في التحدّيات الكبرى... نوير هو نوير
من المؤكّد أن مانويل نوير يُعتبر من أساطير حراسة المرمى في تاريخ كرة القدم. بالأمس، كتب حارس بايرن ميونيخ فصلاً جديداً رائعاً في حكاية أسطورته.
كان الحلم الباريسيّ والفرنسيّ كبيراً. حلْم هؤلاء بلقب أوروبي طال انتظاره منذ عام 1993 عندما توِّج مرسيليا باللقب الوحيد لفرنسا في دوري الأبطال (كانت تسمّى كأس الأندية الأوروبية البطلة) وذلك بوصول باريس سان جيرمان إلى النهائي للمرة الأولى. اجتاز الفريق الباريسي كل العقبات والمطبّات وبقي أمامه العملاق البافاري بايرن ميونيخ للوصول إلى الحلم.
أعدّ الباريسيون والفرنسيون العدّة جيداً لـ "النهائي الحلم". صحيح أن منتخب فرنسا هو بطل العالم، لكن البلاد أحوج ما تكون إلى لقب كبير على صعيد الأندية لتسيطر على كل شيء. تحتاج لأن تكون أنديتها بمستوى منتخبها.
هكذا كانت الصحف الفرنسية الكبرى مثل "فرانس فوتبول" و"ليكيب" مشغولة طيلة الأيام الماضية بـ "المباراة الحدث". تحليلات ومقارنات واستنتاجات وكلمات إلى ما لا نهاية كلها تقود إلى التتويج باللقب. وفي يوم المباراة كان الجمهور الباريسيّ حاضراً في ملعب "حديقة الأمراء" أمام الشاشة الضخمة فيما آخرون يتجمّعون في شارع الشانزيليزيه في العاصمة الفرنسية. اعتاد الباريسيون والفرنسيون أن يجتمعوا في هذا الشارع الشهير في المباريات النهائية لمنتخب فرنسا وكانوا يحتفلون في النهاية. فعلوا ذلك ثلاث مرات في نهائي مونديال 1998 ونهائي كأس أوروبا 2000 ونهائي مونديال 2018.
استعدّ الفريق الباريسيّ جيداً للنهائي وثلاثي "الرعب" في هجومه حاضر والحديث هنا هو عن كيليان مبابي والبرازيلي نيمار والأرجنتيني أنخل دي ماريا. اعتقد هؤلاء أن بإمكانهم التفوّق على دفاع بايرن بالنظر إلى ما حصل في مباراة البافاري أمام ليون في نصف النهائي وبالنظر إلى السرعة التي يمتلكونها، لكن نسي هؤلاء أن الوصول إلى شباك بايرن ليس فقط بالتفوّق على الدفاع بل يجب، لإتمام المهمّة، التغلّب على حارس اسمه مانويل نوير. حارس حمل سنواته الـ 34 وخبرته وألقابه وأهمها لقب مونديال 2014 في البرازيل ولقب دوري الأبطال عام 2013 معه إلى البرتغال.
بالفعل تمكّن الباريسيون في مباراة أمس في مرّات عديدة من التفوّق على الدفاع البافاري الذي يُعَدّ "الحلقة الأضعف" في الفريق باعتماده على الدفاع المتقدّم ونظراً لانشغال الظهيرين الدائم بالجانب الهجومي، لكن نوير كان حاضراً. وقف أكثر من مرّة في وجه الكرات الخطيرة للباريسيين.
صحيح أن المتألّقين في صفوف بايرن كثر طيلة المشوار نحو اللقب وفي النهائي على غرار تحديداً الإسباني تياغو ألكانتارا ومسجّل الهدف الفرنسي كينغسلي كومان لكن نوير يمكن اعتباره "بطل التتويج" على الأقل في النهائي نظراً لثباته ولأعوامه الـ 34 وللفرص التي تصدّى لها وبالأخص الفرصة الأولى الخطيرة في المباراة عندما وجد نفسه وجهاً لوجه أمام نيمار لكنه ببراعة تصدّى لانفراديته على مرّتين. لو سُجِّل هذا الهدف لكان بالتأكيد غيّر مجريات المباراة تماماً وربما كان قاد الباريسيين إلى اللقب.
كذلك، وفي الشوط الثاني، وجد نوير نفسه مجدّداً وجهاً لوجه أمام مواطن نيمار ماركينيوس وظن كثيرون أن الباريسيين سيسجّلون لكن الكلمة الأخيرة كانت لنوير الذي أبعد الكرة بقدمه بطريقة رائعة يشتهر بها حيث يغلق بجسده المنافذ كلها أمام المهاجمين.
فضلاً عن هاتين الفرصتين البارزتين، فإن نوير كان حاضراً في تسديدة لمبابي في منطقة الجزاء في الشوط الأول لكن الأخير سدّدها ضعيفة إلا أنه يُحسب لنوير أنه كان في المكان المناسب وتابع مسار الكرة التي كانت مفاجِئة ومرّرها بالخطأ النمساوي ديفيد ألابا للباريسيين. كما أنه تصدّى بطريقة مذهلة لتسديدة قوية لمبابي في الشوط الثاني قبل أن يحتسب الحكم تسلّلاً على اللاعب الفرنسي، هذا فضلاً عن تفوّق نوير في الكرات الهوائية وبراعته في إخراج الكرات من منطقته وتمريرها لزملائه.
أمس، أصبح نوير أول حارس منذ عام 2016 يمنع سان جيرمان من التسجيل في مباراة في دوري الأبطال، لكن الأهم من ذلك أنه أصبح أول حارس لا يتلقّى أهدافاً في نهائي المونديال ونهائي دوري الأبطال.
أمس، كان نوير كبيراً كعادته. هنا قوّته بالثبات في أدائه. مجدّداً في التحدّيات الكبرى يلمع نجم هذا الحارس، وسيظل يلمع حتى اعتزاله.