عربات الطعام في لبنان: ابتكارات لمواجهة الأزمة الاقتصادية
جراء الأزمة الاقتصادية في لبنان انتشرت عربات الطعام في الشوارع كبديل لحلّ مشكلات الشباب المعيشية، وهي عبارة عن فان صغير أو "توك توك" يحمل مطبخاً متكاملاً تم تصميم أقسامه ومعداته بطريقة متقنة ليتسع في مساحة لا تتجاوز مترين مربعين فقط.
-
عربات الطعام في لبنان: ابتكارات لمواجهة الأزمة الاقتصادية
أينما تجوّلت في لبنان تجد معظم المطاعم مزدحمة، فبالرغم من الأزمة المعيشية الراهنة يبقى هذا القطاع ضرورياً لاستمرار حياة الناس، في بلد يعتمد مواطنوه بنسبة كبيرة على الوجبات السريعة. إلا أن ارتفاع كلفة تجهيز المطاعم ودولرة آجار المحلات وانخفاض مرتبات موظفي المطاعم مع صمود القوة الشرائية في هذا القطاع الغذائي، دفع إلى ظهور نوع جديد من عربات الطعام، اشتهرت بالـ"truck".
عدّة جولات مسائية، في بيروت مثلاً، كفيلة بتحديد موقع تلك العربات التي تختفي نهاراً بسبب قانون البلديات. وهي عبارة عن فان صغير أو "توك توك" يحمل مطبخاً متكاملاً تم تصميم أقسامه ومعداته بطريقة متقنة ليتسع في مساحة لا تتجاوز مترين مربعين فقط، يغني صاحبه عن دفع آجار المحل. وبالإضافة إلى سرعة تقديم الوجبات وسعرها المقبول وجودتها التي تنافس المحال الراقية، فقد عمدت العديد من العربات إلى ابتكار وتقديم أصناف جديدة وحصرية من الوجبات، لاقت استحساناً كبيراً، ووسّعت مروحة خيارات الطعام.
معظم مالكي تلك العربات التي بات بعضها يلقى رواجاً كبيراً، هم شباب لبنانيون لم يحظوا بوظيفة لائقة. تكمن خلف عرباتهم قصص تحدّ للأزمة المعيشية والاقتصادية.
بلال وزينب، شابان في العشرين بدأت رحلة عربتهما التي تتجول في منطقة الطيونة بقصة حب عام 2019. مع بداية ارتفاع الدولار ومع تدني قيمة مرتب بلال الذي كان يعمل موظفاً في أحد المطاعم، نجحت زينب بإقناعه بترك وظيفته واقتراض ثمن "التوك توك" مع تجهيزاته، وافتتحا عربتهما التي تبيع سندويشات جديدة، بقليل من الموارد وكثير من الحذر.
اليوم بعد 4 سنوات، نجح بلال في تسديد كامل المبلغ المستدان، وزينب التي أصبحت زوجته، تُحضّر مكونات الطعام في المنزل وتلازمه طوال اليوم. هي تتلقى اتصالات الزبائن وتتولى المحاسبة، وبلال يعمل على تحضير الطلبات.
لا تخفى نظرات الامتنان في عيني بلال أثناء حديثه عن زينب التي شجعته على تلك الخطوة، مشكلين نموذجاً نجح في تجاوز العوائق المادية التي أحاطت بالشباب اللبناني المقبل على الزواج.
أما إبراهيم رمال، صاحب أكواب الحلويات الجديدة التي ظهرت في شارع الرويس في الضاحية الجنوبية لبيروت، فلديه قصة أخرى مع عربة الكريب والحلويات التي ابتكر معظم أصنافها.
يقول إبراهيم للميادين نت: "تخرّجت باختصاص الغرافيك ديزاين، ومع فقداني الأمل بالحصول على وظيفة، قررت بيع الكريب والحلويات مستعيناً بعربة من تصميمي وصنعي بالكامل. بدأت الترويج عبر وسائل التواصل الاجتماعي ولاقت أصنافي الجديدة رواجاً وإقبالاً واسعين".
يتابع إبراهيم بشغف حديثه عن تطوّر عربته: "عملت على جرّ العربة التي تزن 200 كلغ لمدة سنتين، ثم نجحت باستبدالها بتوك توك يغنيني عن دفع العربة الثقيلة، ولاحقاً استبدلت هذا التوك توك بحافلة زرقاء اللون يحتشد حوله الزبائن كل مساء. لم أتوقع أن أصبح سيّد عملي وأني سأضطر للاستعانة بثلاثة موظفين خلال مدة البيع القصيرة (أربع ساعات) لتلبية طلبات الزبائن". ولا يخفي إبراهيم قلقه الدائم من إنذارات البلدية، التي تحرص على إزالة العربات والسيارات المخالفة منعاً للازدحام.
فقانون البلديات لا يجيز وقوف عربات الطعام على قارعة الطرقات أو تحت الجسور، أو تجولها خلال النهار ضمن نطاقها الإداري، إلا بعد تحصيل إذن مسبق من البلدية المعنية وتسديد رسم الشغور في الأماكن العامة.
وقد بلغ الرسم السنوي لشغور أحد الأماكن العامة في إحدى بلديات بيروت حوالى 400 مليون ليرة لبنانية، بعد أن كان 80 مليون ليرة، مما دفع معظم عربات الطعام للعمل مساءً فقط، تلافياً لجولات عناصر البلدية التي يتوقف عملها عند ساعات العصر.