لقاح "كوفيد 19".. هل ينتهي الفيروس قريباً؟

في هذا المقال، ستجدون بعض التوضيحات العلمية للإجابة على سؤال عما إذا اللقاح سيحمي الجميع من الوباء أو الأغلبية فقط، وماذا عن الأعراض الجانبية على المديين القصير والبعيد؟

  • عينات من اختبارات فيروس كورونا (أ ف ب)
    عينات من اختبارات فيروس كورونا (أ ف ب)

هل ستحصل الإنسانية قريباً على لقاح فعّال يحمي من يتناوله، ولمدة طويلة، من وباء "كوفيد 19"؟ هل سيتم ذلك بعد تناول حقنة واحدة أو أكثر؟ وهل سيحمي اللقاح الجميع من الوباء أو الأغلبية فقط؟ وماذا عن الأعراض الجانبية على المدى القصير والبعيد؟

لا يمرّ يوم من دون أن أقرأ أو أسمع عن اللقاح الفعّال لاحتواء فيروس "كوفيد 19"، كالبدء بالمرحلة السريرية، كما أعلنت مؤخراً الكثير من المؤسّسات وشركات الأدوية العالمية، أو البدء بصناعة اللقاح وبداية استعماله. 

لنأخذ على سبيل المثال لقاح جامعة "أكسفورد" الشهير، وكيف تمت مراحل تجهيزه علمياً. لقد تعاطوا مع فيروس مسبب الزكام عند الشمبانزي، حيث عُدّل الفيروس أولاً كي لا يسبب الالتهابات، وأُضيف إلى بنيته الوراثية جزء من شريط الحمض النووي لفيروس كورونا المستجد المسؤول عن صناعة بروتين "سبايك"؛ الأداة الحاسمة التي يستخدمها لغزو خلايا الإنسان. 

إنّ اختيار بروتين "سبايك" كمحدد مستضد كان معتمداً على تجارب علمية صينية مسبقة أثبتت تجاوباً مناعياً عالياً عند الإنسان تجاه هذا البروتين. الهدف من هذه الخلطة البيولوجية هو أن يتعامل الجهاز المناعي البشري مع هذه التركيبة كفيروس تاجي، ويقوم بإنتاج الخلايا والأجسام المضادّة لمهاجمتها.

وقد جُرّب هذا اللقاح أولاً على الشمبانزي لتجنّب أيّ خسارة بشرية ناتجة من المواد المكونة للقاح، أو من عدوى الجرثومة المستعملة، أو أيّ مشكلة إضافيّة. والجدير بالذكر أنّ هناك أيضاً العديد من التجهيزات المختلفة لعمل اللقاح، مثل استعمال الجرثومة المخفّفة بأكملها أو قسم منها أو استعمال أحد البروتينات الفيروسيّة كمحدّد مستضد.

قبل بداية المرحلة الأخيرة من اختبار اللقاح وتجربته على الآلاف من الناس، لا بد من تبيان فاعليته وعدم تسببه بأعراض جانبية على بضع مئات من المتبرعين أولاً. بعد مرور وقت الحضانة، يبدأ البحث على مستوى الأجسام المضادة ضد هذا الفيروس التاجي، وأيضاً البحث عن الخلايا اللمفاوية التائية المختصة بفيروس كورونا المستجد. وقد كانت نتيجة هذا اللقاح الأكسفوردي جيدة.

كان القليل من المتبرعين بحاجة إلى حقنة إضافية ليحصلوا على استجابة فعالة لهذا اللقاح، وهذا يعني أن الأجهزة المناعية عند البشر لا تتجاوب بالمستوى والفاعلية نفسها. وربما سيحدث خلاف بخصوص سلامة المُلقّح أو الاستجابة المناعية للقاح بحسب الأعمار، كالأطفال أو كبار السن، ولدى المصابين بأمراض مزمنة، وربما أيضاً لدى الحوامل، ومن مجموعة عرقية إلى أخرى.  

وفي الوقت الذي يلي التلقيح التجريبي للآلاف من المتبرعين، والذي يُقدّر بشهور أو ربما سنوات، تظهر العوارض الجانبية عند المتطوعين. ولهذا، تُجرى لهم الفحوصات بانتظام، ويراقبون صحياً عن قرب، وأيضاً، وباستمرار، تُقاس معايير المناعة، وربما تُعطى لبعضهم حقن إضافية للحفاظ على مستوى هذه المناعة المكتسبة لمدة أطول. 

السؤال الذي يطرح نفسه: هل ننتظر أن يصاب الملقح بعدوى طبيعية بفيروس "كوفيد 10"، لنستنتج فعالية اللقاح وسلامته أو نختصر الوقت وننقل العدوى له عمداً وتحدّياً؟

المشكلة الكبرى التي ستواجه الباحثين عن اللقاح وفاعليته هي عدم وجود العلاج الفعّال والأكيد لمعالجة المتطوع المصاب إن لم يحمه اللقاح. هذا ما يُسمى بالمفهوم العلمي الطبي: نقص العلاج يثير مخاوف وقيماً أخلاقية قاسية لا يمكن تجاوزها. لهذا، ولعدم وجود العلاج الفعّال، إن العدوى المتعمدة لدى الحيوان الملقَّح بـ"كوفيد 19" المستجد لها أهميّتها، وإن لم نتمكَّن كلياً من نقل معايير التجارب ونتائجها من الحيوان إلى الإنسان، لكننا سنستنتج، ولو جزئياً، فعالية اللقاح، ليس فقط مخبرياً بقياسات معايير المناعة، بل في الجسم الحي المشابه للإنسان الذي سيقاوم العدوى إن كان اللقاح فعلاً فعالاً.

الحصول، وبسرعة، على اللقاح الفعال والسليم نسبياً، أجبر بعض الدول التي ينتشر فيها الوباء بكثرة على اختصار الوقت، مثل عدم إجراء التجارب اللقاحية السريرية على الصغار أو كبار السن أو المرضى والمعوقين، والاكتفاء بالأصحاء فقط ومن لم يتجاوزوا ستين عاماً، كما تبين في إنتاج اللقاح الروسي في مركز "جماليا"، والذي حمل اسم "سبوتنيك ـ في". 

سيؤدي هذا اللقاح، شرط أن يكون فعالاً نسبياً وقليل الأعراض الجانبية، إلى إعطاء الحماية للأغلبيّة الساحقة من المجتمع الروسي، وسيكوّنون مناعة جماعية تقلل من انتشار الفيروس، وتقلل العدوى عند أولئك الذين لم يتمكَّنوا من الحصول على اللقاح. 

في اعتقادي، إنّ الباحثين سيقومون لاحقاً باستكمال المرحلة التجريبية السريرية على ما تبقى من عناصر المجتمع، كالكبار والصغار والحوامل والمصابين بأمراض مزمنة وغيرهم أيضاً.

العديد من شركات الأدوية ستحصل على حقوق البراءات والابتكارات للقاح "كوفيد 19" المستجد، ليس فقط لإنتاجها اللقاح الآمن الفعّال، بل أيضاً لأنها معروفة ومدعومة عالمياً، رغم أنها أيضاً لم تتمكّن، ولضيق الوقت، من دراسة الأعراض الجانبية، وحتى فاعلية اللقاح على المدى البعيد، وسوف تكتفي بكتابة "عدم المسؤولية" بهذا الشأن على علبة الحقنة اللقاحية. 

مؤخراً، بيّن مقال نُشر في مجلة "نيتشر" وجود مناعة مشتركة بين المصابين بفيروس كورونا المستجد والذين أصيبوا بفيروسات كورونية أخرى غير مسببة للأمراض الخطيرة، وأيضاً مع مرض "كورونا السارس" الفتاك الذي اكتشف في بداية القرن الحالي. وهناك أيضاً تفاعل مناعي متبادل بين المصابين بفيروس "كوفيد 19" المستجد وأولئك المصابين بالفيروسات التي تحمل البروتين "أش" وا "أن". 

التجارب المخبرية للمناعة التي أُجريت لهم تُبين حمايتهم من وباء "كوفيد 19" المستجد غالباً من دون علمهم. وتبيّن التجارب أيضاً بقاء المناعة، ولمدة طويلة، عند الغالبية. هذا يزيدنا تفاؤلاً بنجاح العديد من اللقاحات التي ستنتج قريباً.

أعلنت منظمة الصحة العالمية في 31 كانون الأول/ديسمبر 2019 تسجيل إصابات بمرض الالتهاب الرئوي (كورونا) في مدينة ووهان الصينية، ولاحقاً بدأ الفيروس باجتياح البلاد مع تسجيل حالات عدة في دول أخرى حول العالم.