الأساتذة اللبنانيون المتقاعدون في القطاع الخاص: تعويضاتنا لا تكفينا لأيام!
لعل الظلم الواقع على الأساتذة المتقاعدين في القطاع الخاص جاء مزدوجاً، فلطالما اشتكى هؤلاء من ظلم إداراتهم وهم يمارسون المهنة. هذه الإدارات التي تعمد اليوم أيضاً إلى زيادة أقساطها، وبالفريش دولار، من دون زيادة رواتب معلميها في صندوق التعويضات.
-
اعتصام سابق للأساتذة المتقاعدين في مدينة بعلبك شمال شرقي لبنان
منذ خمس سنوات، حين خَيّر صندوق التعويضات المواطنة اللبنانية سمر بين أن تأخذ تعويضها الذي كان يوازي 120 مليون ليرة لبناني، أي ما يوازي على دولار 1500 ثمانون ألف دولار، وبين تقاضيها لراتب تقاعدي بقيمة مليون و900 ألف، اختارت سمر راتباً تقاعدياً يضمن لها شيخوختها، ويؤمن لها عيشة كريمة بعد طول التعب في المدرسة الخاصة التي كانت تعلم فيها.
تقول سمر إنها نادمة على هذا القرار، لأنها كانت تعتمد على مقولة أنّ "الليرة بخير"، وأن راتبها سيكون سنداً لها بعد تقاعدها. وتضيف: "هذا الراتب اليوم لا يصل إلى 20 دولاراً، ولا أستطيع الحصول عليه نقداً، بل تم تحويله إلى بطاقة مشتريات لا تسمن ولا تغني من جوع".
مثل سمر، ثمة آلاف المتقاعدين من المدارس الخاصة ممن يواجهون مصيراً أسود لرواتبهم التقاعدية ومنهم أرباب أسر يعيلون أسرهم وأولادهم فضلاً عن فقدانهم ضمانهم الصحي وكل الحوافز والتقديمات التي كانت توفرها المدارس لهم ولأولادهم.
متقاعدو الخاص: لا نقبض رواتبنا!
"نحن منسيّون، لا أحد ينظر إلى معاناتنا"، تقول ثروة، وهي معلمة أمضت 33 عاماً في مدرسة خاصة، وتقاعدت بعد بلوغها سن الـ55.
تشرح ثروة للميادين نت أنه وإبان تقاعدها، أقفل فرع المصرف أبوابه في الهرمل (شمال شرقي لبنان)، والذي كانت تتقاضى راتبها من خلاله. مما اضطرها الى إقفال حسابها وتقاضي راتبها من المدرسة بشكل مباشر. "لم أكن أعلم أن هذه الخطوة ستؤدي إلى عدم تمكني من فتح أي حساب جديد في أي مصرف على الأراضي اللبنانية. الأمر الذي حرمني من تقاضي راتبي التقاعدي حيث أن المصارف تمتنع من قبول الشيكات التي تحول إليها من صندوق التعويضات، بذريعة عدم وجود أموال نقدية بحوزتها".
وكشفت ثروة في حديثها أنّ الصندوق لا يستطيع هو الآخر أن يرسل إليها راتباً تقاعدياً لأن لا حساب مصرفي لديها.
أما صباح، وهي معلمة تملك حساباً مسبقاً في أحد المصارف الذي أقفل فرعه في المنطقة التي تقتنها. تضطر إلى قطع مسافة 80 كيلومتراً للذهاب الى فرع آخر للمصرف كي تقبض راتبها، ولكنها في الوقت عينه تدفع ثلث هذا الراتب مواصلات. "ظلمنا اليوم، وظلمتُ أيضاً من المدرسة، حيث لم تكن هذه الأخيرة تغطي ما يتوجب عليها لصندق التعويضات عندما كنت أعمل فيها، مما دفعني إلى تغطية كامل المستحقات من راتبي للصندوق"، وتستطرد قائلة: "بات هذا الراتب لا يساوي ثمن دواء واحد من الأدوية التي أحتاجها".
هذا الواقع إذاً، يؤكد كريم عاصي وهو أستاذ متقاعد من مدرسة خاصة، أن المتقاعدون من "الخاص" يجبرون على قبول التقليل من حقوقهم وبالتالي اضطرارهم إلى القبول بتسويات للحصول على جزء من حقهوقهم.
"الطامة الكبرى حتى تاريخه، أن كثيراً من المعلمين المتقاعدين لم يقبضوا الدرجات الست المنصوص عليها في سلسلة الرتب والرواتب الصادرة في عام 2017، وهذا عائد إلى أن الكثير من المدارس الخاصة لم تطبّق السلسلة، ولم تسدد المتأخرات لصندوق التعويضات عن المعلمين خلال السنوات الستّ المنصرمة الست"، يوضح عاصي.
ويتابع بالقول إنّ الصندوق يطالب المعلمين بالدفع في الوقت الذي ينبغي فيه على صندوق التعويضات أن يضغط على المدارس للتسديد، ويتوجب فيه على نقابة المعلمين أن تساهم في هذا الأمر، وبالتالي المعلم يدفع ثمن هذا التقاعس.
ويرى أن الأستاذ المتقاعد يعيش من قلة الموت، محملاً مسؤولية ما يجري كل الأطراف على حدّ سواء، بتفاوت فيما بينها.
حقوق المتقاعد رهن جشع بعض المصارف
مذ أن بدأت المصارف بتحويل رواتب متقاعدي الخاص إلى بطاقة مشتريات، لا ينفكّ هؤلاء عن سؤال المعنيين في هذه المصارف عن السبب الكامن وراء عدم إعطاء رواتبهم التي تدهورت قيمتها بنسبة 95%، جراء ارتفاع الدولار، ليأتي الردّ دائماً أن لا أزال نقدية لدى هذه المصارف لتغطية رواتب المتقاعدين، حسب قولها.
هذه المعطيات تتعارض مع ما صرح به مدير صندوق التعويضات جورج صقر، الذي أكد للميادين نت أنّ مصرف لبنان يغطّي منذ كانون الثاني/يناير كافة رواتب متقاعدي هذا القطاع ويرسلها إلى المصارف نقداً.
ولفت صقر إلى أنّ بعض هذه المصارف تتذرع بعدم إرسال صندوق التعويضات أموالاً نقدية، علماً أن الصندوق يعتمد على الحوالات، ولا يملك أي صناديق نقد في حوزته.
هذه الذريعة يقول بعض الأساتذة المتقاعدون أنها تُستحضر أيضاً عند مساءلة المصارف عن سبب عدم فتح حسابات لهم، وبالتالي عدم تقاضيهم أي راتب تقاعدي حتى اللحظة.
نقيب المعلمين نعمة محفوظ، وهو عضو مجلس إدارة في صندوق التعويضات، كشف عن تواصله مراراً مع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة ووزير التربية والتعليم العالي عباس الحلبي ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي، من أجل حلّ مشكلة عدم تمكن هؤلاء الأساتذة من فتح حسابات لهم في المصارف، لكن من دون أي جدوى، مشيراً إلى أن المشكلة أكبر منه، علماً أن هذه الرواتب لم تعد تساوي ما يكفي الشخص لأيام!
فأعلى راتب يتقاضاه الأستاذ المتقاعد 3 مليون ليرة لبنانية، أي أنه بات أقلّ من 30 دولاراً.
ويرى محفوظ أن الصندوق لا يستطيع أن يحذو حذو الدولة في مضاعفة الرواتب التقاعدية للموظفين، لأنّ ذلك حتماً سيؤدي إلى إفراغ الصندوق في شهور قليلة، قائلاً إنّ "تغذية الصندوق مالياً شرط أساسي لمضاعفة رواتب متقاعدي الخاص، وقد عملنا على مشروع قانون لتغذية الصندوق من عدة مصادر، وهو موجود في مجلس النواب، إلا أن هذا المجلس معطل اليوم، لأنّه هيئة ناخبة وليست هيئة تشريعية".
وأضاف محفوظ أنّ الصندوق اتخذ خطوة زيادة 25%، أي ما يساوي ربع راتب إضافي لكل أستاذ متقاعد من المدارس الخاصة، مشيراً إلى عدم قدرة الصندوق على أي إضافة أخرى من هذا النوع.
بيد أن هذه الزيادات، وفق محفوظ، لا تغير من الواقع شيئاً، "فالبلد في حالة انهيار، والعملة الوطنية فقدت قيمتها إلى حد كبير"، متسائلاً: "من أين نأتي بالدولار؟ صناديق التعويضات لا تؤمن الرواتب سوى بالعملة الوطنية، كذلك المصارف".
زيادة الرواتب بالعملة الوطنية تفاقم المشكلة
للأزمة جانب اقتصادي يشير إليه الخبير الاقتصادي جاسم عجاقة، إذ يشدد في حديثه إلى الميادين نت على أن المتقاعدين مثلهم مثل كل المودعين يتحملون نتيجة الوضع الاقتصادي المتردي.
ولفت عجاقة إلى أن المصارف تقول إنها ملتزمة بتعاميم تصدر من حاكم مصرف لبنان، لكن المشكلة الأساسية تكمن في أن لا أموال كافية بسبب تحويل التجار الاقتصاد إلى اقتصاد نقدي.
وحذّر من الزيادات بالعملة الوطنية، "لأن ذلك يتطلب طباعة المزيد من الأوراق النقدية، ما يؤدي إلى ضرب القدرة الشرائية لهؤلاء. وقد نصل إلى مرحلة يصبح لدينا تضخم أكبر من الذي نحن فيه"، يبيّن عجاقة.
ويضيف قائلاً: "في الأحوال العادية لا تستطيع المصارف أن تتصرف على هذه الشاكلة، ولكن الأزمة اليوم هي على صعيد نظام ككل، لذا يجب على الحكومة العمل على تحسين القدرة الشرائية عبر سلسلة إجراءات، وليس زيادة الرواتب لهذه الفئة وعموم اللبنانيين".
ويؤكد عجاقة أنّ الحل ليس مالياً وإنما سياسي، عبر إصلاحات اقتصادية هدفها رد الكرامة لهؤلاء الأشخاص وتمكينهم من توفير معيشة كريمة لهم.
أما عن قرار عدم فتح حسابات للمتقاعدين الجدد، فهو قرار مطلق اتخذته المصارف في ظل غياب أي حل، خاصّة إعادة هيكلة القطاع المصرفي، ما يزيد من حدة المشاكل.
لعل الظلم الواقع على الأساتذة المتقاعدين في القطاع الخاص جاء مزدوجاً، فلطالما اشتكى هؤلاء من ظلم إداراتهم وهم يمارسون المهنة. هذه الإدارات التي تعمد اليوم أيضاً إلى زيادة أقساطها، وبالفريش دولار، من دون زيادة رواتب معلميها في صندوق التعويضات، وفق ما يؤكد عدد من الأساتذة، مما يفقد تعويضاتهم قيمتها. فهل سيحصل الأستاذ المتقاعد على حقه في ظل أزمة عصفت بكل قطاعات الدولة وخاصة القطاع التربوي الأكثر تضرراً؟