نكبة القرن.. "الصفقة" طُبقت والأهم ما لم يُعلن

إنّ عدم قيام الفصائل بالدعوة إلى المقاومة الشعبية، قد يدفع بعض الشبان للانضمام إلى "داعش" للقيام بعمليات يريدها الإسرائيلي والأميركي باسم "داعش" نفسه، لإثبات مزاعمهما بأنَّ ما يحصل في غزة إرهاب.

  • نكبة القرن.. "الصفقة" طُبقت والأهم ما لم يُعلن

إنَّ ما قدَّمته الإدارة الأميركية تحت مُسمى "السّلام الإسرائيليّ الفلسطينيّ" يدفعنا إلى الوقوف على نقاط مهمّة:

أولاً: على الرغم من أنَّ إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب هي التي أعلنت عن الخطة، بما تحتويه من تفاصيل كلية وجزئية تتعلّق بمسارات تصفيةٍ كاملةٍ لحقوق الشعب الفلسطيني، فإنّ ذلك لا ينفي أبداً أنَّ إقدام الإدارة الأميركية على هذا السلوك يعود إلى عدة عوامل:

- لم تدعم أي إدارة أميركية مسار التسوية العادل بشكل حقيقي، بل إنّ نجاح أيّ مرشح في الوصول إلى سدة الحكم في البيت الأبيض، كان نتيجة خضوعه لعدة اعتبارات، بما في ذلك مراعاة الدعم غير المحدود للكيان الإسرائيلي في سياسته الخارجية وضمان أمنه وتفوقه.

- أظهرت الوقائع السّابقة أنَّ الإدارات الأميركيّة المتعاقبة سعت في محدّدات سياستها الخارجيّة إلى تأمين الظروف والمناخات المناسبة للوصول إلى ما يُسمى "صفقة القرن"، بما في ذلك الترهيب والترغيب في التوصّل إلى اتفاقات سلام منفردة شكَّلت نماذج مصغّرة من الخطة الأميركية الحالية، من "كامب دايفيد" إلى "وادي عربة" إلى "أوسلو".

- يتألّف العامل الثالث من شقّين هما تأثير الإنجيليين في صنع القرار داخل الإدارة الحالية، ودور الأخيرة في الدفع نحو تطبيع العلاقات الإسرائيلية مع بعض الأنظمة العربية، بذريعة مواجهة التمدّد الإيراني، في ظلّ إحداث فوضى داخل دول محور المقاومة.

ثانياً: لا يمكن أن نصف طرح الإدارة الأميركية بأنَّه "صفقة"، فمن المنظور اللغويّ، تعبّر "الصفقة" عن حالة تجارية أو اقتصادية.
ولو تجاوزنا ذلك، فإن الصفقة تتمّ بين طرفين، وتحقّق منافع مشتركة ومتوازية بينهما، ولا يخرج أحد أطرافها خاسراً، بخلاف "صفقة القرن"، التي صبَّت بمجملها في مصلحة الكيان الصهيوني، وتمت في ظلّ غياب الجانب الفلسطيني.

ثالثاً: تمَّ تطبيق ما يزيد على 70 في المئة من الخطة الأميركية خلال السنوات الثلاث الماضية، من خلال فرض إدارة ترامب الأمر الواقع، بدءاً باعتراف واشنطن بالقدس عاصمة لـ"إسرائيل" ونقل السفارة إليها، مروراً بتجفيف الموارد المالية للأونروا، وتوطين اللاجئين، والاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على الجولان المحتل، وإعطاء الضوء الأخضر لضمّ المستوطنات في الضفّة، والسّيطرة الأمنيّة الإسرائيليّة على المعابر كافة، وخنوع السلطة أمنياً للكيان الإسرائيلي، وتطبيع الأنظمة العربية مع "إسرائيل" بشكل متسارع. 

ولعلّ الحفاظ على سلاح فصائل المقاومة، وتمسّك اللاجئين بحقّ العودة، وصمود الأسرى، وعدم النجاح في تغيير موقف سوريا، شكَّلت أبرز النقاط الّتي تقلق تل أبيب وواشنطن معاً.

رابعاً: من حيث التّوقيت السياسيّ، يمكن القول إنَّ الإعلان عن الخطة يأتي في إطار خدمة التموضع الانتخابي لنتنياهو وترامب، ذلك أنَّ الأخير يريد محاباة اللوبي اليهودي الفاعل والمؤثر في المشهد السياسي الأميركي ومغازلته، وفي الوقت ذاته، تخفيف حجم الضغوط التي تواجهه داخلياً في ما يتعلق بقضية العزل، نتيجة ملفّي أوكرانيا وتجاوز سلطات الكونغرس.

أمّا نتنياهو، فيريد استثمار الصّفقة حتى يضمن نتائج الانتخابات التي ستُعاد للمرة الثالثة في آذار/مارس القادم لمصلحته. وتشي دعوة واشنطن لخصمه السياسيّ في هذه الانتخابات، زعيم حزب "أزرق - أبيض"، بيني غانتس، واجتماع ترامب معهما قبل إعلان الصفقة وبعده، بأنَّ هناك حراكاً وضغطاً أميركياً للوصول إلى صفقة تتضمَّن تشكيل حكومة وحدة وطنية داخل الكيان، مهما كانت النتائج، لمواجهة التحديات الإقليمية المتنامية.

ولعلَّ إقدام نتنياهو على سحب طلب الحصانة خير دليل على ذلك، ولكنْ ثمة جانب آخر لهذا التوقيت، يتعلَّق بالتحوّلات والتغيّرات التي شهدها النظام الإقليمي، وخصوصاً بعد تبنّي محور المقاومة استراتيجية إخراج أميركا من المنطقة إثر اغتيال الفريق قاسم سليماني.
وبالتالي، سارعت الإدارة الأميركية إلى الإعلان عن صفقتها، من دون انتظار انتخابات الكنيست، خشية حصول تطورات متسارعة تضطرها إلى الانسحاب من العراق أو سوريا قبل الإعلان عنها.

خامساً: في ميزان الربح والخسارة، كانت كفة المصالح الإسرائيلية ساحقة في مقابل حرمان الشعب الفلسطيني من أدنى حقوقه، وهو ما برز في كلِّ جوانب الخطة الأميركية السياسية والاقتصادية والأمنية، إضافةً إلى ملفات "المعتقلين والمعابر واللاجئين".

سادساً: تتمثل النقطة الأخطر والأبرز في كلّ ما تقدم في شقّين أساسيين، الأول هو تراجع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس عن تطبيق قرارات المجلس المركزيّ، بإعلان حلّ السلطة والانسحاب من "أوسلو".

برز هذا الأمر في خطاب عباس أثناء اجتماع وزراء خارجية جامعة الدول العربية، عندما أعلن أنه أبلغ الإسرائيليين بتحمّل مسؤولياتهم كقوّة احتلال، وفق قرارات جنيف الأربعة، وهو ما من شأنه عدم إعلان الانسحاب من أوسلو بشكل صريح وواضح، واستمرار السلطة في التنسيق الأمني مع "إسرائيل".

وفي الشق الثاني، ليس مصادفةً أن ينشر المتحدّث باسم تنظيم "داعش"، المدعو "أبو حمزة"، تسجيلاً صوتياً قبل يوم واحد من إعلان ترامب الصّفقة، طلب فيه من أتباع التنظيم "مهاجمة اليهود والمستوطنات، وإفشال خطة ترامب، واسترداد ما سلبوه من المسلمين"، مضيفاً: "ندعوكم إلى الالتحاق بجنود الخلافة الّذين يسعون إلى إزالة الحدود والسدود التي تحول بينهم وبين نزال اليهود"، مع ما تضمَّنته الصفقة من نزع سلاح الفصائل في غزة كشرط للاعتراف بدولة فلسطين.

إنّ عدم قيام الفصائل بـ"تسخين" الجبهات العسكرية والدعوة إلى المقاومة الشعبية، قد يدفع الشبان وبعض مقاتلي هذه الفصائل للانضمام إلى "داعش" للقيام بعمليات يريدها الإسرائيلي والأميركي باسم "داعش" نفسه، لإثبات مزاعمهما بأنَّ ما يحصل في غزة إرهاب، ونزع سلاح المقاومة، عبر استقطاب التحالف الدولي بقيادة أميركية قبل مغادرة العراق.

سنتان من التحضير والتنازلات من قبل إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب من أجل إعلان ما بات يعرف بـ "صفقة القرن"؛ هذه الصفقة التي يراد منها الإمعان في ظلم وسرقة الشعب الفلسطيني وإنتهاك حقوقه.