بهجة الكرة... وتعاسة "كورونا"!
بين حرف الكاف في كلمة "كرة" والكاف في كلمة "كورونا" فرق كبير جداً.
أكثر من شهر ونصف الشهر من دون كرة قدم. إنه زمن "كورونا". بين حرف الكاف في كلمة "كرة" والكاف في كلمة "كورونا" فرق كبير جداً. في كاف الكرة حياة، وفي كاف "كورونا" مرض وممات. في كاف الكرة فرحة وبهجة، وفي كاف كورونا حزن وتعاسة. في كاف الكرة كل شيء مضيء تماماً كما الملاعب ومدرّجاتها ولون عشبها، وفي كاف "كورونا" ظلام ووحدة.
إنه زمن كورونا. لم يمرّ في تاريخ الكرة أن عاشت اللعبة الشعبية الأولى في العالم بأمجادها وبطولاتها وأساطيرها ونجومها مثل هذه العزلة. لم يسبق أن كانت بعيدة عن متابعيها ومشجّعيها ولاعبيها كما هو الحال الآن. الكل هنا سواء. قبل أيام كان نجمٌ كبير في الكرة يعبّر عن مدى اشتياقه لأن يعود إلى الملعب. قالها سيرجيو راموس بحرقة المتلهّف. الكرة هي الأوكسجين الذي يتنفّس منه اللاعبون، تماماً كأجهزة التنفّس التي تُنعش مرضى كورونا.
طال البعد عن الكرة. ملّت الملاعب انتظار روّادها. لن نُعيد الحديث عن بطولات أُلغيت وأخرى تأجّلت وأخرى تنتظر مصيرها، كل هذا أصبح مكرّراً وأصبح "الخبز اليومي" لعشّاق الكرة الذين بدل من أن يتابعوا المباريات وأهدافها وتحليلها فإنهم باتوا يتابعون أنباء تأجيل بطولة هنا وإلغاء بطولة هناك وحتى حالات إصابة ووفاة رؤساء أندية ولاعبين سابقين بسبب الوباء، والسؤال الوحيد الذي يُجمع عليه الكلّ وليس له بعدُ جواباً واضحاً هو: متى تعود الكرة إلى العشب الأخضر، وكيف ستكون عودتها؟
صحيح أن الرجوع إلى الماضي وإلى ذكريات البطولات السابقة في تاريخ الكرة ومهارات النجوم الأفذاذ الذين مرّوا على الملاعب يبقى من ميزة الكرة وروعتها، وهذا ما له حيّزاً مهماً من المتابعة لتعويض النقص والفراغ في الفترة الحالية، إلا أن شريط ذكريات الكرة يمكن أن يعود إليه المتابع في أي وقت، لكن كلمة "مباشر" التي تعلو الشاشة لنقل المباريات لا تعوّضها كلمة ولها رونقها. هنا يكون الترقّب والتشويق والشعور المشترك الذي يجمع الملايين على امتداد العالم في وقت واحد والذي لا يضاهيه شعور. من قال أن في زمن كورونا فقط أصبح العالم واحداً ويعيش تحدّياً مشتركاً ومشاعر وهموماً مشابهة؟ إذ إن الكرة سبقت هذا الوباء منذ زمن بعيد جداً ووحّدت العالم. الكرة هي لغة العالم المشتركة.
كل شيء قاتم في زمن كورونا، لكن لعل "فائدة" واحدة، إذا صحّ القول، عرفناها في هذه الأزمة المريرة التي أبعدتنا عن الكرة، هي كم أن الكرة متنفّس يخفّف عنا مشاكلنا وهمومنا. كم أن الكرة مدعاة لفرحنا وسببٌ لسرورنا. كم أن الكرة مهمّة في حياتنا.