ارتفاع الطلاق في الكويت.. ابحث خلف "الفاشينيستا" و"البلايستايشن"!
معدلات الطلاق في الكويت آخذة بالارتفاع، مع تسجيل وزارة العدل وقوع 1931 حالة طلاق، وتصدّر السبب التأثير السلبي لوسائل التواصل الاجتماعي، يليه ضعف الوازع الديني وتدخل الأهل، إضافة إلى تغيّر القيم الاجتماعية بخصوص أن الطلاق "راحة وحرية".
-
ارتفاع الطلاق في الكويت.. ابحث خلف "الفاشينيستا" و"البلايستايشن"!
بعد نحو شهرين من زواجه، بدأت المشاكل بين محمد وزوجته، وهو الشاب العشريني الذي اختار من اعتبرها شريكة لحياته بنفسه، من دون أي تدخّل عائلي بعيداً عن العادات المتوارثة. يحذّر محمد عبر الميادين نت مما وصفه بالتأثير الخطير لوسائل التواصل الاجتماعي، معتبراً أنّ ذلك كان السبب الأساسي لدمار أسرته، "فالوقت الممنوح للهاتف والتطبيقات الاجتماعية أكثر بكثير من الوقت الممنوح للعائلة"، معتبراً أن "الهوس بتقليد الفاشينيستا في كل شيء من دون مراعاة للتقاليد مصيبة كبرى".
رواية أخرى اطّلعت عليها الميادين نت تحكي من خلالها الشابة مناير، أحد الأسباب التي أدت إلى وقوع الطلاق بينها وبين زوجها، والذي تصفه بـ"المدمن على لعب البلايستايشن"، وتقول إنه كان يمضي ساعات طويلة في المنزل من دون أن يحدّثها بكلمة ويتعامل معها كما لو أنه مجرّد ضيف، ليتبيّن لها لاحقاً أن الأمر لم يكن يتعلّق فقط بتلك اللعبة الإلكترونية، إنما بإدمان الزوج الأربعينيّ أيضاً على محادثة النساء في العالم الافتراضي، وهو الأمر الذي اكتشفته بالصدفة بعد أن وقع هاتفه بيدها.
قصّتان تكشفان عيّنة من أسباب الطلاق في الكويت، الآخذة معدلاته بالارتفاع، مع تسجيل وزارة العدل الكويتية في 9 كانون الأول/ديسمبر الماضي، وقوع 1931 حالة طلاق رجعي في 6 أشهر، مقابل 297 حالة طلاق ثانية، 803 حالات طلاق أولى بائنة، و62 حالة طلاق ثانية بائنة.
نصف الزيجات في الكويت تنتهي بالطلاق
هذه النسب المرتفعة، تحدثت عنها كذلك مجلة "الإيكونوميست" البريطانية في تقرير أعدته في أيلول/سبتمبر الماضي، بيّن ارتفاع حالات الطلاق في الكثير من الدول العربية، وأشار إلى أن نحو نصف الزيجات في الكويت تنتهي بالانفصال، عازية الأسباب إلى تراجع تأثير الأهل على إدامة الزيجات غير السعيدة، وزيادة الارتباط القائم على الحب لا على الزواج الذي يرتبه الأهل مسبقاً، على حد وصفها.
وفي السياق، بيّنت نتائج دراسة ميدانية أجراها مركز دراسات الخليج والجزيرة العربية التابع لجامعة الكويت، بعد تقصّيها رأي المواطنين بظاهرة الطلاق، تصدّر السبب التأثير السلبي لوسائل التواصل الاجتماعي، يليه ضعف الوازع الديني وتدخل الأهل، إضافة إلى تغيّر القيم الاجتماعية بخصوص أن الطلاق "راحة وحرية".
أسباب "غير معقولة" للطلاق
وفي تصريح للميادين نت، يعزو المحامي طلال حسين تقي من مكتب الدستور للمحاماة والاستشارات القانونية في الكويت، أسباب التزايد المتسارع في أعداد حالات الطلاق السنوية إلى أمور عدّة، من بينها "تدخّل الأسرة المتكرر في الشؤون الداخلية للزوج والزوجة ما يسبب تصدعاً في العلاقة بين الزوجين، ثانياً محاولة كل طرف في العلاقة الزوجية السيطرة على القرارات الأسرية بهدف الانفراد في أخذ القرارات، ما يسبب مشاحنات عديدة وبالتالي يعتبر الطلاق الطريق الأمثل للتخلص من هذه المشاحنات اليومية".
إضافة إلى "تزايد الأعباء المالية على الأسرة بسبب خلق بيئة تنافسية بين أفرادها لبيان من هو المقتدر مالياً أكثر من الآخر، الأمر الذي يسبب عبءاً كبيراً على الزوجين وتعثرهما مادياً"، أما عن وسائل التواصل الإجتماعي، فيقول تقي إن "كثرة مشاركة الخصوصيات أدت إلى نشوب خلافات أسبابها بسيطة جداً لكنها تصل في نهاية المطاف إلى الطلاق".
ويتحدّث تقي عن مواجهة مكتب الدستور للمحاماة والاستشارات القانونية العديد من قضايا الطلاق التي يكون سببها "غير معقول"، قائلاً: "هناك زوج قام بإتمام الطلاق بعد اكتشاف كذب زوجته عن مكان خروجها مع صديقاتها، من خلال نشر صورة لها معهن في مكان مغاير عن الذي أخبرت به الزوج، وهناك حالة أخرى وهي خيانة الزوج من خلال مواقع التواصل الاجتماعي بالحديث والدردشة مع إناث عديدات لا تربطه بينهن علاقة أسرية".
من جهة أخرى، يؤكد تقي أن "الحكومة الكويتية تدعم الأسرة، وفي الوقت نفسه ترعى مصالح النساء المطلقات من خلال العديد من الأنظمه والتسهيلات، منها على سبيل المثال قرض المرأة، وهو قرض يمنح للمطلقة من أجل شراء منزل أو شقة سكنية.
أما على الصعيد الشعبي، يرى مواطنون أن القانون 51 من قوانين الأحوال الشخصية لعام 1984 أحد مسببات الطلاق ودافع لطلب المواطنات الكويتيات للطلاق، خصوصاً وأنّه يعطي للمرأة هذا الحق، مع حقوق أخرى من بينها الحضانة والنفقة والسكن وغيرها.
"من بيتك لقبرك"
بالنسبة للشاب الثلاثيني عبد الله، فهو لا يفكّر بالانفصال عن زوجته، مهما كلّف الأمر، خصوصاً لكونه نشأ في عائلة شهدت طلاقاً بين الأبوين، ويقول في حديثه للميادين نت: "صحيح أن والدتي لم تقصّر معي ووالدي كذلك، وحرصا قدر الإمكان أن يؤمّنا لي ولأختي جوّاً من الاستقرار العائلي، غير أنني كنت أفضّل أن أقضي طفولتي في كنف والدي ووالدتي سوياً، فالانفصال شئنا أم أبينا يؤثّر بشكل كبير على التنشئة، ولهذا، لا أعتقد أنني قد أجعل يوماً أولادي يمرّون في التجربة ذاتها".
أما بثينة، التي نشأت أيضاً في كنف أسرة مفككة تقول للميادين نت إنها كانت مضطرّة على اتخاذ قرار الطلاق "رغم أنه أبغض الحلال"، وترى أن ذلك الخيار الأنسب لأولادها الثلاثة، فزوجها كان يمكث طويلاً خارج البيت لدى أهله وأصدقائه، وبعد اعتراضها على الأمر، قرر الانتقال بها للعيش في منزل عائلته، الأمر الذي "فتح مجالاً لتدخلات أهله في كافة تفاصيل حياتهما، وأدى إلى انتفاء خصوصية الحياة الزوجية، وكل ذلك سبب شجاراً لأكثر من مرة وكل ذلك أمام الأولاد، فكان الانفصال هو الحل الأمثل". وتشير إلى أنها اليوم تقطن في منزل مستقل مع أبنائها، وأن حياتها تسير بشكل طبيعي بلا مشاكل.
من جهتها، تقول السيدة أم محمود، أن تهاون الأهل وتساهلهم مع مسألة الطلاق ساهم في رفع معدّلاته، فمنذ القدم، كانت عبارة "من بيتك لقبرك" هي وصية الأهل للفتاة عند زواجها، ولكن "اليوم للأسف هناك أمهات تشجعن بناتهن على المضيّ بخيار الانفصال عند أبسط الخلافات، وبعض النساء تقحم أمها وأختها وأفراد عائلتها جميعاً في القرارات المتعلّقة ببيتها". كلام استدعى تدخلاً من زوجها، الذي أشار إلى أن "من يأخذ قرار الزواج، عليه أن يكون مستقلاً مادياً وفكرياً، وأن يكون قادراً على بناء أسرة، وكذلك على المرأة أن تعرف واجباتها قبل حقوقها منذ البداية".
معدلات الطلاق إلى ارتفاع
وكانت وزارة العدل الكويتية قد أصدرت في الثلث الأخير من العام الماضي تقريراً شددت فيه على ضرورة دراسة أسباب ظاهرة الطلاق في المجتمع، ووضع حلول لها من أجل الحد من مخاطر تمددها، ودعت الأزواج إلى التحلّي بالمرونة وضبط النفس من أجل تقبّل الطرف الآخر وتصحيح مسار العلاقة، بهدف الوقاية من التفكك الأسري والمجتمعي.
وإذ أشارت وزارة العدل إلى بلوغ المتوسط السنوي لحالات الطلاق 8293 حالة، توقّعت في تقريرها استمرار ارتفاع الحالات المسجّلة في هذا الإطار خلال السنوات الخمس المقبلة، نتيجة الازدياد المتواصل في التعداد السكاني، مشددة في السياق على أهمية نشر الوعي المجتمعي بعواقب الطلاق وأضراره، وما ينتج عنه من تفكك وتشتت أسري، ومن تأثيرات سلبية على الزوجين والأبناء، والأسرة والمجتمع.