مع عودة الجدل حول حرية الإعلام في تونس: هاشتاغ صحافي ضد الرداءة يتصدر المشهد
لا يخفي الصحافيون التونسيون اليوم تخوفاتهم من العودة إلى مربع العنف الذي شهدته تونس إبان الثورة، بعد تصاعد خطابات التهديد ضدهم من طرف جهات منسوبة للتيار المتشدد، ومحاولات تركيع الإعلام من جديد وضرب حريته.
شهدت ليلة الاحتفالات بانتصار قيس سعيد في الانتخابات الرئاسية أحداث عنف طالت صحافيين من طرف مجموعات غاضبة، استغلت الجدل الحاصل حول أداء بعض وسائل الإعلام في الانتخابات واصطفافها وراء مرشح دون آخر، لتقوم بضرب عدد من الصحافيين وإمطارهم بوابل من الشتائم والنعوت.
العنف بوابة الاعتداء على الحريات
وعقبت هذه الحادثة حملات تجييش ضد الإعلام بلغت حد التهديد بالقتل والحرق والاعتصام أمام بعض المؤسسات الإعلامية لإغلاقها، وهو ما وصفه رئيس النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين ناجي البغوري، بالخطير، معتبرا أن المناخ العام الحالي في البلاد يشبه إلى حد كبير ما عاشته تونس من 2011 إلى 2013 من حيث التضييق على حرية التعبير والتهجم على الصحافيين من أنصار بعض التيارات السياسية الرافضة لحصول نقلة نوعية في الإعلام التونسي والتوجه نحو إعلام مهني وموضوعي، وفق تعبيره.
وكشف ناجي البغوري أن الإعلامية في قناة الحوار التونسي مريم بالقاضي تلقت تهديدا بتصفيتها من قبل من أسماهم الفئات المتطرفة والتي لا تمتثل لقوانين الدولة وأضاف أن هذه الفئة تريد جر البلاد إلى مربع العنف، وتأليب الرأي العام ضد الصحافيين والمقدمين التلفزيونيين، وقد تسببت مساعيهم المحمومة في تراجع تونس في مؤشر حرية الصحافة العالمية، بحسب قوله.
بدوره، دعا رئيس المعهد العربي لحقوق الإنسان عبد الباسط بلحسن، في تدوينة له عبر حسابه على فيسبوك، إلى التوقف عن "الدعوات المتشنجة والخطيرة للثأر والانتقام من الإعلاميين"، وشدد على ضرورة معالجة نقائص الإعلام بطرق أخرى غير طرق خنق حرية الرأي والتعبير وانتهاك حقوق الإعلاميين.
كما أعرب مجلس الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري عن إدانته للاعتداءات والتهديدات التي طالت عددا من الصحافيين والقنوات التلفزيونية، معتبرا أنها "بوابة لضرب حرية التعبير والصحافة"، وطالب النيابة العمومية بفتح تحقيق في الغرض وملاحقة المعتدين.
وفي السياق ذاته، عبرت النقابة العامة للإعلام التابعة لاتحاد الشغل، عن انشغالها بالهجمة الشرسة ضد الإعلام والعاملين في القطاع. وأدانت بشدة، الحملة التي اعتبرتها مشينة وغير أخلاقية ضد العديد من العاملين في قطاع الإعلام، واستعمال الفضاءات الافتراضية لبث الكراهية والحقد ضد قنوات إعلامية وضد الصحافيين والنقابات.
ودعت النقابة عبر بيان صادر عنها، الهياكل المهنية كافة والمنظمات الحقوقية والمجتمع المدني إلى التحرك عبر تنظيم تحرك وطني ضد محاولات تدجين الإعلام والتشويه، للدفاع عن حرية التعبير والإعلام، باعتباره صمام الأمان لحماية المسار الديمقراطي وضمان التعددية السياسية والفكرية في تونس
أحزاب وشخصيات تتفاعل وتندد
نددت بدورها شخصيات وطنية وأحزاب سياسية بممارسات العنف، فقد دعا رئيس الجمهوريّة المنتخب قيس سعيّد اليوم الجمعة 18 تشرين الأول أكتوبر 2019 إلى احترام الإعلاميين والمؤسسات الإعلاميّة وألا يتم التعرض لأحد في جسده أو عرضه أو ماله.
وطالب سعيّد في كلمة صرح بها لوكالة تونس أفريقيا للأنباء متوجها بها للرأي العام، بعدم الردّ على أيّ موقف مهما كان إلا بالفكرة قائلا: "ولا تقارعوا الفكرة إلا بمثلها ولا الحجّة بغير الحجّة ...العالم بأسره ينظر بإعجاب إلى تونس".
ودعت بدورها حركة "تحيا تونس" في بيان صادر عنها السلطات المعنية، إلى اتخاذ كل الإجراءات القانونية ضد المسؤولين عن هذه الأفعال، وأكدت تمسّكها "بحرية التعبير والصحافة كمبادئ لا حياد عنها ومكاسب جوهرية للديمقراطية التونسية لا مجال للتراجع عنها".
كما رفض الحزب أي انزلاق إلى العنف، ودعا في هذا الصدد، مجلس نواب الشعب المنتخب إلى أن يشرع في أقرب الآجال، إلى "تركيز الهيئات الدستورية المستقلة وعلى رأسها هيئة الاتصال السمعي والبصري، حتى تضطلع بدورها في تعديل المشهد الإعلامي بما يضمن التعددية وحرية التعبير، لإعلام نزيه في كنف احترام القانون".
حملة صحافية #ضد_الرداءة
ولئن شجب الصحافيون واستنكروا معاداة حرية التعبير كالتشهير والتحريض والاعتداء جسديا على الصحافيين، فإن ما حدث خلق داخل العائلة الإعلامية التونسية جدلا حول ضرورة القيام بمراجعات ضرورية، وقد بين في هذا الإطار نقيب الصحافيين ناجي البغوري وجود خلط لدى شريحة كبيرة من الجمهور بين الصحافيين والمحللين 'الكرونيكور' وأشار إلى أن عددا من القنوات التونسية البارزة تبث برامج حوارية تهدف إلى توجيه الرأي العام لصالح مرشح بعينه
وشدد على أن النقابة غير راضية خاصة حينما تنزلق بعض المواد المعروضة في تحقير جزء من التونسيين أو التحريض على آخرين وتعادي قيم الثورة والحريات وتتورط في سحل الآخر المختلف عمن تدعمه، وفق قوله
كما نبهت الهيئة العليا للقطاع السمعي والبصري، في بلاغ لها، إلى أن إصلاح الإعلام لا يكون إلا من خلال آليات التعديل والتعديل الذاتي ومن خلال إرساء منظومة قانونية تضمن استقلاليته وتنأى به عن كل أشكال الضغط المالي والحزبي، مشيرة إلى أن الخروقات التي ترتكبها بعض المؤسسات الإعلامية لا يمكن أن تتخذ بأي حال من الأحوال كذريعة للمس من الحق في الاختلاف والنقد وحرية التعبير.
ودعت "الهايكا"، وسائل الإعلام السمعية والبصرية وكل الإعلاميين إلى الالتزام بقواعد المهنة وأخلاقياتها وتكثيف العمل المشترك في سبيل تطوير المشهد الإعلامي وتحسين جودة مضامينه، وإلى احترام مبادئ ممارسة حرية الاتصال السمعي والبصري وضوابطها بما يضمن الموضوعية والتعددية في التعبير عن الأفكار والآراء في إطار احترام كرامة الإنسان والحياة الخاصة بعيدا عن حملات الدعاية والإشهار السياسي.
بدورها نددت الإعلامية مبروكة خذير وهي من بين الصحافيين الذين تم الاعتداء عليهم، على صفحتها الرسمية على الفايسبوك، بعدم احترام عدد كبير من الصحافيين والوجوه الإعلامية لأخلاقيات المهنة طيلة الفترة الانتخابية مما ترك في نظرها انطباعا راسخا لدى الرأي العام التونسي بأن إعلامه هو "إعلام عار" وهو ما يدفع ضريبته صحافيو الميدان عند تعرضهم لشتى أنواع الاعتداء، وفق تقديرها
وكتبت خذير قائلة " إلى أشباه الصحافيين غير المحايدين العابثين بأخلاقيات المهنة الضاربين عرض الحائط بصاحبة الجلالة : البارحة دفعنا نحن صحافيي الميدان ضريبة عدم حيادكم بل انحيازكم الواضح طوال السنوات الأخيرة لفقاعات سياسية وثقافية تشبهكم.. البارحة دفعت أنا وكثيرون من الزملاء ضريبة "السيستام الإعلامي" الذي صنع رأيا عاما تقيأكم فظن أننا نحن ،جنود الميدان، بعض منكم...لسنا بعضا منكم ولا أنتم جزء منا: نحن الكل وأنتم النشاز. نحن الأصل وأنتم فرع هجين لا يمثلنا".
وبادرت خذير بإطلاق حملة تحت عنوان : # » أنا صحافي ضد الرداءة « .، للتبرؤ ممن وصفتهم بأشباه الصحافيين ومحللي العار الذين يسيرون عكس إرادة الشعب ويزيفون الحقائق عبر استغلال المنابر الإعلامية ، وتسببوا بتصريحاتهم في تأجيج الشارع التونسي على الصحافيين الميدانيين الذين يتعرضون بدورهم لسخط المواطنين ويدفعون فاتورة مواقف "الكرونيكارات " .
وقد انضم إلى هذه الحملة عدد هام من الصحافيين الذين تفاعلوا معها بتدوينات مختلفة. يقول في السياق ذاته الإعلامي محمد اليوسفي "المعركة الحقيقة في جوهرها لا علاقة لها بحرية التعبير فلا أحد اليوم قادر على إغلاق مؤسسة إعلامية بالقوة السياسية أو الشعبوية أو فرض خط تحريري باستعمال العنف.. الرهان الحقيقي يكمن في كيفية تحرير الإعلام من سلطة المافيا والأحزاب ولوبيات المال و"الأفاريات" الداخلية والخارجية لكي نعيده إلى الصحافيين المحترفين الذين يحترمون أخلاقيات المهنة مع الفصل بين السياسة والصحافة مثلما طالبنا بفصل الدين عن السياسة...إدانة العنف اللفظي والمعنوي وخطاب التحريض وهتك الأعراض لا تكفي بل الجرأة تتطلب تسمية الأشياء بمسمياتها لا الاندساس والتخفي وراء شعارات فضفاضة وفق أجندات معلومة"
تخوفات مشروعة لإعلاميين يأبون العودة إلى سنوات حكم الترويكا، لكن في المقابل هذا الجدل الذي عاد إلى الواجهة من جديد هو مؤشر صحي يؤكد أن الإعلام كغيره من القطاعات يتدرب على القيم الجديدة قد يخطئ وقد يصيب ولكن الأكيد أن القطار سلك طريق اللاعودة إلى ماضي تكميم الأفواه.