"منتخب لوف" يخذل تاريخ كرة ألمانيا

منتخب ألمانيا الحالي خذلَ تاريخ "المانشافت" وإنجازاته التي لا تُعدّ ولا تُحصى. خذلَ الأجيال العظيمة التي مرّت على كرة ألمانيا ولعبت المونديال. لا مبرّرات لما حصل مع "منتخب لوف". يكفي القول، على سبيل المثال، أن منتخب ألمانيا في 1998 كان يضمّ "عواجيز" كما سُمّي ذلك الجيل حينها لكنه وصل إلى ربع النهائي. تلك هي ألمانيا التي عَهِدها الجميع من دون الحاجة إلى سرد الألقاب والإنجازات والأرقام.

منتخب ألمانيا في 1998 كان يضمّ "عواجيز" كما سُمّي ذلك الجيل حينها لكنه وصل إلى ربع النهائي (أ ف ب)

يصعب وصف ما حصل أمس مع منتخب ألمانيا بطل العالم السابق. يبدو الوصف الأكثر تعبيراً هو ذاك الذي خرجت به صحيفة "بيلد" الشهيرة في ألمانيا: "لا توجد كلمات". فعلاً، لا كلمات يُمكن أن تصف خروج منتخب كألمانيا بهذه الطريقة. وأيضاً لا تبريرات على الإطلاق لهذا الخروج المُهين.

قبل كل شيء، وبالدرجة الأولى، فإن منتخب ألمانيا الحالي خذلَ تاريخ "المانشافت" وإنجازاته التي لا تُعدّ ولا تُحصى. خذلَ الأجيال العظيمة التي مرّت على كرة ألمانيا ولعبت المونديال. منذ جيل فريتز فالتر إلى جيل فرانتس بكنباور إلى جيل كارل – هاينز رومينيغه إلى جيل لوثر ماتيوس إلى جيل مايكل بالاك وانتهاء بالجيل الذي توِّج بأغلى ألقابه المونديالية قبل 4 سنوات على الأراضي البرازيلية للمرة الأولى لمنتخب أوروبي في أرض سحرة الكرة قارة أميركا الجنوبية والذي كان عدد من لاعبيه لا يزالون في التشكيلة الحالية.

قبل كل شيء، فإن الجيل الأخير والمُمثَّل باللاعبين توماس مولر وسامي خضيرة وجيروم بواتنغ وبدرجة أقل طوني كروس رغم أنه لم يكن في قمة مستواه وماتس هاملس هم الذين جاؤوا بكل الخراب الذي لحق بمنتخب ألمانيا أمس. لاعبون بدوا من دون حافز ولا رغبة في تحقيق الفوز وكأنهم يلعبون المونديال مرغمين لمجرّد أن ألمانيا مُشارِكة في البطولة وأنهم في المنتخب ويستعجلون الانتهاء من واجبهم للانطلاق كل منهم إلى هذا البلد وذاك والاستمتاع بشمس الصيف قبل أن يدهمهم الوقت لبدء التحضيرات كل مع ناديه. نام هؤلاء على أمجاد لقب 2014 وعلى السُباعية أمام البرازيل وعلى إسقاط ليونيل ميسي في النهائي واستخفّوا بخصومهم ليتلقّوا درساً سيبقى النقطة السوداء في مسيرتهم.

في المقابل، لا لوم على أكثر البقية. الجُدُد على المنتخب حاولوا وحدهم، لكن "يد واحدة لا تصفّق". بدا واضحاً في مجمل المباريات الثلاث أن أكثر اللاعبين في "المانشافت" تحفّزاً ورغبة لتحقيق شيء هم اللاعبون أمثال جوشوا كيميتش وتيمو فيرنر ويوناس هيكتور وجوليان براندت والعائد من خيبات الإصابات ماركو رويس رغم أنهم لم يقدّموا كل ما يملكون وهذا مردّه لتأثير الشكل العام للمنتخب والمجموعة ككل وخيارات يواكيم لوف.

قلنا لوف؟ صحيح أن المدّرب بدأ أخطاءه قبل البطولة بعدم استدعاء بعض المواهب حيث لا يتوقّف الأمر على النجم الصاعد ليروي سانيه بل على شبان آخرين كصانع الألعاب ماكسيميليان ماير، فإن هذا الخطأ لا يُبرّر ما حصل ولا يمكن وحده أن يكون السبب في هذه الكارثة. إذ رغم أهمية سانيه وغيره والدور الكبير الذي كان يُتوقّع أن يلعبوه في مونديال روسيا، فإن اللاعبين الذين كانوا متواجدين كانوا قادرين على الذهاب بعيداً في البطولة أو على الأقل الوصول إلى ربع النهائي في أسوأ الأحوال. لكن فضلاً عما تقدّم وهو عدم حافزّية معظم اللاعبين وتحديداً جيل 2014 للفوز وحتى للّعب، فإن خيارات وتكتيكات لوف جاءت مُدمّرة. لا يُعقل أن مثل هذا المنتخب يحصد مثل هذه النتيجة، خصوصاً بعد أن كان الجميع يتغنّى بأن الألمان يمتلكون فريقين وحتى ثلاثة هم: المنتخبان المتوَّجان بلقب كأس أوروبا للشباب وكأس القارات العام الماضي فضلاً عن منتخب 2014.

كان واضحاً الخلَل في المنتخب الألماني في المباراتين الأوليين، لكن الجميع اعتقد أن الركلة الحرة التي سجّل منها كروس هدف الاستمرار في المونديال ستُعيد "المانشافت" إلى سابق قوّته وستكون الانطلاقة الفعلية له في المونديال الروسي. لا أحد كان يتوقّع غير ذلك تحديداً منذ المباراة أمام كوريا. لكن لوف "أبدع". من كل أخطائه والتي باتت معلومة ومُتدَاولة يكفي القول فقط أن "كنزاً ثميناً" مثل براندت اللاعب الموهوب والمُتحمّس ظل أسير مقعد البدلاء ولم يعط فرصته إلا في الدقائق الأخيرة. هذا وحده يكفي. هذا وحده عجيب.

في الحقيقة، كان يجدر على لوف وفور خروجه في المؤتمر الصحفي عقب المباراة أن يُعلن استقالته لا أن يصرّح بأنه يفكّر في ترك منصبه. صحيح أن لوف قاد "المانشافت" إلى المجد والقمة، لكنه الآن دمّر كل شيء وكتب تاريخاً أسوداً للمنتخب الألماني لم يسبقه إليه أحد، وهو بمقياس الألمان أمر لا يمكن استيعابه وتصوّره.

مجدّداً لا مُبرّرات لما حصل مع "منتخب لوف". يكفي القول على سبيل المثال أن منتخب ألمانيا في 1998 كان يضمّ "عواجيز" كما سُمّي ذلك الجيل حينها لكنه وصل إلى ربع النهائي. يكفي القول أن منتخب 2002 الذي كان في مرحلة انتقالية وتجديد وصل إلى النهائي. تلك هي ألمانيا التي عَهِدَها الجميع من دون الحاجة إلى سرد الألقاب والإنجازات والأرقام.

ألمانيا خارج كأس العالم إذاً، لكن المونديال سيستمر. البقاء للأقوى. وفي الخامس عشر من تموز (يوليو)... بطل جديد.