نكسة جديدة وفلسطين هي الضّحيّة

عراب هذا الاتفاق هو رجل الأعمال الإسرائيلي الأميركي الملياردير حاييم صبان، وهو الصديق والشريك الاقتصادي المشترك لكل من صهر ترامب جاريد كوشنر وولي العهد محمد بن زايد.

  • الاتفاق الإسرائيلي الإماراتي هو الاتفاق الثالث بين دول عربية والكيان الإسرائيلي، والأول خليجياً
    الاتفاق الإسرائيلي الإماراتي هو الاتفاق الثالث بين دول عربية والكيان الإسرائيلي، والأول خليجياً

كثيرة هي العناوين والمقاربات التي تناولت اتفاق التطبيع بين الإمارات والكيان الإسرائيلي برعاية الولايات المتحدة الأميركية. هذه المقاربات انقسمت وفقاً للدول والقوى الفاعلة المنقسمة أساساً بين محورين متناقضين في المواقف والاصطفافات والاتجاهات السياسية.

المحور الأوَّل هو ما يوصف بالمحور المعتدل، الّذي يرى أنه لا يوجد أيّ سبب دينيّ لعدم وجود "إسرائيل" في المنطقة، وأن وجودها طبيعي، ولا بد من إقامة العلاقات معها، وفق تصريح ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في العام 2018 لمجلّة "ذي أتلانتيك". هذا المحور "اعتبر الاتفاق تاريخياً"، ورأى أنه "يمهّد لمرحلة استقرار وازدهار في المنطقة".

أما المحور الآخر الرافض لأيِّ علاقات مع الكيان الإسرائيلي، والرافض للتطبيع معها، فهو يرى أن الاتفاق "خيانة وخذلان" من قبل النظام الخليجي عموماً، وأنه يساعد في تقديم الهدايا المجانية للرئيس الأميركي دونالد ترامب، ومن خلفه رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، في حين أن هذا الاتفاق، وبالتوصيف والمقاربة الدقيقة والبعيدة عن التجاذبات السياسية، يمثل "نكبة" جديدة لتاريخ النظام السياسي العربي المعاصر، الذي يمكن وصفه بالنظام المهترئ المتخاذل، وهو يمثل نكبة جديدة لفلسطين وشعبها ولقضايا المنطقة، وخصوصاً في حالة التطرق إلى أهم النقاط التي يمكن ملاحظتها في اتفاق "ابراهام" الذي أعلنه الرئيس الأميركي وأكَّدته كل من الإمارات والكيان الإسرائيلي:

1- رغبة الرئيس الأميركي في تحسين تموضعه قبل الانتخابات المقبلة في تشرين الثاني/نوفمبر، من خلال استرضاء اللوبي الإسرائيلي من جهة، ومن جهة ثانية إطلاق اسم "ابراهام" عليه، وهو الرئيس الأميركي السادس عشر، والأول من الحزب الجمهوري، والذي يعتبر من الآباء المؤسّسين لأميركا، وكان الرئيس الذي حافظ على حالة الاتحاد، وألغى نظام العبودية العنصرية، وهذا هو الهدف الثاني لترامب، أي استرضاء الشارع الأميركي الغاضب من العنصرية الأميركية، فضلاً عن تداعيات كورونا وآثارها الاقتصادية المتردية، ورغبة إدارته في توجيه الرأي العام العالمي والداخلي إلى النتائج التي توصّلت إليها روسيا في إنتاج لقاح كورونا، الذي كان يمنّي النّفس في احتكاره.

2- رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو هو من أكثر المستفيدين من هذا الاتفاق، في ظلّ تنامي الغضب بين المستوطنين الإسرائيليين الذين طالبوا بقتله وتحميله مسؤولية تراجع الوضع الاقتصادي الناجم عن كورونا. هذا الاتفاق يحسن أيضاً تموضعه في المشهد السياسي المنقسم الذي من المحتمل أن يقود إلى انتخابات تشريعية رابعة، في ظل عدم التوافق مع ندّه الحكومي بيني غانتس، وهذه الخطوة بحد ذاتها تثبت زعامته لليكود وتقدمه كشخصية تاريخية مؤثرة في الكيان الإسرائيلي.

3- الاتفاق لا يلغي الضمّ بل يؤجله فقط، فالتجميد هو قرار مؤقت، وبالتالي الذريعة التي تحدثت عنها الإمارات بأن الاتفاق جاء لوقف الضم غير صحيحة، لأن من المؤكد أن ترامب ونتنياهو يريدان في هذا التوقيت ضمان تفردهما بالسلطة مرة جديدة، وسيعاودان استكمال "صفقة القرن" بعد ذلك، فضلاً عن أن تجميد قرار الضم لم يكن نتيجة هذا الاتفاق أو غيره، بل نتيجة خشية واشنطن وتل أبيب من رد فعل محور المقاومة.

4- الاتفاق الإسرائيلي الإماراتي هو الاتفاق الثالث بين دول عربية والكيان الإسرائيلي، والأول خليجياً، وهو يمهد لاتفاقيات متلاحقة في دول خليجية وغيرها، وهو ما دفع وزير الخارجية الإسرائيلي غابي أشكنازي إلى اعتباره ممراً أمام اتفاقيات مع دول أخرى. ومن المحتمل أن تكون البحرين هي الدول الثانية خليجياً، إلى جانب كل المغرب والسودان عربياً، وقد تكون في وقت قريب جداً، وبشكل يخدم السياسة الداخلية لترامب ونتنياهو في كسب الانتخابات ومواجهة الخصوم السياسيين، وبما يخدم تطبيق "صفقة القرن" التي تتطلَّب تطبيعاً سياسياً خليجياً إسرائيلياً.

5- هذا الاتفاق سيزيد من تأزم الوضع بين دول الخليج وإيران ومحور المقاومة، وخصوصاً إذا ما اتخذ الكيان الإسرائيلي من الأراضي الإماراتية نقطة انطلاق لاستهداف إيران أو العبث بأمنها، مستغلاً قضية الجزر الثلاث، فوَصْف وزير الأمن ورئيس الحكومة البديل، بيني غانتس، للاتفاق بأنه يعبر "عن الحلف بين دول المنطقة المعنية بالازدهار والاستقرار" هو جزء من مقاربة قسمها الآخر، هو لمواجهة دول محور المقاومة.

6- هذا الاتفاق ليس جديداً، فالعلاقات السياحية والتجارية والرياضية والأمنية والزيارات المتبادلة قائمة بين "إسرائيل" ودول الخليج، فمحمد بن زايد هو الذي قدّم نصيحة لولي العهد السعودي محمد بن سلمان في العام 2015 بأن أقرب طريق باتجاه البيت الأبيض وكسب ثقتهم ودعمهم يكون عبر تل أبيب. كما أن السفير الإماراتي في أميركا، يوسف العتيبة، نشر في حزيران/يونيو الماضي، وعبر صحيفة "يديعوت أحرونوت"، مقالاً يؤكد من خلاله وجود إمكانيات ضخمة لعلاقات أكثر دفئاً وتطوراً بين "دولة" الاحتلال الإسرائيلي والإمارات في حال تراجع الأولى عن قرار الضم.

7- عراب هذا الاتفاق هو رجل الأعمال الإسرائيلي الأميركي الملياردير حاييم صبان، وهو الصديق والشريك الاقتصادي المشترك لكل من صهر ترامب جاريد كوشنر وولي العهد محمد بن زايد.

8- لن يكون هذا الاتفاق الأخير، ولن يكون فقط مع دول الخليج، بل هناك من يؤيد هذه العلاقات في العراق ولبنان وسوريا، فزيارة 3 وفود حزبية عراقية للكيان الإسرائيلي في العام 2018 - بحسب إعلان الخارجية الإسرائيلية - جاءت بطلب من السعودية.

كما أنَّ القوى والأحزاب اللبنانية التي توظف أيّ تطور سياسي أو اقتصادي أو أمني لقطع العلاقات مع سوريا وإغلاق الحدود معها، هي من أشد المؤيّدين لفتح الحدود مع فلسطين المحتلة. أما في سوريا، فهناك قسد التي استقبلت عدداً من الوفود الإسرائيلي، ومن يطلقون على أنفسهم اسم "المعارضة" قدموا وعوداً لـ"إسرائيل" بالتطبيع مقابل تقديم المساعدة لهم، وهو ما يفسر التزام القيادة السورية في كل مناسبة برفض التطبيع والدفاع عن القضية المركزية، وكان آخرها رسالة الرئيس بشار الأسد أمام أعضاء مجلس الشعب للدورة التشريعية الثالثة، بأن فلسطين "باقية في قلب دمشق".

 

أنظمة عربية عدة، وبعد سنوات من التطبيع السري مع الاحتلال الإسرائيلي، تسير في ركب التطبيع العلني، برعاية كاملة من الولايات المتحدة الأميركية.