"نجونا من القصف لكن الجوع يفتك بنا".. استهداف ممنهج للتكايا الخيرية في غزة

يستهدف الاحتلال الإسرائيلي "التكايا الخيرية" كجزء من سياسة تجويع المدنيين، حيث قصف مؤخراً مقر تكية تابعة لجمعية قوافل الخير، ما أدى إلى استشهاد عدد من أفرادها، كما دمر 29 تكية و37 مركزًا لتوزيع الطعام، مما ترك آلاف العائلات بلا طعام وعمّق أزمة الجوع.

0:00
  • "نجونا من القصف لكن الجوع يفتك بنا".. استهداف ممنهج للتكايا الخيرية في غزة

يشتدّ خناق المجاعة على أكثر من مليوني فلسطيني في قطاع غزة مع استمرار الحصار الإسرائيلي الكامل منذ 2 آذار/مارس الماضي، في إطار عدوان متواصل وسياسة تجويع تشمل منع الغذاء والدواء والمساعدات الإنسانية، واستهداف المطابخ والتكايا الخيرية، مما حول الحياة إلى صراع يومي من أجل البقاء، وفاقم الكارثة الإنسانية في القطاع.

ودمر جيش الاحتلال المحاصيل الزراعية ومنع المزارعين من الوصول إلى حقولهم، كما استهداف الصيادين، وقتل عشرات من العاملين في منظمات الإغاثة وأصحاب التكايا إثر استهداف جهودهم في مكافحة المجاعة، وبرغم ذلك، أصبح الحصول على وجبة من التكايا الخيرية الخيار الوحيد للسكان. 

شحّ الدعم وتصاعد الحاجة وسط إغلاق المعابر

ينقل صاحب تكية "الوئام" في شمال قطاع غزة محمد التتري، مع فريقه قدور الطعام الكبيرة، لتوزيعها على الأسر التي تنهشها المجاعة، ويقول للميادين نت: "نُطعم العائلات الجائعة في ظل إغلاق المعابر والنقص الحاد في المواد الأساسية مثل الأرز والدقيق والبقوليات، التي أصبحت نادرة وباهظة الثمن، والمواطنون عاجزون عن شرائها بسبب أزمة السيولة الخانقة".

ويضيف التتري: "الاحتلال يسعى إلى تدمير كل ما يُبقي الناس على قيد الحياة، فقد أحرق المحاصيل التي زُرعت خلال فترات التهدئة، وهذا الفعل ليس عشوائياً بل هو رسالة واضحة مفادها أن الجوع يجب أن يستمر"، مشيرًا إلى أنّ "التكايا أيضًا لم تُستثنَ من الاستهداف، حيث تم قصفها وتدميرها عدة مرات في محاولة لقطع شريان الحياة عن الجوعى".

وفي قلب مدينة غزة، يصطف مئات المواطنين والنازحين يوميًا في طابور طويل أمام تكية "سند" للحصول على وجبتهم اليومية، وبينما تغلي القدور بما تيسّر من الطعام فوق نيران الحطب المشتعلة نتيجة عدم توفر الغاز، ينهمك المتطوعون في توزيع الوجبات الساخنة على العائلات التي أنهكها الجوع وأثقلها التشرد.

يؤكد مؤسس "سند" نسيم أبو ناجي في حديثه إلى الميادين نت، أنّ "الأعداد المتزايدة للنازحين في مراكز ومخيمات الإيواء فاقمت الأزمة، مما جعل قدرات التكية المحدودة غير قادرة على تلبية احتياجات الجميع، في ظل شح التمويل وصعوبة وصول الدعم الخارجي بسبب الحرب"، موضحاً أنّ "معظم التكايا تعتمد على تبرعات والمساعدات الدولية، مما أدى إلى إغلاق بعضها بسبب عدم القدرة على توفير مستلزمات إعداد الطعام وتغطية النفقات".

ويحذر أبو ناجي من أنّ أسعار المواد الأساسية مثل الأرز والعدس والزيت والملح قد ارتفعت بشكل غير مسبوق، إلى جانب أزمة السيولة التي بلغت نسبتها 35%، مؤكداً أنّ "هذا الوضع يُهدد استمرارية عمل التكايا ويجعلها على شفير الانهيار، مما قد يؤدي إلى كارثة إنسانية تشمل مجاعة حادة ووفيات جماعية، خاصة بين الأسر التي تفتقر إلى مصادر دخل".

من جانبه، المواطن خليل عوض، الذي تلقى وجبة من التكية الخيرية، يؤكد في حديثه إلى الميادين نت، أنّه "برغم محدودية كميات الطعام المقدمة، تظل أفضل من الموت جوعًا"، مشيرًا إلى أنّ التكايا أصبحت المصدر الوحيد لإطعام عائلته يومياً، وشريان الحياة لجميع الغزيين".

ويبين عوض، أنّ "الظروف الاقتصادية القاسية وارتفاع الأسعار ومنع الاحتلال إدخال المساعدات فاقم المجاعة، مما زاد من سوء الأوضاع المعيشية"، مشدداً على أنّ التكايا تخفف من وطأة الجوع، لكنّ الاحتلال يلاحق من يساعد الناس، في محاولة لتجويع الشعب وإرغامه على الاستسلام، لكنه لن يفلح كما جرب سابقًا".

تدمير 29 تكية و37 مركزًا لتوزيع الطعام

يستهدف الاحتلال الإسرائيلي "التكايا الخيرية" كجزء من سياسة تجويع المدنيين، حيث قصف مؤخراً مقر تكية تابعة لجمعية قوافل الخير، ما أدى إلى استشهاد عدد من أفرادها، كما دمر 29 تكية و37 مركزًا لتوزيع الطعام، مما ترك آلاف العائلات بلا طعام وعمّق أزمة الجوع، وفقًا لمدير المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، إسماعيل الثوابتة. 

بدوره، يؤكد مدير المستشفيات الميدانية في وزارة الصحة بغزة، مروان الهمص، أنّ "57 شخصًا على الأقل توفوا نتيجة سوء التغذية منذ بداية العدوان"، موضحاً أنّ "الوفيات تتزايد مع انهيار النظام الصحي والنقص الحاد في الغذاء والمياه النظيفة".

ويصف الهمص الوضع الغذائي في غزة بـ "المجاعة" في حديثه إلى الميادين نت، لافتًا إلى أنّ "معظم السكان يعانون من فقر الدم بسبب سوء التغذية، وأن آلاف الأطفال والنساء يصطفّون يومياً أمام التكايا للحصول على وجبة بسيطة".

اعتماد كامل على المساعدات مع تصاعد البطالة

في خضمّ المجاعة، تعاني غزة من بطالة غير مسبوقة بلغت 85%، إلى جانب ارتفاع فاحش في الأسعار وانعدام شبه تام للدخل، هذا الواقع دفع غالبية المواطنين للاعتماد على المساعدات، التي ارتفعت من 60% قبل العدوان إلى 95% منذ بدايته، وفقًا للمحلل الاقتصادي أحمد أبو قمر.

وأوضح أبو قمر لـلميادين نت، أنّ "التكايا الخيرية، التي كانت مصدرًا رئيسيًا لغذاء الفقراء، توقفت بسبب إغلاق المعابر ونفاد مخازن الأونروا وبرنامج الغذاء العالمي، كما أُعلن في نهاية الشهر الماضي، مما يفاقم أزمة الجوع ويزيد من مؤشرات المجاعة في القطاع".

92% من الأطفال والنساء يعانون من نقص الغذاء

وحذرت منظمات حقوقية من تداعيات سياسة التجويع التي يمارسها الاحتلال ضد سكان غزة بعد إغلاق المعابر ومنع المساعدات، إذ اتهم المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان "إسرائيل" بارتكاب جريمة إبادة جماعية بالقطاع، محذراً من كارثة إنسانية وتزايد حالات سوء التغذية بسبب استمرار منع المساعدات لأكثر من شهرين.

وأكد المركز في بيانه أنّ "استخدام الجوع كسلاح حرب يشير إلى تطهير عرقي ضد الفلسطينيين"، لافتًا إلى أنّ 92% من الأطفال والنساء الحوامل والمرضعات يعانون من نقص الغذاء.

اخترنا لك