الانقسام الفلسطيني و"كوفيد 19".. لمن تكون الغلبة في النهاية؟

لن نجد، كشعب وفصائل، أفضل من هذا "الوباء" لنحوّله إلى فرصة للمّ الشمل ورصّ الصفوف، لمواجهة الكثير من الأزمات الأخرى التي ما زالت تنتظرنا، وعلى رأسها الاحتلال.

  • الانقسام الفلسطيني و"كوفيد 19".. لمن تكون الغلبة في النهاية؟
    توحيد العلاقات الفلسطينية ضروري في ظل "كوفيد 19" 

تريّثت كثيراً قبل أن أكتب هذا المقال، تحسّباً لحدوث تغيير ما في مواقف طرفي الانقسام الداخلي الفلسطيني المستمر منذ أكثر من 13 عاماً، تحت تهديد جائحة كورونا التي باتت تُؤرّق العالم، وتُحدث تغييراً إيجابياً في التعاطي مع كثير من المواقف والأزمات. 
وما دعاني إلى ذلك التريّث هو بعض الإشارات التي بدت في ظاهرها إيجابية، وتحمل بعض الأمل في طي تلك الصفحة السوداء من تاريخ هذا الشعب الصابر والمكافح.

 ولكن يبدو أن ذلك التريّث والانتظار كان بلا جدوى، إذ إن ذلك الطاعون الذي ينهش في الجسد الفلسطيني المنهك بفعل الاحتلال والحصار منذ تلك السنوات العجاف، ما زال على حاله، ولم يشهد أي انحسار أو تراجع، وأن مفاعيله وتداعياته الكارثية ما زالت تُلقي بظلالها القاتمة على مجمل المشهد الفلسطيني.

كنت أعتقد أن ذلك الفيروس القاتل "كوفيد 19" سيكون له انعكاس إيجابي على الحالة الفلسطينية، وخصوصاً بما يخص موضوع الانقسام، وأن ضرورة توحيد الجهود وتضافرها لمواجهة تلك الجائحة، ستدفع الأطراف الفلسطينية المتنازعة إلى توحيد جهودها، واستثمار طاقاتها وإمكانياتها، وتغيير ولو جزء يسير من مواقفها، لتصبح قادرة على حماية شعبها من ذلك الوباء الفتّاك.

ولا أبالغ إذا قلت إن الاتصال الهاتفي بين الأمين العام للجهاد الإسلامي الأستاذ زياد النخالة ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس في 4 أبريل/نيسان الماضي أوقد في نفوس الكثيرين، وأنا منهم، شعلةً من الأمل بأن تتحرك المياه الراكدة في الملف الفلسطيني الداخلي، وأن تعود الحياة، ولو قليلاً، إلى تلك الجهود الرامية إلى إنهاء تلك الحقبة السيئة الصيت في تاريخ العلاقات الفلسطينية الداخلية.

وأهمية ذلك الاتصال أنه جاء بعد ساعات من مكالمة أجراها النخالة مع رئيس المكتب السياسي لحركة حماس الأستاذ إسماعيل هنية!
صحيح أن المكالمتين ركَّزتا على مواجهة فيروس كورونا، وكيفية حماية أبناء الشعب الفلسطيني من آثاره الكارثية، إلا أنهما لم تغفلا بالتأكيد التطرق إلى الوضع السياسي الفلسطيني وما آلت إليه جهود المصالحة المتوقفة بشكل شبه كلي منذ شهور كثيرة.

من هنا، كان التفاؤل مقبولاً ومنطقياً، وكان انتظار حدوث تغيير ما في مواقف الأطراف باتجاه المصالحة الوطنية طبيعياً، ولم يكن ضرباً من ضروب الخيال، فالأزمات الكبرى التي تعصف بالعالم، كالتي نعيشها الآن، كفيلة بإذابة كل جدران الجليد بين المتصارعين والمتناحرين حتى في أصعب القضايا وأكثرها تعقيداً، ومن باب أولى أن تكون قادرة على فكفكة أزمة داخلية يخضع طرفاها لاحتلال بغيض لا يفرق بين هذا وذاك عندما يفتح نيران أسلحته الرشاشة باتجاه صدور الفلسطينيين العزّل.

ولكن يبدو أن المشهد الفلسطيني الداخلي بتفاصيله كافة أكثر تعقيداً مما كنا نعتقد أو نتوقع، وأن المُختلف عليه بين طرفي الانقسام أكبر وأعمق من أن تؤثر فيه أزمة مثل وباء كورونا!

أنا هنا لا أساوي بين الطرفين من ناحية المسؤولية في استمرار هذا الوضع المؤسف والمخزي، فتعاطي الطرفين لم يكن بالمستوى نفسه من الجهود الكثيرة التي بُذلت في هذا المجال.

وللإنصاف والأمانة، فقد تجاوبت حركة حماس بشكل أكثر جدية ومرونة مع تلك الجهود، وقدمت بشهادة الفصائل تنازلات لا يمكن غض النظر عنها أو تجاوزها!

صحيح أن البعض يعتقد أنها غير كافية، وتحتاج إلى ترجمة أكثر شفافية على الأرض، ولكنها في الحد الأدنى تجاوبت إلى حد بعيد مع الجهود والوساطات المحلية أو الإقليمية.

عودٌ على بدء، وبعيداً عن تحميل المسؤوليات وإلقاء التهم، متى يمكن لهذا الوباء "الانقسام" الذي شتت الجهود، وأضعف الصفوف، وأحدث شرخاً عمودياً وأفقياً بين أبناء الشعب الواحد، أن يزول أو ينتهي إلى غير رجعة!؟

هل ننتظر جائحة أكبر من هذه لنعيد النظر في أولوياتنا وسياساتنا التي لم تقدم سوى المزيد من الجوع والفقر والتيه لأبناء شعبنا المنكوب؟!
هل يستمر البعض في التمترس خلف مواقفه و"مصالحه"، حتى لو أدى ذلك إلى فناء شعبه، واندثار قضيته، وسقوط مشروعه الوطني وحقه في الحياة؟!

لن نجد، كشعب وفصائل، أفضل من هذا "الوباء" والتهديد لنحوّله إلى فرصة للمّ الشمل ورصّ الصفوف، لمواجهة الكثير من الأزمات الأخرى التي ما زالت تنتظرنا، وعلى رأسها الاحتلال البغيض!
ندعو الله أن تزول هذه الغمة قريباً، وأن تزول معها إلى غير رجعة آثار ذلك الانقسام البغيض، وأن يهنأ شعبنا بحياة حرة كريمة على أرضه كباقي شعوب العالم.

 

أعلنت منظمة الصحة العالمية في 31 كانون الأول/ديسمبر 2019 تسجيل إصابات بمرض الالتهاب الرئوي (كورونا) في مدينة ووهان الصينية، ولاحقاً بدأ الفيروس باجتياح البلاد مع تسجيل حالات عدة في دول أخرى حول العالم.