أبعد من الثأر.. لننتبه إلى دعوات الانفصال المشبوهة

إن تفويت فرصة الخلاص من أميركا اليوم تعني أننا سنستمر بالتحوّل إلى العصر الحجري بالتدرّج.

  • أبعد من الثأر.. لننتبه إلى دعوات الانفصال المشبوهة
    القوات الأميركية في العراق

الكل يُنادي بالثأر لدم الشهداء، والكل يهتف له وفي خضّم الانفعال ننسى أن ننظر إلى الخلف لنرى مَن فعلاً معنا ومَن يتحيَّن الفرصة لمُناصَرة عدونا. هناك مَن يخاف حين تتحوَّل المواجهة إلى حقيقةٍ على أرض الواقع ويدفعه خوفه إلى اللجوء إلى غريزة حب البقاء والمُحافظة على النفس واتباع سياسة "أنا والطوفان من بعدي".

الآن وقد بات الفَرَج قريباً إن شاء الله وأصبح رحيل الأميركي أمراً حتمياً، علينا أن ننتبه لدعوات الانفصال وتقسيم البُلدان والتي ستسعى أميركا إلى دعمها وتعزيزها بكل ما لديها من رجالٍ وأموال، وسيُدافع عن بقاء الأميركان في الأرض إلى آخر نفس في رئاتهم أولئك البيادق التي تحرّكها أميركا وأنصارها، ومن الخطأ أن نعتقد بأن مَن يقف مع الانفصال وتقسيم الأرض في العراق وإيران وسوريا هم فئة محدّدة دون غيرها، فقد أثبتت التجارب العملية أنه يوجد في أوساطنا مَن هم "ملكيين أكثر من المَلك"، رغم ادّعاءاتهم حب العراق ووحدته ولبسهم جلباب الدين، وهم يدورون في فلكٍ خاصٍ بهم لا يهتم سوى باستمرار وإدامة عروشهم ومُملكاتهم وقوَّاتهم العسكرية الجديدة.

وسواء وافقت أميركا أم لم توافق على قرار مجلس النواب العراقي، فإن عملية رحيل الأميركي باتت حتمية تنفّذها سواعد أبناء المقاومة على الأرض العراقية. تلك السواعد وإن دَحَرت الأميركيين في السابق وسحقت "داعش" ابنتهم غير الشرعية، إلا أن المخاطر تكمُن حين تقوم أميركا بالتحوّل إلى حربٍ من نوعٍ آخر وتُعلِن أو تعطي الأمر لبرزاني بإعلان إقامة دولة كدرستان، وهو الإعلان الذي ستعترف به دولتان على الأقل بشكل فوري (أميركا وإسرائيل).

وقد يقول قائل إن تركيا لن تسمح بذلك، إلا أن تركيا حليفة في حلف الناتو وبعض المنحات المالية والتطمينات بعدم تجاوز قيام هذه الدولة حدود العراق بإمكانه أن يجعلها تؤيّد الدولة الجديدة، وهذا الأمر اعتاد على فعله الأميركان. ستنطلق أميركا من قواعد جديدة في شمال العراق وتستمر بدعم عصابات "داعش" وهي التي لا تنفكّ تعلن عن استعادة "داعش" أنفاسها وقُدرتها على التحرّك مُجدَّداً.

علينا أن ننتبه إلى أن أميركا ستتحوَّل إلى كلبٍ جريحٍ ينبح في كافة الاتجاهات لتشتيت التركيز وتفريق الوحدة العراقية الوطنية. وهو ما بدأ البعض يروِّج له والادّعاء بأن إيران سوف تحتل العراق بدلاً من أميركا وهي اللعبة التي راهنت عليها أميركا في السابق، إلا أن ورقة التين سقطت عن تلك اللعبة بدخول "داعش" وتوحّد العراقيين في مقاومتهم لها، لكن نقطة ضعف العراق الكبرى التي ذكرتها أعلاه وهي الأراضي الشمالية التي فرزتها أميركا و"إسرائيل" منذ العام 1991 لتدريب الموساد وقوات أميركية داخل الأراضي العراقية، وتدريب العديد من أبناء شعبنا الكردي على القتال وبناء قواعد تتمركز فيها بشكل دائم، والأكثر من ذلك زرع روح الكراهية اتجاه أبناء أرضه وشركائه في الوطن والتوجّه نحو الدفاع عن أميركا و"إسرائيل" وكأنه أحد أفراد تلك البلدان.

يجب أن يتزامن خروج القوات الأميركية مع تشكيل حكومة وطنية وإلغاء المُحاصَصَة التي فرضها السفير الأميركي على الأرض والعودة بالبلاد إلى دولة المؤسَّسات التي تُدار من قِبَل أناس مؤهّلين وليس من قِبَل أعضاء هذا المذهب أو ذاك أو أفراد هذه الحركة أو تلك.

إن تفويت فرصة الخلاص من أميركا اليوم تعني أننا سنستمر بالتحوّل إلى العصر الحجري بالتدرّج، وتستمر الطبقة السياسية التي يمكن تحديدها بأشخاص مُعيّنين مقبولين من قِبَل الأميركان والإنكليز، بالتناوب على الحُكم.

علينا أن ننسى الخلافات الجهوية والفئوية ونتذكّر العراق ونجعل سلامته وسلامة أبنائه والنهوض بواقعه نصب أعيننا. علينا إبعاد مَن تسلّموا السلطة في السنوات السابقة لأنهم تدور حولهم الشُبهات ويأتمرون بأوامر المُستعمِر سواء كان بريطانياً أو فرنسياً أو أميركياً.

العراق يجب أن يعود إلى أهله ويجب أن تتشكل أحزاب تُفرض عليها قوانين التعدّدية المذهبية والعِرقية والمساواة، واحتواء كافة أطياف الشعب العراقي هو مَن سيُحقّق ذلك. إن لبْنَنَة العراق قد انتهت لأن العراق لا يحتمل السياسة التقسيمية المُتّبَعة في لبنان والتي سئمها لبنان نفسه رغم قلّة عدد سكانه وصغر مساحة أرضه.

علينا ألا نُضيِّع دماء شهدائنا ونجعل الأميركي يرقص على جراحنا مُجدَّداً.

الولايات المتحدة تغتال قائد قوة القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني، ونائب هيئة الحشد الشعبي العراقي أبو مهدي المهندس، وتأكيدات من إيران والعراق ومحور المقاومة بأن الرد حتمي.