الانتخابات الإسرائيلية.. المقاومة أوّل المُقترعين
بِورقةٍ من نوع "كورنيت" استبق حزب الله الانتخابات الإسرائيلية بحوالى أسبوعين، ليُدلي بصوته الذي قد يكون هو الأقوى والأكثر تأثيراً في هذه الانتخابات، وذلك بعد أن تجاوز الحزب كلّ التهديد والتهويل والعقوبات والمُساومات ليفي بما وَعدَ به أمينه العام، ولكي يُثبت مرّة أخرى بأنّ ثمن الردّ وتبعاته على كَسْرِ "إسرائيل" لقواعد الاشتباك يبقى أقلّ بكثير من ثمن تمرير ذلك بلا ردٍّ، وهذا ما سيُعيد لبنان والمنطقة إلى زمنٍ كانت فيه قواعد الاشتباك هي أن تفعل إسرائيل ما تريد من دون أن تلقى عِقاباً.
بِصرف النظر عن الخسائر التي نَجمت عن تفجير العَرَبة الإسرائيلية، وبصرف النظر عن الضغط الذي مارسه نتنياهو لكي لا يخرج مَن يعترف بعدد القتلى والجرحى، يبقى للعميلة وما سبقها وما تلاها الكثير من النقاط المُضيئة التي لا يمكن حجبها:
- أولى هذه النقاط هي أن جميع مَن في إسرائيل ينظرون بمصداقيةٍ عاليةٍ لمواقف ولكلام السيّد حسن نصرالله، وهذه الثقة المبنية على التجارب تتجاوز ثقتهم بجميع قادتهم، والكلّ ينتظر ماذا سيقول لكي يبنوا قراراتهم على هذا القول، والدليل هو نقل حديث السيّد نصرالله مباشرة على معظم القنوات الإسرائيلية.
- تمّ تنفيذ العملية بِمُنتهى الدقّة والحِكمة والحِرَفيّة والشجاعة، ولعلّ أهمّ ما ميَّزها هو قدرة القوّة المُنفّذة على اختراق الحدود اللبنانيةـ الفلسطينية وفي أعقد منطقة في هذه الحدود، وتنفيذ عمليّتهم بكلّ دقّة، وذلك برغم الاستنفار الإسرائيلي، وبرغم كلّ وسائط الاستطلاع والمُتابَعة، والميزة الأهم هي أن هذه القوَّة المُهاجِمة استطاعت الانسحاب بِسلامٍ وبِكلّ هدوء،ٍ ولم يكتفِ الحزب بهذا الخَرْق الأمني الكبير، بل أتبعه بصورةٍ تناقلتها وسائل التواصُل الاجتماعي، يَظهرُ فيها رئيس الحكومة الإسرائيلية مَرصوداً عن بُعدٍ من خلال نافذة مكتبه وهو يُدير أحدَ الاجتماعات، وذلك في رسالةٍ تحمل ما تحمل من الدلالات الأمنيّة.
- كما وَعدَ السيّد نصرالله، وفي تأكيدٍ لما سيحصل في أيّة حربٍ قادمةٍ، فقد تمّ نقل أجواء العملية وما تَبعَهها على شاشات الفضائيات وعلى الهواء مباشرة.
- بالمقابل تَمرّدُ بعض القنوات الإعلاميّة الإسرائيلية على قرار نتنياهو بالتعتيم على الخسائر، ونقل مقطع فيديو يُظهِر مروحية إسرائيلية وهي تنقل بعض المُصابين جرَّاء العملية، وذلك في تكذيبٍ صريحٍ لنتنياهو الذي ادّعى عدم وقوع قتلى أو جرحى جرَّاء العملية، والمسرحية السخيفة التي تدعو إلى الشفَقة هي قول بعض المسؤولين الإسرائيليين بأن نقل الجرحى ما هو إلّا مسرحيّة لإقناع حزب الله بأنّه حقّق مُبتغاه، ونحن على يقينٍ بأن الحزب لديه من الأدِلّة مما سيكشفه في الوقت المناسب.
- الفضيحة الإسرائيلية في الردّ على عملية تدمير العربة، والذي لم يتجاوز أربعين قذيفة تمّ إطلاقها على مناطق فارِغة،ٍ وحتى في هذا الجانب كذّب نتنياهو وقال بأنّ جيشه ردّ بأكثر من مئة قذيفة، أما الفضيحة الأكبر فهي هروب الجنود الصهاينة وإخلاء مواقعهم المُتقدّمة بشكلٍ سريعٍ وفوضَوي، وهذا ما أظهرته مشاهِد بثّتها إحدى الفضائيات.
- المُلفِت هو أنّ الجمهور الإسرائيلي وحتى بعض القادة الإسرائيليين لم يقتنعوا بأن ردّ المقاومة قد انتهى عند هذا الحدّ، وما زالوا مُلتزمين بتعليمات السيّد نصرالله التي تقضي بوقوفهم "على أجر ونص"، وهذا ما سيُبقي الانتخابات الإسرائيلية القادمة تحت تأثير ردٍّ أتى، وردٍّ سيأتي.
- غياب الطيران الإسرائيلي الحربي والمُسيَّر عن الأجواء اللبنانية خلال وبعد تنفيذ العملية، خِشية استهداف إحدى هذه الطائرات.
وأخيراً لا بدّ من المرور بنقطتين مُهمّتين، أولهما أنّه وربّما هي المرّة الأولى التي تُعلِن فيها صراحة معظم فصائل المقاومة بأنّها لن تكون على الحياد في أيّة مواجهة لبنانية ـ إسرائيلية مُقبلة، وأنّها حاضِرة للدخول فوراً في هذه المواجهة، أمّا بقيّة مفاصل المحور فلها نفس الموقف وإن لم تُعلنه صراحة لأسبابٍ واقعية.
أمّا النقطة الثانية فهي أنّ هذا الردّ هو ردٌّ على اغتيال المُقاومَين حسن زينب وياسر ضاهر، وهو لا يعني أنّه يشمل محاولة الاعتداء بالطائرات الإسرائيلية المُسيَّرة التي سقطت في ضاحية بيروت الجنوبية، فلكلّ شيء حساب مُنفصل، وردٌّ مُنفصل وهذا ما تُقرّره قيادة المقاومة.