نقطة ضعف إسرائيلية مفصلية: قطاع الطاقة والأزمة المحتملة
لا تواجه "إسرائيل" اليوم جبهة منفردة، وإنما ساحات متحدة تنسِّق في ما بينها وتُصعِّد كل منها مستوى إسنادها حسب ما يقتضيه مسار المعركة. فماذا لو أقدم حزب الله على قصف آبار الغاز الرئيسية أو شبكة الكهرباء في "إسرائيل"؟
دخلت حرب الإبادة عامها الثاني، ومعها "إسرائيل" مثقلة بما لا تقدر على تحمُّله وما قد يُلقي بها في غياهب أزمة طاقة محتملة. توسّعت رقعة الحرب وارتفعت مستويات إسناد جبهات محور المقاومة لغزة على مدار عام بأكمله، ووصلنا مؤخراً إلى مرحلة لم يعد ممكناً خلالها وقف الحرب، في ظل انعدام أي أفق للمفاوضات. ولنشاطات جميع جبهات الإسناد آثارها الواضحة، وباتت كل الأرض العربية المحتلة مجالاً للاستهداف، مع التزام جبهات محور المقاومة بعدم استهداف المستوطنين "المدنيين"، والتركيز – حتى الآن – على استهداف القواعد العسكرية ومناطق النشاط العسكري.
وأخذت المعركة في الأرض الفلسطينية المحتلة مساراً آخر، مع عملية "الوعد الصادق 2" الإيرانية والعملية البرية التي أطلقها الاحتلال عند جنوب لبنان، تدخل فيه البنى التحتية للطاقة ضمن بنك أهداف جبهات الإسناد، ولاسيما لبنان وإيران. صعَّدت الأخيرة معادلتها للردع عبر التهديد بقصف البنى التحتية في فلسطين المحتلة إذا ما ردَّت "إسرائيل" على عمليتها الأخيرة، وبات واضحاً أن حزب الله وضع البنى التحتية للطاقة في بنك أهدافه بعد تصوير مُسيّرات "الهدهد المنشآت" البتروكيميائية وخزانات النفط ومحطة الكهرباء في حيفا.
ولكن الأمر لا يقتصر على ذلك. يوجد نحو 1200 محطة للتزوّد بالوقود موزّعة في كامل الأرض الفلسطينية المحتلة، وهناك حقل نفط في "حلتس" وآخر في "مجد"، ومحطة نفط في "أشكلون" وأخرى في "إيلات"، ومصفاة في "أشدود" وأخرى في "حيفا"، وأربعة حقول غاز هي "ليفياثان" و"كاريش" و"تانين" و"تمار"، إضافة إلى 12 محطة لتوليد الكهرباء تتمركز أغلبها وسط فلسطين المحتلة. وشبكة الكهرباء هذه ليست مرتبطة بأخرى في دولة مجاورة، ما يعني أن على "إسرائيل" إنتاج الكهرباء بذاتها محلياً.
لقد نمت قدرة "إسرائيل" على تلبية احتياجاتها ذاتياً من الطاقة بمعدل 3% سنوياً في الفترة بين عاميّ 2010 و2020، وتستهدف خطة وزارة الطاقة الإسرائيلية وقف استهلاك الفحم والنفط في توليد الطاقة محلياً بحلول عام 2030، مع بلوغ نسبة الطاقة المولَّدة عن الغاز الطبيعي 70% (نحو 61% حالياً) من إجمالي الطاقة المولَّدة، إلى جانب 30% (نحو 11% حالياً) تولَّد من خلال مصادر الطاقة المتجددة. ولكن الحرب أخذت قطاع الطاقة إلى مسار آخر سوف يتضح خلال الأسابيع والأشهر القادمة.
وعلاوة على وقف العمل بحقل غاز "تمار" لمدة تزيد على شهر بأكمله بعد انطلاق معركة "طوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر/تشرين الأول العام الماضي، تعاني شبكة الطاقة في "إسرائيل" الآن من الإجهاد جراء انقطاعات التيار الكهربائي التي باتت أمراً طبيعياً في مناطق استهداف المقاومة. إن قصف شبكة الطاقة في "إسرائيل"، وخاصة حقول الغاز الرئيسية وخطوط الأنابيب المتصلة بها، يعني أن جميع النشاطات الاقتصادية مصيرها التوقف. في الواقع، بمقدور المقاومة أن تُصيب "إسرائيل" بشلل شامل وتجعل الأراضي المحتلة غير قابلة للحياة إذا قصفت البنى التحتية للطاقة وقطعت التيار الكهربائي لمدة أيام ليس إلا.
والجدير ذكره هنا أن موقف مصر والأردن سيكون معقداً وصعباً للغاية إذا قصفت المقاومة البنية التحتية للطاقة في "إسرائيل"، لأن إنتاج الكهرباء – وتصدير الغاز المُسال – في كليهما يعتمد بشكل كبير على الغاز الطبيعي المستورد من "إسرائيل". وقد شهدت صادرات الغاز الطبيعي من الأراضي الفلسطينية المحتلة نمواً ملحوظاً في السنوات الأخيرة، حيث ارتفعت على أساس سنوي إلى مصر بنسبة 37% وإلى الأردن بنسبة 16% خلال العام الماضي. إن تضرر البنى التحتية للطاقة في "إسرائيل" سيؤدي إلى توقف صادراتها من الغاز إلى مصر والأردن، ما يعني أن الأضواء ستنطفئ في القاهرة وعمان.
ومع زيادة صعوبات توريد مصادر الطاقة من الخارج إلى "إسرائيل"، تزداد ضغوط توليد الطاقة محلياً. في الواقع، لا المستوطنين ولا الحكومة الإسرائيلية يملكون أي خبرة للتعامل مع أزمات انقطاع التيار الكهربائي. وإذا تضررت البنى التحتية للطاقة وامتد انقطاع الكهرباء في المدن الكبرى لساعات، فإن ذلك يعني المزيد من الضغوط على المستوطنين والاقتصاد، وهذه الاضطرابات إذا تزايدت قد تقود إلى عواقب وخيمة، تشمل تعطيل سلاسل التوريد والخدمات الأساسية مثل النقل والمياه والاتصالات.
ولقد كشف انقطاع التيار الكهربائي في مدن كبرى مثل يافا وحيفا وبئر السبع عن هشاشة الشبكة الكهربائية في ظل ارتفاع أسعار الطاقة محلياً، مصحوباً بارتفاع معدل التضخم، وانخفاض التوظيف والأعمال وتوقف العديد من المشاريع داخل الأراضي المحتلة. ويضاف إلى ذلك ارتفاع الدين العام وعجز الميزان التجاري في ظل زيادة الإنفاق العسكري وعجز الميزانية الحكومية. وكل ذلك يحمّل فاتورة الحرب على عاتق المستوطنين، غير أن تلك الظروف تترك آثاراً نفسية مدمرة بين المستوطنين وتثير مخاوف في الأوساط الإسرائيلية من نزوح إضافي للمستوطنين وارتفاع معدل الهجرة إلى الخارج.
يقترح سيناريو قصف حقول الغاز الرئيسية في "إسرائيل" أن محطات الطاقة ستضطر للتحول إلى استخدام الوقود والفحم، ولكن على أي حال احتياطاتها منهما ستكون غير كافية لسد الفجوة. وعلاوة على ذلك، يأتي معظم الفحم الذي تستورده "إسرائيل" من كولومبيا التي أوقفت تصديره إلى الأولى في شهر آب/أغسطس الماضي، ويأتي معظم النفط الذي تستورده من أذربيجان عبر خطوط الأنابيب في تركيا التي أصبحت علاقتها مع "إسرائيل" متوترة دبلوماسياً حالياً، رغم استمرار الإمدادات عبر تلك الخطوط حتى اللحظة. ومع تشديد جبهة الإسناد اليمنية الحصار على "إسرائيل" في البحر الأحمر، من المحتمل أن تواجه الأخيرة مشكلات في إمدادات النفط التي تأتي عبر البحر الأبيض المتوسط كما حدث خلال حرب تموز عام 2006، عندما رفضت الناقلات الأجنبية الرسو في موانئها بسبب مخاوف من هجمات صواريخ حزب الله.
لا تواجه "إسرائيل" اليوم جبهة منفردة، وإنما ساحات متحدة تنسِّق في ما بينها وتُصعِّد كل منها مستوى إسنادها حسب ما يقتضيه مسار المعركة. وهذه حرب غير كل الحروب السابقة، سواء بالنسبة إلى "إسرائيل" أو قوى محور المقاومة. هذه الحرب تسير نحو الاتساع، ورغم الدعم الإمبريالي الذي يصل "إسرائيل" يوماً بيوم، أثبتت المقاومة في الأيام التي تلت استشهاد السيد حسن نصر الله قدرتها على إدارة المعركة، ونقلها تدريجياً إلى قلب الأراضي المحتلة، وتحويلها إلى حرب استنزاف مرهقة قد تُدخل "إسرائيل" فعلياً إلى أزمة طاقة حادة يصاحبها شلل تام للاقتصاد والخدمات العامة إذا ما أقدمت المقاومة على قصف آبار الغاز الرئيسية أو شبكة الكهرباء.