موسم الفصل.. مشروع ميلان بين النكسة والنجاح
ميلان يحاول النهوض مُجدّداً والعودة إلى الواجهة بعد غياب طويل عن القمة، لكنه يواجه مشاكل متعدّدة بسبب أزمات الماضي.
-
موسم الفصل.. مشروع ميلان بين النكسة والنجاح
تُجْمع المدارس الاقتصادية العالمية على اعتبار الأزمات وضعيةً استثنائية تمرّ فيها الدول والمجتمعات، نتيجة حالة غير اعتيادية في تشغيل النظام المالي. وتشكّل الأزمات، في الغالب، مُنعطفاً مصيرياً في مسيرة النظام الحالي ومستقبل الدول، فكيف إذا كانت هذه العاصفة تضرب أحد أكبر أندية كرة القدم في أوروبا، وهو نادي ميلان.
وعلى الرغم من العودة إلى دوري أبطال أوروبا هذا الموسم، فإن وضعية النادي غير مستقرة، وقد يشكّل الموسم الحالي مرحلة مفصلية في مسار عودته إلى وضعيته الطبيعية. فما هي أسباب سقوط "الروسونيرو" اقتصادياً؟ وهل بدأت فعلاً رحلة تعافيه؟
ما هي أسباب الأزمة؟
-
سيلفيو برلسكوني رئيس نادي ميلان السابق
في عام 2012، اضطرّ ميلان إلى التخلي عن عدد من نجوم الصف الأول لديه، إلّا أن الأرقام والإحصاءات تشير إلى أن أزمة ميلان بدأت في عام 2007. في ذلك العام، سَجّلت موازنة الفريق، الذي كان متوَّجاً بدوري أبطال أوروبا، عجزاً يُقدَّر بـ207 ملايين يورو، وازدادت قيمته ليصل إلى 247 مليون يورو في عام 2012.
وشكّل الفساد الإداري، الذي كان يدور في فلك الرئيس سيلفيو بيرلسكوني ومساعديه، أحد أبرز أسباب الأزمة. فعلى الرغم من علاقة بيرلسكوني الطيِّبة بالجماهير، فإن صورته الحسنة سُرعان ما اهتزّت بسبب مشاكله السياسية وارتباطه بعدد من قضايا الفساد المالي. كما أن غياب الرؤية المستقبلية ساهم، على نحو كبير، في غياب الأرضية الملائمة للمشروع المستقبلي. ولعلّ أبرز القرارات الإدارية جدلاً، إقالةُ كشّاف الفريق ليوناردو، الذي كان له الدور الأكبر في اكتشاف عدد من المواهب، أبرزها ريكاردو كاكا، الذي حصل على الكرة الذهبية في عام 2007.
تَجدر الإشارة إلى أن أسباب تهاوي مشروع ميلان لم تكن داخلية فقط، فالسياق الزمني للاقتصاد العالمي أدّى دوراً محورياً في الأزمة، إذ شَهد العالم أزمة اقتصادية اشتدت تبعاتها بين عامَي 2007 و2008 على جميع الدول، ومن ضمنها إيطاليا، الأمر الذي انعكس سلباً على عائدات أندية كرة القدم.
وعلى المستوى القاري، شَكّل إقرار قانون اللّعب المالي النظيف، من جانب الاتحاد الأوروبي لكرة القدم "يويفا"، ضربةً قاسية لميلان، إذ اضطر إلى بيع عقدَي تياغو سيلفا وزلتان إبراهيموفيتش لنادي باريس سان جيرمان في عام 2012. وعلى الرغم من بيع الثنائي، فإن النادي لم يتمكَّن من تحقيق الاستفادة القصوى مادياً خلال سوق الانتقالات.
يُذكَر أن قانون اللعب المالي النظيف يمنع أيَّ نادٍ من إنفاق أموال تفوق أرباحه. ويهدف هذا الإجراء إلى فرض السيطرة المالية على الأندية من أجل تفادي الخسائر.
بيع النادي.. وداعاً سيلفيو
-
مجموعة استثمارية صينية استحوذت على ميلان بعد رحيل بيرلسكوني
في عام 2017، أعلنت أُسرة بيرلسكوني بيع النادي، على نحو نهائي، لمجموعة استثمارية صينية، في صفقة بلغت قيمتها 740 مليون يورو. وعلى الرغم من الأجواء الإيجابية، فإن المشروع الجديد واجه عدداً من المصاعب في بدايته، فالنتائج لم ترتقِ إلى مستوى التطلعات. كما أن فشل مشروع الثنائي ميرابيلي وفاسوني، والذي عُرِف بمشروع الخطوات المتتالية (Passo dopo passo)، والذي يقوم على التعاقد مع لاعبين عاديين، ثم التعاقد مع لاعبين أفضل، لم يصل إلى المرحلة التالية، الأمر الذي أدّى إلى فشله وازدياد الضغوطات.
وشكّل انتشار وباء "كورونا" في عام 2020 إحدى المشاكل الكبيرة التي أوصلت ميلان إلى تسجيل أكبر عجز في تاريخه، وبلغ 195 مليون يورو، في موسم 2019 -2020. ويعود ذلك إلى تراجع العائدات المالية التي تحصل عليها الأندية، من خلال الحضور الجماهيري وعمليات البيع والتسويق.
في خضمّ الوضع السيئ، والذي كان يعيشه النادي، برز إلى الواجهة مشروع رأسمالي كبير، عُرِف بدوري السوبر الأوروبي، وهو مشروع بطولة قارية تتكوّن من 20 فريقاً، بينها 6 فِرَق مؤسِّسة دائمة المشاركة (ميلان من ضمنها)، أمّا سائر الفِرَق فعليها التنافس من أجل المشاركة. وبحسب التقارير، كان من المتوقَّع حصول الأندية على مبالغ تقدَّر بمليارات اليوروهات، الأمر الذي من شأنه قلب الوضع المادي في ميلان رأساً على عقب، إلّا أن البطولة، على الرغم من الصخب الإعلامي الكبير الذي تبع إعلان حدوثها، لم تبصر النور، بعد حرب بين المؤسِّسين والاتحادين الأوروبي والدولي.
في الوقت الحالي، تبدو وضعية النادي في المسار الصحيح، فمشروع باولو مالديني، اللاعب السابق للفريق والمدير الرياضي الحالي، بدأ يُثمر نجاحاً موقَّتاً؛ إذ نجح الفريق في الوصول إلى دوري أبطال أوروبا، لكنّ ذلك لم ينزع المخاوف من قلوب الجماهير، لأنها ترى أن التشكيلة الحالية غير قادرة على الذهاب بعيداً في البطولة، والمنافسة في أكثر من جبهة. ومع رحيل لاعبين أساسيين، أمثال الحارس دوناروما والتركي هاكان تشالهان أوغلو، مجاناً، فَقَدَ الفريق بعض مفاتيح لعبه، لكن الأسماء التي حضرت قد لا تكون في الجودة الكروية نفسها.
هواجس الجماهير لم تَخْفَ عن إدارة ميلان ومالديني، إلّا أن التوجُّه الأساسي للنادي كان تأمين استقرار الموازنة للسنوات القادمة، والمغامرة في الأسماء الحالية على أمل البقاء في دوري الأبطال في العام المقبل، الأمر الذي قد يشكّل منعطفاً أساسياً في المستقبل. فالنجاح يضمن عودة ميلان بالتدريج إلى مكانته الطبيعية، أمّا الفشل فقد يُحْدث أزمة جديدة، ربما تُغَيّب ميلان عن الخريطة العالمية سنواتٍ إضافيةً.