الجهود العلمية في مكافحة كورونا.. لا داعي لليأس
إلى متى سنبقى مُنعزلين في بيوتنا ومُختبئين خلف كمّاماتنا وقلوبنا تنطوي حصرةً بما نسمع، نرى ونقرأ عن هذا الداء المستجد؟
الأمور سيّئة ولكنها ليست يائسة كما يراها البعض. عدد الوفيات في العالم بسبب الإنفلونزا الموسمية، يُقدّر بخمسمئة ألف وفاة سنوياً وهي أكثر من الوفيات التي سبّبها مرض كوفيد 19. رغم أن هذا الداء أسوأ من الزكام إلّا أن نسبة الشفاء منه عالية تقارب 98%. ونسبة العدوى به أقل من انتشار فيروس الإنفلونزا. يعود هذا إلى الاهتمام الشامل للوقاية من هذا الوباء الذي أصبح عالمياً.
كثير من الدول ربحت المعركة الفيروسية أو على وشك إعلان الانتصار على "كوفيد ـ 19" وبعكس فيروس الأنفلونزا، ربما من دون إعادة النظر بهذا النصر لأن البنية الوراثية لهذا الفيروس تُعتبر نوعاً ما ثابتة وأقل تغيّراً من طفرات فيروس الأنفلونزا الموسمي.
إن عدد الإصابات اليومية في فيروس كورونا المستجد لأغلبية دول العالم في تراجع مستمر. قريباً سنعود للعمل، قريباً سنشاهد المباريات الرياضية على شاشة التلفزيون أولاً وفي الملاعب ثانياً، قريباً ستصبح الحياة طبيعيّة في جميع أرجاء العالم.
كثير من الدول والمؤسّسات العلميّة، تعمل مُنفرِدة أو بمشاركة الجامعات أو بالتعاون مع شركات طبية خاصة، للبحث عن المضاد الحيوي أو لغايات تصنيع الجسم المُضاد (اللقاح).
لحد الآن لم نحصل على المضاد الحيوي الخاص بالكورونا المستجد. إن شركات صنع الأدوية بحاجة ماسّة إلى دراسات علميّة أوّلية للفيروس قبل بدء البحث عن المركّب الكيمائي الفعّال. إجمالاً تعمل هذه الأدوية على إبطال حدوث إحدى مراحل تكاثر الفيروس في خلايا الإنسان. وتبدأ هذه المراحل منذ لحظة التحام بروتين "إسبايك" الفيروسي مع مكمّله بالبروتينات المستقبلة على جدار الخلية، ثمّ يدخل الفيروس الخلية ويتكاثر بها قبل تمزيقها والخروج بالمئات منها. وبعد إثبات فاعلية الدواء يجب تجربته على المتطوّعين لتقييم سلامة استعماله.
الكثير من الشركات تعمل بهذا الخصوص، سواء كانت أميركية كشركة "جونسون أند جونسون" أو شركات هندية وصينية، وهنالك أيضاً شركات فرنسية وهولندية وخاصة ألمانية كمثل شركة" بوينتيك". في الوقت الراهن ولعدم وجود المضاد الخاص بـ"كوفيد 19"، تُستعمل، بعض الأوقات وفي بعض الأماكن، مضادات فيروسية استعملت لأمراض غير هذا الفيروس، كمركّب "رمدي سيفير" الذي تصنعه شركة "جيلياد" الأميركيّة والذي اُستعمِل مُسبقاً لعلاج مرض الإيبولا. ويوجد دواء مشابه لتركيبة هذا الدواء ويُدعى "بلاسيبو" وهو صناعة صينية. وأيضاً مركّب "فافيبيرافير" المعمول في اليابان حيث يستعمل عادةً لمعالجة الأنفلونزا. وهنالك أيضاً مَن يستعمل دواء ضد طُفيلي الملاريا (البلازموديوم) وهو المركّب الشهير الذي يُدعى "الهيدروكسيكلوروكين"، والأمثلة كثيرة.
أودّ أيضاً ان أذكُر ظاهرة مهمة إسمها العاصفة السيتوكينيّة: تعمل مادة السيتوكين التي تفرزها، طبيعياً وباتزان، بعض خلايا المناعة، على تنشيط الخلايا القاتلة للفيروس أو بتقديم مُحدّدات المستضدات إلى الخلايا اللامفوسيتية لتصنيع الجسم المضاد وإتمام عملية الاستجابة المناعية. وقد تبيّن مؤخراً أنه في حال إنتاج إضافي زائد عن حدّه من السيتوكينات بسبب الإصابة بهذا الفيروس، فقد يؤدّي إلى ارتفاع المستقبلات لبروتينات فايروس الكورونا المستجد الموجودة على غلاف الخلية البشرية. بهذه الوسيلة يتوغّل الفيروس في أحشاء المريض. ولحُسن الحظ هنالك دواء من صناعة أميركية يُستعمل عادةً لمرض التهاب المفاصل يُسمّى "توسيليزوماب". هذا الدواء إذا اُستعمل في الوقت المناسب، بعد قياس "الفرّيتين" بالدم، يقوم بإعادة إنتاج "السيتوكيناتباتزان"، ويتجنّب المُصاب دخول العناية المركّزة. لكن للأسف الحقنة مُكلِفة جداً.
في حال عدم وجود العلاج المناسب او اللقاح المُجدي، لم يبق لنا سوى أن نتجنّب العدوى ونبقى محجورين في بيوتنا، خاصة كبار السن وأصحاب الأمراض المزمنة، أو الحصول على مناعة القطيع. المقصود بذلك هو أن نترك أغلبية الناس تُصاب بالفيروس لكي يصنع جهاز المناعة الخاص بالمُصاب، الجسم المضاد بنفسه بدل من اللقاح، وبهذا يكوّنون حائطاً منيعاً لحماية المجتمع والحد من انتشار الفيروس بكثرة. لكن الكثير سيُفارِق الحياة وخاصة الذين يعانون من الأمراض المزمنة وكبار السن.
لحُسن الحظ، بدأت مئات المؤسّسات العالمية ومنذ زمن لعمل اللقاح المناسب. وكثير منها أعلن بداية النهاية والبدء بتجربة اللقاح على الإنسان للتأكّد من فعّاليته وعدم وجود ظواهر ثانوية مؤلمة. أودّ أن أذكر الشركة الأميركية "جونسون أند جونسون" وخاصة فرعها البلجيكي وتوظيفها لعقول بلجيكية، حيث أعلنت مؤخّراً أن اللقاح المناسب ضد الفيروس المُستجد سيتواجد في الأسواق بنهاية هذا العام أو بداية العام المقبل. وهنالك الشركات الألمانية مثل شركة "بوينتيك" التي في طريقها لإنتاج اللقاح باستعمالها للشريط الوراثي للفيروس. وأيضاً معهد باستور الفرنسي الشهير مستعملاً مزيج اللقاح الذي اُستعمل ضد فيروس الحصبة. وأودّ أن أذكر بعض الشركات التي قامت بأعمالٍ قيّمة في هذا المجال مثال الشركات الأميركية البيوتيكنولوجية "موديرنا" وشركة "بيوتيك أنوفيو" وأيضاً الشركة الصينية "سينوفاك"، ومعهد "شينزهين" للعلوم الطبيّة والمناعة.
وفي جامعة أوكسفورد البريطانية، هنالك طاقم علمي برئاسة باحث بلجيكي يُدعى الدكتور برينو هولتهوف حيث قام بدراسة أساسية لمراحل تكاثر الفيروس وبالأخصّ التصاق بروتين "إسبايك" للفيروس الكوروني المستجد بالمستقبلات البروتينية للخلية المضيفة. إنها لفكرة رائعة بأن يتم صنع لقاح ضد بروتينات الإلصاق حيث يقوم الجسم بعمل الأجسام المضادة الحيوية لمنع الفيروس من دخول الخلية وتدميرها. ولهذا اُستنسخ الجين الفيروسي لهذه البروتين بالاستعانة بفيروس "الأدينوفيريس". وقد أعطت الجامعة حق الاستثمار وصناعة اللقاح لشركة "أسترا زينيكا".
كما قامت جامعة بيتسبرغ الأميركية باختبارات مماثلة إذ استعملت بدلاً من مزيج اللقاح إبر ميكروسكوبية (400 إبرة) مصنوعة من بروتين "إسبايك" الفيروسي والموضوعة على شريط لاصق لجلد الإنسان. عند دخول البروتينات الفيروسيّة في الجسم يقوم جهاز المناعة بمقاومة هذا المحدّد المستجد وبصنع الأجسام المضادة له وبالتالي وكما ذكرت سابقاً يمنع الفيروس من دخول الخلّيّة.
وبالختام، رغم الانكماش النفسي والخوف المستمر إلّا أننا محظوظون بوجود الباحثين ومعرفتهم بهذا العدو المخفي ومحاربته بالعقل والتكنولوجيا. نحن محظوظون أيضاً بوجود العديد من المتطوّعين ليتم إجراء التجارب، لإيجاد العلاج أو اللقاح المناسب. وهنالك ايضاً العديد من الذين شفوا من المرض وهم الآن يتبرعون بدمائهم حيث يحتوي المصل على الجسم المضاد الفعّال للتخلّص من هذا الداء العصيّ.