تيار الدمار الأميركي الشامل أم تيارات الإنسانية الخلاقة.. من يسبق؟

إنهما منطقان متناقضان، واحد يدعو إلى السلام، وآخر لا يستمع إلا إلى ربه: "المال".

  • تيار الدمار الأميركي الشامل أم تيارات الإنسانية الخلاقة.. من يسبق؟
    تيار الدمار الأميركي الشامل أم تيارات الإنسانية الخلاقة.. من يسبق؟

 

يسعدك أن تسمع قادة العالم الشرقي: روسيا وإيران والصين، يناشدون بقية الدول، وخصوصاً الولايات المتحدة الأميركية، التعاون للتغلّب على مصاعب الكرة الأرضية، ولا سيما كورونا، بينما يُستعاد خطاب القائد الثوري فيدال كاسترو، قبل غيابه، متفجّراً برفض الحروب، وقائلاً: "لن نرسل الصواريخ والمدافع والقنابل إلى العالم، بل أطباء يقدمون الخدمة الإنسانية للمحتاجين إليها في أي مكان"، وذلك قبل ظهور كورونا بعقود، بينما يخرج اليوم مئات الأطباء الكوبيين إلى أوروبا للمساعدة في إنقاذ المصابين.

لكن الإنسان يصاب بالصدمة عندما يسمع في المقابل ما يصدر عن الولايات المتحدة الأميركية، وعلى لسان صحافتها ومسؤوليها، بضرورة نشر السلاح النووي في كل مكان، بما يتضمن ذلك من تهديد للبشرية، بحجة الدفاع عن المصالح الأميركية، وهي ليست إلا الطمع بالمزيد من تراكم الثروات المرضي والقاتل في أيدي فئة قليلة من الناس. 

والأسوأ هو ما تعبّر عنه بعض الصّحف الأميركيّة من الشعور بالإهانة أمام صورة الأطباء الكوبيين ينزلون في مطارات الدول المتقدمة في العالم، للمشاركة في الحفاظ على البشرية، وهي تصف كوبا بدولة صغيرة، يتحكّم بالكثير من مقدراتها حصار الولايات المتحدة المزمن لها. ورغماً من ذلك، فإنها تعطي بلا مقابل ما تعجز عنه الإمبراطوريات الكبيرة بالكثير من المقابل.

إنهما منطقان متناقضان، واحد يدعو إلى السلام، وآخر لا يستمع إلا إلى ربه: "المال". ثمة ما يصرخ فيك: ما الذي يضع حداً لهذا الجشع، بينما الأرض بحاجة إلى الحماية من الأوبئة والأمراض، وإلى الغذاء والدواء والتعليم ومعالجة مشاكل البيئة الناجمة عن طمع أصحاب التريليونات، بإصرارهم على المضي بتلوث الهواء تكريساً لأرباحهم، وما ينجم عنه من احتباس حراري بات يهدد البشرية!؟ من يضع حداً لتهديد الحياة على الكرة الأرضية، رهاناً على المزيد من الربح والطمع بتراكم الثروات من دون طائل!؟

إنَّه الجنون الذي يضرب النظام الإمبريالي الغربي بزعامة الولايات المتحدة الأميركية، وشعور قادته بما يتهدَّده من تراجع، لأسباب عديدة، عماداها الطمع في جمع الثروة العالمية في يد قلة قليلة تحرم منه غالبية ساحقة من الناس من جهة، ومن جهة ثانية، تنامي قوى عالمية تهدّد بحجب التدفق المالي لثروات الطمع الإمبريالي لدى هذه القلة، فيكاد العالم يصل إلى حافة صدام مشؤوم وحرب مدمّرة لن تكون الحربان العالميتان الأولى والثانية إلا مجرد نموذج لها.

إنّ الخوف من نتائج حرب محتملة بين الدّول العظمى ينطلق ابتداء مما انتهت إليه الحرب العالمية الثانية، أي تجربة قنبلتي هيروشيما وناغازاكي النوويتين. ونتيجة لهما، أحكمت الولايات المتحدة السيطرة على نطاق واسع في العالم. بعدهما بقليل، طوّر جهاز المخابرات الأميركية - السي أي إيه - نظام التواصل والتخابر الرقمي - الإنترنت، وما نجم عنه من تطورات هائلة وسريعة تستجمع المعلومات عن كل فرد عبر وسائطها، فيسهل التلاعب بالمجتمعات وبالبيئات الاجتماعية للبشرية، وباتت التقنية الجديدة والمتسارعة تراقب وتحرك عن بعد كلّ ما في الحضارة الحديثة، غير مكتفية بذلك، بل طارحة التلقيح الإلكتروني للأشخاص لمزيد من ضبط الأرض وهواجس الإمبريالي وأطماعه فيها.
في ظلّ هذا التطوّر التكنولوجي الهائل، ومن ضمنه النووي، يمكن لأيّ صدام أن يقضي على مئات الملايين من البشر في ساعات قليلة. رغم ذلك، لا تتردّد الولايات المتحدة الأميركية، وتحالفها الإمبريالي الغربي، في التحدّي ورفع التهديد بالحروب، وتمهّد له بشتى أنواع الأسلحة، وفي مقدمتها الحصارات الاقتصادية وخنق العالم بالدولار. 

أما السلاح الميكروبيولوجي، ورغم ما يقال عن أنه المدخل للعالم الجديد ما بعد كورونا، فما زال من المبكر إدراجه في هذا السياق بشكل قاطع.

تواجه حضارات العالم الشرقي التهديد الغربي بالحكمة والمرونة ونبذ الكراهية بين الشعوب والأمم، وترسل الرسائل المباشرة الداعية إلى التعاون الإنساني وتخفيف التوترات، ولا تتردّد في تقديم تنازلات من هنا وهناك، إرضاء لنزوات السيد المتوحّش، لعلَّها تتلافى الصدام ووقوع الحروب المدمّرة، رغم عقود الحروب الطويلة من دون توقّف، والتي ما انفكّت تتحمَّل أوزارها.

ولكن "السيد المتغطرس"، المتحكّم برقاب البشر منذ قرون، لا ترضيه التنازلات، ولا تعني له في شيء رسائل التعاون، ولا يريد لأحد سواه أن ينمو ويتطوّر، وذلك ما حقّقه في مختلف مخطّطاته السابقة وحروبه الاستعمارية وسيطرته بأنواع شتى من الأسلحة والتقنيات.

اليوم، وأمام ما يتهدّد البشرية من تهديد إمبريالي غربي، أميركي التمركز، بات العالم في ضمير كبار القادة العقلاء يحتاج إلى التعاضد والتكاتف، كل من موقعه وإيمانه وعقائده، لمواجهة الخطر الداهم.

نحن أمام روحانية الشرق الرافدية، المتكرسة في المسيحية والإسلام، من شرق المتوسط حتى طهران، مروراً بالضاحية، فدمشق وبغداد، وأمام الكونفوشيوسية الصينية المطعّمة بالاشتراكية الماوية، والروحانية الأرثوذكسية المتلاقحة باشتراكية روسيا، وإنسانية أميركا اللاتينية متجلّية في فكر كاسترو الاشتراكي ورفيقه تشي غيفارا، تتجسد في الإرث الكوبي، وفي طريق مادورو فنزويلا، وموراليس بوليفيا، وقادة آخرين. 

الخطر داهم، والسباق بين الاثنين متسارع، فمن يسبق؟ تيار الدمار الأميركي - الصهيوني الشامل أو تيارات الإنسانية الخلاقة في حال كسبها السباق؟ هل يمنع هذا الحشد "الإنساني" تحقيق لجوء الغرب المتصهين إلى تطبيق المفهوم الشمشوني: "عليَّ وعلى أعدائي يا رب"!؟ 
ربّ حكمة في هذا الحشد "الإنساني" ستمنع الخطر الداهم، وعلى أكتافه يقع إنقاذ البشرية من دمار محتمل!