حماس وبيانها المُستَهْجَن حول العدوان التركي

نسفت حركة حماس كل بوادِر إعادة العلاقات مع الدولة السورية بعد بيانها "المُتَفَهِّم" للعدوان التركي على الأراضي العربية السورية، مُعيدة التذكير بمواقفها السلبية السابقة، فهل تَقَدر على تحمّل تبعات هذا الموقف؟

بعد أيامٍ من بدء العدوان التركي على الشمال السوري تحت مُسمَّى "نبع السلام" وتحت ذريعة "حفظ الأمن القومي التركي وحماية الحدود"، وبعد سِجالات على مواقع التواصُل الاجتماعي حول موقف حركة حماس مما يجري في الشمال السوري، أطلَّت الحركة أخيراً ببيانٍ رسمي متفهّم للعمليةِ بذريعة "حق تركيا في الدفاع عن نفسها وتأمين حدودها".
لم يكن هذا الموقف مُفاجِئاً بالنسبة إلى كثيرين، فحركة حماس تدعم كل ما يفعله النظام الحاكِم في تركيا مهما كلَّف الأمر سائِرة بمنطق "معك ظالِماً كنت أم مظلوماً". لكنّ الدّعم هذه المرّة يختلف عمّا سبقه وستُبنى عليه أمور لاحِقة أعظم من الموقف بحد ذاته وأشدّ مما سبق أن أعلنته الحركة تجاه ما يجري من عدوانٍ عالمي على سوريا منذ أكثر من 8 سنوات.
نحن جميعنا نتذكَّر مدى التأثير السَلبي الذي خلَّفته مواقف الحركة على علاقتها بدمشق وبمحور المقاومة خلال دعمها ما سُمِّي باطِلاً وزوراً "الثورة السورية".
لكن في المقابل، بعد العدوان الصهيوني على سوريا الذي تكرَّر مراتٍ عدَّة والعدوان الأميركي-الدولي، أصدرت الحركة بيانات ندَّدت فيها بذلك ودعت إلى رصّ الصفوف مُشيرة إلى أهمية سوريا كدولةٍ وموقع، وشدَّدت على سيادتها وحرمة ترابها. هذه المواقف حملت الكثيرين على الذهاب إلى الحديث عن إمكانية رأْب العلاقات بين الدولة السورية وبين حركة حماس مرة أخرى وطيّ صفحة الماضي. وقد بدا ذلك جليّاً بشكلٍ خاصٍ بعد تغيير قيادات الحركة السياسية في السنوات الأخيرة وإعلان عدَّة مواقف مهمة.
اليوم تعود الحركة خطوات إلى الوراء وتنكأ جرحاً قديماً من خلال بيانها، حتى لو ادّعت فيه دعمها "وحدة أرض سوريا الشقيقة على كامل ترابها وحدودها الوطنية"، إلاّ أنّ دعمها العَلَني للغزو التركي غير العربي ضدّ دولة عربية جارة ومقاوِمة وذات سيادة يُعدّ تلاعباً سياسياً لن تقدر الحركة على تحمّل تبعاته، لاسيما أنّ هذا البيان جاء بعد الإعلان عن اتفاقٍ بين الدولة السورية وميليشا "قسد" توجَّه على إثره الجيش العربي السوري نحو الشمال بموازاة إعلان معظم الدول المعنية العربية والعالمية رفضها للعدوان التركي باستثناء قطر.
هنا يمكن أن نُذَكِّر بموقف سماحة السيِّد حسن نصرالله في مارس/آذار 2015 حينما بدأ العدوان السعودي على اليمن. يومها توجَّه السيِّد بكلمته إلى السلطة الفلسطينية سائِلاً "هل من مصلحة الشعب الفلسطيني يا أبو مازن أن تدعم عدواناً على الشعب اليمني؟"، مُحاجِجاً إياه كيف أنّه دعم عدواناً على شعب وأنّه لم يعد يملك منطقاً للدفاع عن شعب فلسطين العربي ضد عدوان الصهاينة الغاصبين.
ومن هذا المنطق نوجَّه الكلام إلى حركة حماس:
- حين يشنّ العدو الصهيوني الغاصِب عدواناً على الشعب العربي الفلسطيني، كيف سيكون موقفكم وأنتم تتفهمون حرباً يشنّها نظام غير عربي على دولة عربية ذات سيادة؟
- حين تُدمِّر طائرات ودبابات العدو الصهيوني منازل الشعب العربي الفلسطيني وتسقط منازل أخرى في الداخل المحتل بقراراتٍ استيطانيةٍ، ماذا سيكون موقفكم وأنتم تتفهمون عَلَناً قيام طيران العدوان التركي ودباباته بتدمير منازل الشعب العربي السوري؟
- حين يُقيم العدو الصهيوني مُستوطنات في الداخل المُحتل على أراضٍ عربيةٍ فلسطينية، ماهو موقفكم وأنتم تتفهمون احتلالاً تركياً غير عربي يطمع لإقامة مستوطناتٍ تركيةٍ في الشمال العربي السوري على غِرار ما فعل بعد عمليتيّ ما يُسمَّى "درع الفرات" و"غصن الزيتون"؟
أسئلة كثيرة تُطرَح على حركة حماس بعد هذا الموقف. فالغزو التركي سينتهي وتركيا لن تبقى مُسيطرة في كامل الشمال السوري مهما طال الاحتلال، فالحق سيعود إلى أصحابه وهذا أمر محتوم.
لقد بيَّنت حماس أنّ التغيير الذي طرأ على قيادات الحركة في السنوات الأخيرة لم يُغيِّر بالكامل من توجهاتها، وهذا يطرح علامات استفهام حول ما يُقال عن نيَّة الحركة إعادة إحياء العلاقات الوديَّة مع دمشق. وكانت حلقة "المشهدية" التي عُرِضَت على شاشة الميادين بتاريخ 2019-10-10 قد أوفَت الحديث عن المَطامِع الحقيقية لتركيا في سوريا من خلال عملية "نبع السلام".