لأنه ميسي...
لا حديث في عالم الكرة في الوقت الحالي إلا عن ليونيل ميسي بعد قراره الرحيل عن برشلونة. ما الذي حصل مع ميسي؟
لا حديث في عالم الكرة في الوقت الحالي إلا عن ليونيل ميسي. أن يقرّر النجم الأرجنتيني الرحيل عن برشلونة فهذا حدث لا مثيل له على صعيد انتقالات اللاعبين منذ عشرات السنوات، أو ربما، دون مبالغة، في تاريخ انتقالات اللاعبين. صحيح أن العديد من النجوم الكبار انتقلوا من فرقهم وبينهم على سبيل المثال النجم البرتغالي كريستيانو رونالدو الذي رحل عن ريال مدريد بعد مشوار أسطوريّ معه لكن "سي آر 7" كان قد رحل سابقاً أيضاً عن فريق كبير آخر هو مانشستر يونايتد الإنكليزي وكان قبله في سبورتنغ لشبونة البرتغالي، أما الوضع فيختلف تماماً مع ميسي الذي فتح له "البرسا" أبوابه مذ كان طفلاً يعاني من مشكلة في النمو ثم نشأ في صفوفه وتدرّج حتى الفريق الأول ليصبح لاحقاً أبرز لاعب في تاريخ النادي وواحداً من لاعبين قلة هم الأفضل في تاريخ الكرة، مقدّماً لمحات قلّ نظيرها ولا تُنسى مع الفريق وليتحوّل إلى أسطورته وأيقونته ومعشوق الجماهير. ميسي يعني برشلونة وبرشلونة يعني ميسي، هذا أصبح راسخاً في أذهان كل متابعي الكرة وبالتالي لا يمكن تخيّل حصول الانفصال بينهما أو حتى التفكير بالأمر، ومن هنا كانت المفاجأة والصدمة كبيرة لدى سماع نبأ طلبه الرحيل. رحيل ميسي عن مدينة برشلونة يشبه رحيل مواطنه الأسطورة دييغو مارادونا عن مدينة نابولي الإيطالية، لا بل يتخطّاه، إذ إن ميسي لم يعرف مدينة غير برشلونة ولم يتنفّس غير هوائها، بينما دييغو كان في برشلونة نفسها وقبل ذلك مع بوكا جونيورز وأرجنتينوس جونيورز قبل قدومه إلى نابولي.
صحيح أن الأسباب كثيرة وتحدّثت عنها الصحف الإسبانية والعالمية طيلة اليومين الماضيين حول أسباب طلب ميسي الرحيل عن برشلونة وبينها خلافاته مع رئيس النادي جوسيب ماريا بارتوميو وأزمات النادي ومسألة إقالة المدرب السابق إرنستو فالفيردي ورفضه طريقة رحيل زميله وصديقه الأوروغوياني لويس سواريز ومسألة وصول المدرب الهولندي رونالد كومان وما قيل عن اجتماع بينهما لم يوافق فيه النجم الأرجنتيني على مشروع الأخير مع النادي. كل هذه الأسباب مفهومة، لكن السبب الأساسي يعود إلى الملعب، إلى الكرة بين قدمَي ميسي، إلى كرة "البرسا" التي فقدت بريقها وسحرها.
من المعلوم أن ميسي مرّ بحقبتين رائعتين في الفريق الكتالوني وحصد في كلتيهما إنجازات محلية وقارية لا تُعَدّ ولا تُحصى أولاهما مع المدرب جوسيب غوارديولا وإلى جانبه في الملعب النجمَين الأسطوريين أندريس إينييستا وتشافي هرنانديز وذاك الجيل الذي كان فيه أيضاً كارليس بويول وغيره من النجوم، ثم في حقبة النجم البرازيلي نيمار حيث كان إينييستا وتشافي لا يزالان مع الفريق. هكذا، بدأ هؤلاء جميعاً يخرجون من برشلونة تباعاً وكان لهذا الأمر انعكاسه السلبي على ميسي وعلى برشلونة. من هنا بدأت الصعوبات تحديداً في الملعب وانعكست أزمات في أروقة النادي يمكن التعبير عنها من خلال تعاقدات النادي مع لاعبين يعوّضون الراحلين وثبُت فشل الجدد تماماً، كما حكت عن ذلك صحيفة "فرانس فوتبول".
نحن نحكي عن "البرسا" في تلك الفترة الذي كان لا يحصد البطولات فحسب، بل النتائج الباهرة مع أداء ساحر ويمتلك العزيمة كأن يقلب مثلاً تأخّره في مباراة ذهاب دور الـ 16 في دوري الأبطال أمام باريس سان جيرمان الفرنسي قبل 4 أعوام 0-4 إلى فوز 6-1 إياباً و"ريمونتادا" تاريخية لا تُصدَّق. هكذا منذ دخل الفريق في مرحلة جديدة مع رحيل النجوم انقلبت الأمور وبات برشلونة هو الذي يتلقّى الهزائم الفادحة والفاضحة و"الريمونتادا" كما حصل بعد ذلك على التوالي مع روما الإيطالي وليفربول الإنكليزي وأخيراً الفضيحة التاريخية بالخسارة 2-8 في ربع النهائي أمام بايرن ميونيخ الألماني هذا الموسم.
هذا المشهد مترافقاً مع الأزمات الكثيرة في النادي شكّلت الأسباب لاتّخاذ ميسي قراره، وهو قرار، في حال تنفيذه، لن ينعكس سلباً على برشلونة فحسب، بل على الدوري الإسباني كلّه لما يمثّله النجم الأرجنتيني.
حتى الآن لا يزال ميسي في برشلونة. لم يخرج منها. كثرٌ يتمنّون استمراره فيها حتى اعتزاله، حتى ممن لا يشجّعون "البرسا"، خصوصاً مع تقدّمه في السن وذلك حتى تكتمل فصول حكاية أسطورته مع الفريق الكتالوني. لكن في حال لم يعد ميسي في برشلونة، فإنه حتماً سيبقى الحاضر دوماً فيها، في كل تفاصيلها وفي قلوب قاطنيها... لأنه ميسي.