إلى أبي مهدي المهندس.. شهادتك ميلاد جديد

حياتك ونضالك لن ينتهي بشهادتك، بل إن شهادتك ستكون ميلاداً جديدا للمقاومة، لا في العراق وحدها، بل في العالم الإسلامي أجمع.

  • إلى أبي مهدي المهندس.. شهادتك ميلاد جديد
    إلى أبي مهدي المهندس.. شهادتك ميلاد جديد

سيّدي الحاج جمال جعفر محمّد علي آل إبراهيم الذي نعرفه بلقب أبي مهدي المهندس.. يا فخر العراق وبطلها.

هنيئاً لك الشهادة التي كنت تطلبها كل حين مع رفيق دربك الحاج قاسم سليماني.

لقد كنت وإياه مثل الأخوين التوأمين اللذين لا يكاد يُذكَر أحدهما إلا ويُذكَر الآخر، ولا يُرى أحدهما في محل إلا ويُرى الآخر بجانبه.

أنتما ـ سيّدي ـ مِثال لتلك العلاقة الإيمانية العميقة التي يُعبّر عنها بالأخوّة والمحبّة في الله. فقد كان العِناق الحار الذي يجمع بينكما يشبه ذلك العِناق الذي قابل به رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم إبن عمه وحبيبه جعفر بن أبي طالب عندما عاد من الحبشة.

وكانت نظراتك إليه، ونظراته إليك تمثل الصدق والإخلاص والإيمان والوفاء وكل القِيَم النبيلة..

لقد كنتما روحاً واحدة في جسدين مُتفرّقين، فلذلك علم الله أن روحك لن تطيق بعده وروحه لن تطيق بعدك، فقبضكما في وقت ومحل واحد وبهيئة واحدة.

ثم شاء الله أن يرحل جسدك الشريف مع جسده الشريف إلى العتبات المُقدّسة لينهل من بركاتها في أول نعش يُطاف به في التاريخ، ليزور الإمام الكاظم والإمام الجواد والإمام الحسين والإمام علي، ثم يرحل إلى مشهد ليزور الإمام الرضا، ويزور معهم كل الطيّبين الصادِقين الذين شهدوا كربلاء، أو رافقوا الأئمة، وقدَّموا أرواحهم قرابيين للصدق والوفاء والمحبّة.

لقد كنت أراك سيّدي مختلفاً تماماً عن الكثير من العراقيين الذين التهمتهم السياسة بحيلها وخدعها أو التهمتهم الدنيا بزخرفها ومتاعها.

فقد كنت مثل أخيك قاسم ممتلئين بالزهد والعفاف، لا في الأموال والدنيا فقط بل في المناصب والجاه. فبينما رضي صاحبك بأن يُكتب على قبره لقب (الجندي) من دون أيّ وصف يليق به رضيت أنت أن تلقّب بـ (المتطوّع في الحشد الشعبي) لا المُساهِم في تأسيسه وتجنيده، أو القائد الميداني العظيم الذي استطاع أن يحقّق النصر على الإرهاب العالمي، وفي أقصر مدّة، من غير أن ينتظر جزاء ولا شكوراً.

ماذا عساي أقول عنك سيّدي الكريم وأنت الذي قضيت حياتك كلها تحمل الرسالة الصادِقة منذ تتلمَذت على أستاذك وشيخك ومرجعك وقائدك وقدوتك السيّد محمّد باقر الصدر. تتلمذت على عِلمه ورسالته كما تتلمذت على نُبله وتضحيته إلى أن التحقت به شهيداً، بعد أن أدّيت كل التكاليف التي أنيطت بك.

لم يكن جلوسك طويلاً مع قدوتك وقائدك، ولم تتشرف بالتلمذة الطويلة على يديه، لكنك في واقع الأمر كنت أشرف تلاميذه، وأصدق أتباعه، وأحسن مَن مثّله، وأورع مَن سار على دربه.

لقد اخترت ألا ترتدي العمامة التي يرتديها طلبة العِلم أو العُلماء، لا لتعاليك عنها، وإنما لاعتقادك بأن خدمة الإسلام تتحقّق في أيّ سبيل، وفي أية مهنة.

لذلك اخترت أن تكون مهندساً مدنياً في المنشأة العامة للحديد والصلب في البصرة، ثم رأيت أن التكليف الشرعي يدعوك إلى دراسة العلوم السياسية؛ فدرستها ونبغت فيها.

وكان يمكنك أن تمارس السياسة كما يمارسها من تلطّخوا بأوزارها وقذاها وقاذوراتها لكنك لم تفعل، لأن قلبك وروحك ونفسك أطهر من أن تنزل من سماء جمالها وصفائها.

لقد اخترت أن تواجه الاستبداد "الصدّامي" بكل ما أتيح لك من وسائل إلى أن حكم عليك بالإعدام بعد اتهامك بالضلوع في سلسلة من التفجيرات استهدفت سفارتيّ أميركا وفرنسا عام 1983 كما طالب الشيطان الأكبر بتسليمك له.

وحينها لجأت إلى معسكر المُستضعَفين المظلومين لتواجه الاستبداد الصدّامي والأميركي من هناك، لعلمك بأن وطن المؤمن عقيدته؛ فلذلك لم تلتفت إلى تلك الوطنية الكاذبة التي تجعل صاحبها يردّد مقولة أهل الجاهلية:

"وهل أنا إلا من غزية إن غوت  غويت، وإن ترشد غزية أرشد".

بل رحت تميّز بين المعسكرين مثلما فعل الحر الرياحي حين راح يُقارن بين معسكر يزيد ومعسكر الإمام الحسين فراح ينضم إلى معسكر الإمام الحسين، ويترك كل المكاسب التي تنتظره في معسكر يزيد.

وهكذا فعلت أنت.. فقد رحت تنظر إلى الإمام الخميني ذلك الوليّ الصالح الذي يدعو إلى المحبة والأخوّة والسلام. ذلك الذي يدعو إلى إحياء الأمّة ويقظتها مقابل ذلك الشيطان الرجيم الذي سلّم نفسه لأميركا وللأعراب الذين هم أشد كفراً ونفاقاً.. وعندما عرفت سبيل الحق سلمت له، واستسلمت وهناك بدأت مسيرتك الجهادية التي ختمت بشهادتك.

لم يتوقّف جهادك في تلك المحال المباركة وإنما استمر بعد الغزو الأميركي وما تبعه من غزو إرهابي مكّنت له أميركا، وسلطته على العراق لتستبيحه من خلاله.

وهناك.. وفي تلك الفترة الحَرِجة التي مر بها العراق والتي أريد له من خلالها أن يصبح بوقاً من أبواق الشيطان الأكبر، أو ذنباً وذيلاً لأمراء الخليج الذين باعوا ذِمَمهم للشيطان، رحت أنت مع رفيق دربك الحاج قاسم تستعمل كل الوسائل للمواجهة.

لقد كنت تتحرّك بهمّة الشباب بين المُجاهدين، تشحذ هِمَمَهم، وتقوّي سواعدهم، غير مبالٍ بحُكم الإعدام الذي حُكِمَ به عليك، وأنت في شبابك الباكِر.

لقد كنت تسير مع الحاج قاسم وغيره من أبطال العراق وإيران، وفي الخطوط الأولى من الجبهات، إلى أن تم النصر، وفي أقصر مدّة، وبه انهار المشروع الأميركي الذي أريد منه تمزيق العراق، وتحويله إلى أداة أميركية، لكنهم فوجئوا بتحوّله إلى أداة فاعلة في محور المقاومة.

وهنا جنّ جنون أميركا وجنّ جنون سدنتها وخدمها وغلمانها من أمراء الخليج. وكانت النهاية الحتمية لك هي أن يزفّوك شهيداً إلى ربك وهو غاية أمانيك.

لكنهم نسوا أن حياتك ونضالك لن ينتهي بشهادتك، بل إن شهادتك ستكون ميلاداً جديدا للمقاومة، لا في العراق وحدها، بل في العالم الإسلامي أجمع.

ولذلك لست أدري هل أهنئ نفسي أم أعزّيها بك؟

نعم لقد كان فقدنا لك ولأخيك قاسم يشبه ذلك الذي عبّر عنه ضرار بقوله ـ عندما سُئِل عن مقدار حزنه على الإمام علي ـ: (حُزن من ذُبحَ ولدها في حجرها فلا ترقَأ عبرتها، ولا يَسكُن حُزنها).

ولكنا مع ذلك موقنون بأنك قد لاقيت كل مَن تحب من أبطال الإسلام من المُتقدّمين والمُتأخّرين، وأنك أحييت البطولة والشهامة والنُبل في أروع معانيها. فهنيئاً لك شهادتك التي هي أعظم شهادة في الدنيا، وهنيئاً لنا بك، ونسأل الله أن نسير على دربك إلى أن ننال مثل شهادتك.

الولايات المتحدة تغتال قائد قوة القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني، ونائب هيئة الحشد الشعبي العراقي أبو مهدي المهندس، وتأكيدات من إيران والعراق ومحور المقاومة بأن الرد حتمي.