الرايات الحمر.. إنذار ثأر محتوم؟
صورة الرايات الحمر تظلل سماء المنطقة المكفهرة هذه الأيام. سننتقم. عبارة تقرأها وتسمعها وتشعر بها وتراها في عيون الناس، وفي الراية الثورية الحمراء فوق رؤوس الجماهير وعلى قبب المساجد، وهي راية لطالما رفعها سليماني فوق ركام هزائم داعش وأميركا و"إسرائيل".
منذ اليوم الأول لاستشهاد الفريق قاسم سليماني ارتفعت الرايات الحمر في مسيرات التشييع، وكذلك في التظاهرات التي خرجت منددة باغتياله، وصدحت مواقع التواصل الاجتماعي بالسؤال عن تلك الرايات ولماذا لا تحمل اللون الأسود الذي يعبّر عن العزاء، كما تساءل عدد من الصحف العالمية عن سرّ الراية الحمراء، وهل تدخل في إطار الحرب النفسية التي قد تشنّها إيران على الولايات المتحدة رداً على اغتيال الشهيد قاسم سليماني والشهيد الحاج أبو مهدي المهندس، هذا فضلاً عن "الرد الحتمي" الذي توعّدت إيران بشنّه.
الراية الحمراء رُفعت فوق مسجد جمكران قرب قم للمرة الأولى في تاريخ إيران، وذلك في اليوم الثاني لاغتيال سليماني، لهذا المسجد أهمية خاصة لدى الإيرانيين، فهو من أقدم المساجد في المنطقة، وله دلالات دينية خاصة بهم، ويُعتقد أن رفع الراية فوق هذا المسجد يجعل من مسألة الثأر "مهمة عامة". يدل رفع الراية الحمراء على الثأر والانتقام. قبل الإسلام، كانت تُرفع الراية الحمراء فوق قبر القتيل وتبقى مرفوعة حتى الأخذ بثأره. عادة ما يرتبط رفع العلم الأحمر بالمعتقد الديني والتقليد، وارتبطت هذه العادة عند الإسلام بمقتل الإمام الحسين عليه السلام، وتُرفع الرايات الحمر حتى اليوم فوق مرقده في كربلاء.
الرايات الحمر طغت على مشاهد الغضب الشعبي في طهران والعراق، ورافقت جثمان سليماني حيث استُشهد في بغداد، ثم رافقته إلى طهران وصولاً إلى كرمان مسقط رأسه ومرقده الأخير. هذا السيل البشري العظيم الذي رافق الجثمان، حيث لم تشهد إيران تشييعاً بهذا الحجم منذ وفاة الإمام الخميني قبل ثلاثة عقود، كانت له دلالات كبيرة، وشكّل أكبر حرب نفسية لم تعمل عليها وسائل صناعة الرأي العام، بل أنتجها الغضب الشعبي العفوي، الذي بكى قائداً مغواراً، حارب داعش أينما وُجد.
التشييع الذي تمّ في الأهواز وحدها دحض الشائعات التي يروّج لها الأميركي، مشهد التشييع في الأهواز هو أكبر رد حقيقي على كل ما جرى الترويج له على مدى سنوات من أن العرب في إيران مضطهدون وأنهم أعداء للنظام. الحشود الهائلة في خوزستان والأهواز تحديداً، هي تعبير عن حب صادق للشهيد الفريق سليماني، هؤلاء الذين خرجوا في موكب تشييعه لن ينسوا ما قام به الشهيد لهم العام الماضي حين داهمتهم السيول وجرفت بيوتاً وأتربة، وذهب هو بنفسه إليهم، وقاد حملات المساعدات الإنسانية والإعمارية الشاملة. هؤلاء الناس، بعفويتهم وصدقهم، بددوا شائعات عملت عليها الولايات المتحدة لسنوات كاملة.
هذا ما حصل اليوم أيضاً عندما رفع المشيعون المفجوعون بقاسم سليماني، رفعوا الرايات الحمر ليقولوا للجناة والقتلة إن القصاص آتٍ، لا مفاوضات، ولا مساومات، ولا قبول بالوساطات العربية والغربية، إيران ستثأر، هذا ما يقوله الشارع وتقوله إيران اليوم. إيران رفعت راية الثأر الذي يقول الإيرانيون إنهم لا يريدون أن ينزلقوا معه إلى حرب، لكن لا خطوط حمر لدى ترامب المجنون، هكذا قرأ الإيرانيون الرسالة، ولهذا فالقرار هو حتمية الرد، هذه المرة، الشعب يريد رداً كبيراً، "الأمواج البشرية" كما وصفتها صحيفة نيويورك تايمز الأميركية، والتي خرجت لتشييع سليماني تريد رداً، تريد انتقاماً، وثأراً بحجم الجريمة، الجميع يتحدث عن ثأر كبير، كل حركات المقاومة في الشرق الأوسط والتي كانت تربطها علاقة وجدانية مع سليماني تتحدث عن ثأر. سليماني كان رمزاً، وهذا ما أعطى شخصيته كل هذا الثقل في الوجدان الشعبي، وأوجب رفع الرايات الحمر.