مكاسب الصين في إفريقيا

بالرغم من انعقاد القمَّة السابعة لمؤتمر طوكيو الدولي للتنمية الإفريقية (تكتاد) والتي امتدت أعمالها من 28-30 آب/ أغسطس 2019، إلا أن المُلمّين بالشأن الآسيوي يرون أن الصين لا زالت الشريك الأوفر حظاً مع إفريقيا

بالرغم من انعقاد القمَّة السابعة لمؤتمر طوكيو الدولي للتنمية الإفريقية (تكتاد) والتي امتدت أعمالها من 28-30 آب/ أغسطس 2019، إلا أن المُلمّين بالشأن الآسيوي يرون أن الصين لا زالت الشريك الأوفر حظاً مع إفريقيا - مع كل الإنتقادات والإعلام الغربي الموجَّه من بريطانيا أو أميركا أو فرنسا أو غيرها، أن الصين تحاول أن تجعل من إفريقيا ساحة لها، وأن ما تقوم به هو نوع من أنواع الاستعمار.

إلا أننا نردّ عليهم ونقول إن الصين - دولة لا زالت تُقرّ أنها دولة نامية، ولم تقم بأيّ غزو عسكري لأية دولة من قبل على مستوى العالم، مثلما فعلت الدول سالِفة الذِكر - وسواء في قمَّة طريق الحرير الأخيرة في بكين نيسان/ إبريل 2019 ، وكذلك قمَّة بريكس في جنوب إفريقيا 2018 - أعلنت الصين مبدأ إعمال الثقة المُتبادلة ما بينها وشركائها - أعلنت فكرة الشراكة مع إفريقيا وخصوصاً بعد القمَّة الصينية الإفريقية في سبتمبر 2018 المبنية على الندّية والمساواة، وأن إفريقيا ليست فقط منجماً للمواد الخام.

وعليه، تقوم الصين حالياً في عددٍ لا بأس به من الدول الإفريقية بتطوير المؤسّسات، ومشاريع البُنى التحتية التي تؤهّل هذه الدول لمستقبلٍ واعدٍ مع كل دول العالم، وليست مع الصين فقط، وتستثمر الصين ما يقرب من 300 مليار دولار داخل إفريقيا بحلول عام 2020 -  في حين أن كل الإستثمارات اليابانية داخل إفريقيا، بالرغم من محاولات اليابان مدّ جسور التعاون مع إفريقيا قبل الصين بلغت ما لا يزيد عن 9 مليارات دولار أي ما يشكّل 1/30 من الإستثمارات الصينية في إفريقيا.

كذلك دعمت الصين إفريقيا بمبلغٍ يزيد عن 60 مليار دولار منذ 2015 لدعم هذه المشاريع الواعِدة التي تطوّر التنمية العُمرانية وكذلك البشرية في إفريقيا.

كل المقالات والتحليلات التي قرأناها من خبراء وباحثين يابانيين وغربيين، يتحدّثون أن ربما اليابان قد تتفوَّق على الصين في إفريقيا من حيث الجودة، وخصوصاً في دعم مشاريع البُنى التحتية داخل إفريقيا، لكون الشركات اليابانية تعتمد على فكرة مسؤولية الشركات الإجتماعية والبيئية، تلك الأمور التي قد لا تلتزم بها بعض الشركات الصينية في إفريقيا.

أيضاً حتى في برامج تمويل المشروعات - تختلف فكرة بنك آسيا الدولي للبُنى التحتية الذي أنشأته الصين، عن فكرة بنك التنمية الآسيوي الياباني، وكذلك عن فكرة البنك الدولي، نظراً لأن شروطه أبسط وفوائده أقل، ولا يخلّ بالسيادة الإقتصادية أو السياسية للدول، مُقارنة مع البنكين الآخرين، ويتشابه معه في هذا الطرح، صندوق طريق الحرير والذي طرحت فيه الصين أكثر من تريليون دولار، لدعم مبادرة الطريق والحِزام على مستوى العالم، وهذا يضع نقاط تفوّق للصين مقابل ما يُسمّى "السبع الكبار" والذين عقدوا قمَّة قليلة الفائدة في بياريتس في فرنسا.

تعتمد الصين في استراتيجيتها في الشراكة مع إفريقيا أيضاً على مبادئ القوّة الناعِمة المُتمثّلة في التعليم والتدريب والإعلام، وبموجب عدَّة إحصائيات صادرة عن موقع آسيا بعين أفريقيا في مقال نُشِر في أكتوبر  2018 تحت عنوان "لماذا يختيار الطلاب الأفارقة الصين عن الغرب"، ينطوي المقال على إحصائيات وآراء طلاب وأكاديميين أفارقة تقرّ بتفوّق الصين في القوى الناعِمة على أية دولة أخرى مثل أميركا وبريطانيا وفرنسا وكندا وكذلك اليابان في هذا الصَدَد.

فعدد الطلاب الأفارقة زاد ثلاثين مرة منذ  2003 (2000) طالب إفريقي، وحتى 2018 (60000) طالب سواء في شكل مِنَح دراسية التي ستصل إلى 30000 منحة بحلول عام 2020 إلى الطلاب الأفارقة، وكذلك برامج إعادة التأهيل والتدريب، كذلك لمكاتب وكالة شينخوا الرسمية الصينية للأخبار العدد الكبير على مستوى إفريقيا، وكذلك قناة تلفزيون الصين المركزي، واللتان تهتمان بالشأن الإفريقي كإحدى أهم أولوياتها.

 وهي تنظر للمستقبل الإقتصادي للصين بالدرجة الأولى حيث سيصبح هؤلاء الطلاب سفراء الصين على مستوى إفريقيا في المستقبل وسفراء لبلادهم داخل الصين - في مُعادلة مُتّزنة ما بين الجانبين - وتناقُص فكرة العنصرية شيئاً فشيئاً لدى المجتمع الصيني، والذي كان يخاف من أصحاب البشرة السمراء في البداية لعدم اعتياده على رؤيتهم في السابق.

ومع بزوغ نجم الصين كقوَّةٍ اقتصاديةٍ أولى في العالم فلم يعد يهمه كثيراً موضوع البشرة البيضاء والعيون المُلوَّنة - طالما أن هذا لن يُضيف للصين أو لاقتصادها أيّ شيء على المدى المتوسّط والطويل، وذلك من خلال تقييده للاستثمارات الأجنبية، طالما لا يُراعي المعايير البيئية، مع ارتفاع سعر اليد العامِلة الماهِرة الصينية لمستوى أعلى من السابق عدَّة مرات، والتدقيق على مستوى جودة المُنَتج الصيني، وذلك بما يتّفق وخطّة "صُنِعَ في الصين 2025"، التي ستضعه في صناعات مثل التقنيات عالية الدقّة والسيارات والفضاء والطيران في المرتبة الأولى، حيث تشهد مدينة تشنزن الصينية على ذلك.

كما يوجد العديد من القصص والمقالات التي تتحدَّث تحديداً عن مقاطعة جوانجزو الصينية، وكيف تحوَّلت إلى إفريقيا الصينية داخل الصين - وهذا لسهولة إجراءات السفر إلى الصين من إفريقيا، وتنامي مشاعِر الودّ تجاه الدولة الصينية، الأمر الذي يتناقض مع الوضع بالنسبة لليابان للأسف، والتي يشتكي البعض من وجود عنصرية، ولو دفينة تجاه أصحاب البشرة السمراء، وأيضاً لصعوبة الحصول على تأشيرة دخول إلى اليابان من قِبَل الدول الإفريقية - على أساس أنها قارَّة فقيرة وعالة على المجتمع الدولي - وهذا ما لا يُفصَح عنه!!!

ولا تتذكَّر اليابان وغيرها من دول الغرب فضل إفريقيا عليها، في الحصول على المواد الخام الأساسية لصناعاتها، وللأسف ما فعله الإستعمار العسكري والسياسي بهذه القارّة، والذي جعل من المُستعمِر سواء كان بريطانياً أو فرنسياً أو إيطالياً أو هولندياً، مصّاص دماء للخيرات الإفريقية، وسبباً لتخلّف هذه القارّة، واستشراء الإرهاب، وعدم الاستقرار، والنِزاعات العِرقية، ليظلّ مُسيطراً عليها حتى بعد زوال الاستعمار العسكري والسياسي، ليحصل على هذه الموارد بأقل الأسعار، ثم يُعيد بيعها لإفريقيا بأسعارٍ عالمية - أين العدالة في هذا الطرح إذاً؟!

ولنأخذ مثالاً الدول الإفريقية الفرانكوفونية، ومحاولة فرنسا إلى الآن سيطرتها على مُقدّراتها، وأنه لا يمكن لأية قوى عالمية أخرى كالصين وغيرها، عقد أية صفقات تجارية كبيرة مع هذه الدول، من دون موافقة الخارجية والرئاسة الفرنسية!         

أخيراً وليس آخراً - أتمنَّى كل الخير لقادة إفريقيا وأن يدركوا كل هذه الأمور في المفاوضات مع اليابان - لكي يتمكَّنوا من الحصول على أقصى منافع مُمكنة مع دولةٍ كبيرةٍ كاليابان، وذلك من خلال أجندات مُعدَّة جيداً مُسبقاً تركِّز على كل المجالات التي يمكن التعاون فيها - مع عدم إهمال اقتصاد الثقافة، والسياحة، والشباب، والمجتمع المدني، والبيئة، تلك الأمور التي يهتمّ بها اليابانيون ويضعوها كأولويات.

وهناك فرصة أولمبياد طوكيو الصيفية في 2020 التي ستستضيفها اليابان – وعلى مُمثّلي إفريقيا حثّ اليابان على الإستعانة بالشباب الإفريقي في التنظيم لهذه البطولة كنوعٍ من التدريب على التنظيم والإدارة للفعاليات العالمية والتي تفتقر إليها غالبية دول القارّة الإفريقية وكذلك زيادة عدد المُبعَثين من هذه القارة إلى اليابان.

وعلى اليابان - إدراك هذه الحقائق ومحاولة مُعالجتها، وكيف يمكن أن تصبح إفريقيا والموارد البشرية الإفريقية بديلاً جيداً للمشكلة الديموغرافية في اليابان، وانخفاض معدل الإنجاب، وأن الإنفتاح على إفريقيا مزاياه أكثر من عيوبه.

وعلى روسيا التي ستستضيف لأول مرة قمَّة روسية إفريقية - الاستفادة من دراسة تجربة البلدين -أعني الصين واليابان مع إفريقيا - حيث ستستضيف موسكو "العاصمة الروسية" قمَّة روسيا وإفريقيا في أكتوبر تشرين أول المقبل - وعليه وَجَب التنويه.