّ وزير الدفاع سمير مقبل بدعم من فريق
سياسي عريض أن يستخدم صلاحياته التي تسمح له بالتمديد لقائد الجيش من دون الرجوع
إلى مجلس الوزراء. بالمقابل، أصرّ التيار الوطني الحر على ما يراه حقاً بتعيين
قائد جديد للجيش يسمّيه هو.
كانت النتيجة أن
توقّف العمل الحكومي بعدما تضامن حزب الله مع حليفه العماد عون، ليمتنع وزراء
الحزبين عن حضور جلسات الحكومة. حصل التمديد لقائد الجيش وبقي لبنان بحالة من
الشلل الحكومي إلى أن تم إيجاد تسوية بالوقوف على رأي العماد عون بتعيين ضباط جدد
في المجلس العسكري، ليعود وزراء التيار إلى حضور الجلسات وتنتهي الأزمة الحكومية.
اليوم وعلى مشارف
شهر أيلول/سبتمبر، تقترب مدة التمديد لقائد الجيش جان قهوجي من نهايتها. يستطيع
وزير الدفاع أن يعيد الكرة طالما أنّ سنّ قهوجي ما زال يسمح بالتمديد له سنة واحدة
قبل أن يصبح وزير الدفاع ملزماً بالقانون إحالته إلى التقاعد.
تعود اليوم
الأزمة إلى ما كانت عليه في السنة الماضية. التيار الوطني الحر يطالب بتعيين قائد
جديد فيما يصرّ الفريق الآخر على التمديد وإبقاء الحال على ما هو عليه.
أعلن التيار
الوطني الحر مع حزب الطشناق الحليف له، التوقف عن حضور جلسات مجلس الوزراء قبل
إيجاد حل لمعضلة التعيينات الأمنية، وهدد التيار على لسان العديد من مسؤوليه
بالتصعيد الذي يُفهم منه تلويحاً بالنزول إلى الشارع إذا ما طالت الأزمة.
جرت بالأمس جلسة
حكومية غاب فيها وزيرا التيار ووزير حزب الطاشناق، كما يغيب عن الحكومة منذ
إنشائها ممثل آخر للشارع المسيحي في لبنان: القوات اللبنانية. وكان حزب الكتائب قد
أعلن انسحابه من الحكومة منذ أشهر وفصلَ وزير العمل سجعان قزي الذي رفض الإمتثال
لأمر قيادة الكتائب ولم يقدم استقالته. بات مجلس الوزراء اللبناني يعقد جلسته
بغياب أيّ من الأحزاب المسيحية الكبرى، ما طرح إشكالية استكمال العمل الحكومي من
دون ممثلي هذه الطائفة الأساسية في لبنان .
المفارقة أنّ حزب
الله الذي التزم التضامن سابقاً مع التيار الوطني الحر ولم يحضر الجلسات قبل إيجاد
التسوية، حضر بوزيريه في الجلسة، مع التزامٍ بعدم التطرق لقضايا أساسية في الجلسة
التي يغيب عنها التمثيل المسيحي والإكتفاء بقرارات حول أمور حياتية أقل أهميّة.
وحول هذه الأزمة
المستجدة، يرى النائب في كتلة المستقبل الدكتور أحمد فتفت في حديث للميادين نت، أنّ إصرار فريقه
السياسي على انعقاد مجلس الوزراء يعود إلى رغبته بعدم عودة البلد إلى حالة الشلل
الحكومي في هذه الظروف الحرجة التي تمر بها المنطقة. ويلفت إلى أنّ هذا الإصرار لا
يعود إلى تيار المستقبل فقط، بل إلى عدة جهات سياسية كرئيس الجمهورية السابق ميشال
سليمان الذي يمثله ثلاثة وزراء في الحكومة، والوزير ميشال فرعون، وحركة أمل وحزب
الله الذي لو لم يحضر وزيراه لما انعقدت الجلسة، بحسب تعبير فتفت.
واستبعد فتفت أن تطول الأزمة لأنّ "التمديد سنة أخرى لقائد
الجيش سيجري خلال شهر أيلول / سبتمبر، وبالتالي سينتهي هذا الاستحقاق كما انتهى
سابقاً باستخدام وزير الدفاع لصلاحياته".
أما النائب
والقيادي في التيار الوطني الحر حكمت ديب، فيرى أنّ ما أوصل الحكومة إلى الأزمة
الحالية هي تراكمات عدة، أهمها "رفض الفريق الآخر مناقشة قانون انتخابي عادل ورفضه
إجراء تعيينات أمنية وتعنّته في مسألة انتخاب رئيس جمهورية له الحيثية الأوسع بين
المسيحيين في لبنان".
وعلّق ديب على
جلسة الحكومة بالأمس، مذكّراً أنّه "عندما انسحب الوزراء الشيعة من حكومة
السنيورة السابقة صار البعض يعتبر جلسات الحكومة وقراراتها غير شرعية وغير
ميثاقية، وهذا ما يراه التيار اليوم في غياب الممثلين الفعليين للمسيحيين في
الجلسات".
وعن إمكانية
تضامن القوات اللبنانية والكتائب مع التيار الوطني الحر في حال التصعيد والنزول
إلى الشارع، قال ديب إنّ كل شيء واردٌ في هذا المجال، مؤكداً أنّ التيار سيفعل ما
يراه واجباً عليه ويترك لغيره أن يحدد طريقته في التضامن.
مصدر سياسي قريب
من حزب الله قال للميادين نت إنّ الحزب ما زال عند موقفه بتأييده إجراء تعيينات
أمنية في مختلف الأجهزة، لكنه يفضل عدم الوصول إلى الفراغ في أهم منصب أمنيّ في
البلد، قيادة الجيش، كما أنّه يحبذ عدم سقوط الحكومة أو شلّها في المرحلة الحالية
والحفاظ على الحد الأدنى من الاستقرار الحكومي. وأكد المصدر أن حضور حزب الله
جلسات الحكومة لا يعني حصول خلاف مع التيار، لأنّ العلاقة مع التيار بحسب تعبيره
هي علاقة أخلاقية يسودها التنسيق، أما إذا قرر التيار التصعيد بالاستقالة من
الحكومة أو بالنزول إلى الشارع فعندها لكل حادث حديث.