لماذا مالت الكفة إلى محور "السرّاج– تركيا" في ليبيا؟

نجحت حكومة الوفاق في إعادة التوازُن العسكري مع حفتر. إردوغان تمكّن من تثبيت أقدامه في ليبيا، وسجّل أهدافاً في مرمى الإمارات ومصر.

  • لماذا مالت الكفة إلى محور "السرّاج– تركيا" في ليبيا؟
    صورة أرشيفية للمعارك في ليبيا

تغيّرت لغة رئيس حكومة الوفاق فايز السرّاج أخيراً. يقول إنه لن يجلس بعد اليوم على طاولة التفاوض مع "المشير" خليفة حفتر. يُدرك السرّاج أنه أخذ زِمام المبادرة على الأرض، فقواته لم تعد في موقع الدفاع كما في السابق، بل تُبادر إلى الهجوم وتُسيطر على مدن الساحل الغربي لليبيا.

تحوّل المشهد بين ليلة وضُحاها في ليبيا. هدنة فيروس كورونا "الهشّة" تحت الضغط الدولي زادت من تماسُك قوات السرّاج. تُدير وجهها شطر الغرب، تعرف أنه الخاصِرة الرَخوة لقوات حفتر. تتحرّك تحت جَنْح الظلام، وتسيطر سريعاً على مدن صبراته وصرمان والجميل ورقدالين والعجيلات وزلطن ومعسكر العسّة قبل سطوع الضوء. تماماً كما خسرتها خلال ساعات عام 2017 استعادتها بالسرعة نفسها من قوات حفتر، ليصبح كل الساحل من طرابلس حتى الحدود مع تونس تحت سيطرة حكومة الوفاق.

يقول المُتحدّث باسم وزارة الخارجية في حكومة الوفاق محمّد القبلاوي لـ"الميادين نت" إن "التقدّم الأخير كان نتيجة منطقية بعد توقيع مذكّرة تفاهم مع أنقرة التي درَّبت قوات حكومة الوفاق وقدَّمت لها أسلحة نوعية ومتطوّرة. ما نشهده اليوم من تقدّم على الأرض ما هو إلا البداية، سيلحقه يومياً تقدّم ثابت لقوات حكومة الوفاق".

يُضيف القبلاوي: "بالتوازي مع التحرّك الميداني، ستواصل الخارجية تحرّكها الدبلوماسي من أجل تأمين الدعم لحكومة الوفاق الشرعية ومُحاكمة حفتر الانقلابي وميليشياته غير الشرعية في القضاء المحلي أو الدولي على "جرائم الحرب التي يقوم بها بحق المدنيين".
تنفّس السرّاج الصُعداء، فمنذ بداية عام 2019 كانت حكومته في وضع لا تُحسَد عليه. قوات حفتر تحكم الطوق على طرابلس من جميع الجهات تقريباً. بدا وكأن العاصمة آيلة إلى السقوط في أية لحظة. حتى الاستنجاد بمدينة مصراتة الساحلية - شقيقة طرابلس في السلاح والسياسة ضد مشروع حفتر- لم يعد ممكناً بعدما قطعت قوات "المشير" الطريق الرابِط بين المدينتين.

ينظر حفتر إلى خارطة ليبيا، يرى نفسه أكثر من أيّ وقت مضى أقرب إلى دخول طرابلس، سبق له أن "دقّ" ساعة الصفر ثلاث مرات، ويرى في "دقّتها" الرابعة خاتِمة معاركه. وفّر له حليفاه، الإمارات ومصر الإمداد العسكري المناسب، لحسم المواجهة نهائياً.

تركيا لم تكن يوماً على الحياد في المسألة الليبية، أعلنها الرئيس رجب طيّب إردوغان صراحة منذ البداية أنه يقف إلى جانب السرّاج، تماماً كما هي الحال بالنسبة إلى قطر التي أخلت الساحة مؤخراً، لتحلّ مكانها أنقرة.

لا شيء في العلاقات بين الدول يحصل بالمجّان، فالتدخّل العسكري التركي في ليبيا سبقته اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين طرابلس وأنقرة، ليوجّه من خلالها إردوغان ضربة مباشرة إلى خصميه اليونان ومصر في حربه معهما على مكامن وخطوط أنابيب الغاز تحت مياه البحر المتوسّط.

يعي إردوغان خطورة وضع السرّاج. إمداد مدينتي طرابلس ومصراته بالسلاح لم يعد كافياً. يرى أن الوقت قد حان للتدخّل المباشر لإعادة التوازن في المعركة، يرسل في 2-1-2020 طلباً إلى البرلمان للموافقة على إرسال قوات إلى ليبيا، ويحصل بعد خمسة أيام على الموافقة.

يحاول الرئيس التركي استنساخ التجربة الروسية في سوريا، ويبدأ في إرسال قواته إلى طرابلس. يؤسّس هناك قاعدة عسكرية، ويُقيم جسراً جوياً لنقل المسلّحين السوريين الموالين له من الشمال السوري إلى طرابلس. مشاهِد هؤلاء في العاصمة وعلى خطوط المواجهة تتناقلها مواقع التواصُل الاجتماعي وتنفيها حكومة السرّاج، وتردّ التهمة على حفتر باستعانته بمُقاتلين أفارِقة وروس من شركة فاغنر.

هكذا دخلت تركيا مباشرة في عين المعركة، ضبّاطها خبروا قتال الجيوش النظامية وحرب الشوارع الضيّقة. نظّموا الصفوف على الأرض وفعّلوا طائراتهم المُسيّرة في السماء. غارات على مدار الساعة، وقصف متواصِل أربك قوات حفتر.

تم تأمين طرابلس على نحو كبير. ساعدتها على ذلك بنحو حاسم استعادة قوات الوفاق السيطرة الكاملة على مدينة غريان وقاعدتها العسكرية مُنتصف العام الماضي. هي النكسة الأساسية لحفتر، الذي خسر مقر قيادته الرئيسي في المواجهة، وخط الإمداد من شرق ليبيا إلى غربها.

يقول مدير إدارة الإعلام الخارجي في الحكومة الليبية المؤقّتة مالك الشريف لـ"الميادين نت": "هم تقدّموا في مدن الساحل مُعتمدين على غطاءٍ جوي تركي كثيف ومُرتزقة سوريين. وللعِلم فإن مدينتي صبراته وصرمان لم يدخلهما الجيش في الأساس، وإنما الأهالي انتفضوا على الإرهابيين واستلموا الإدارات الرسمية والعسكرية وأعلنوا دعمهم للجيش. وبالتالي هم يُعاقبون أهالي المدينة الذين ثاروا عليهم. ويمكنك ملاحظة أن أول ما فعله المرتزقة هو فتح السجون وإخراج الإرهابيين منها".

ويُضيف الشريف: "بالتأكيد الجيش سيردّ بشكلٍ واضحٍ وصريح، صحيح خسرنا بعض المدن وهذه ليست المرة الأولى، وسنستعيدها كما فعلنا في السابق".

نجحت حكومة الوفاق في إعادة التوازُن العسكري مع حفتر. إردوغان تمكّن من تثبيت أقدامه في ليبيا، وسجّل أهدافاً في مرمى الإمارات ومصر. فهل تقبل الإخيرتان بالخرائط العسكرية الجديدة؟ سنرى حتماً المزيد من الإمداد العسكري لقوات حفتر، والعديد من المعارك القاسية بين الفريقين. بينما يقف الغرب المُنقسِم عامودياً حول تَرْكَة القذافي مُتفرّجاً، فهمّ فيروس كورونا يثقل كاهله حالياً.