وقع المحظور فانهارت المبادئ
اتفاق الإمارات مع "إسرائيل" فتح الباب على مصراعيه لإنجاز المهمَّة الأقدس أمام المشروع المدعوم من قوى الاستعمار العالمي.
كان التّطبيع الإماراتيّ الإسرائيليّ متوقّعاً منذ زمن، فالأرضيّة هُيئت سابقاً، والاستعدادات أُجريت على أعلى المستويات، والترتيبات أُنجزت بأدقّ التفاصيل. كانت كلّ الدلائل تؤكّد الوصول إلى هذه النقطة، فالتّصريحات الإعلاميّة، والزيارات السرية والعلنية، والتعاون الأمنيّ، وشراء المنظومات التكنولوجيّة والأمنيّة المتطوّرة من "إسرائيل"، وزيارة الوفود الرياضية، إضافةً إلى لقاءات السّفراء السريّة والعلنيّة في واشنطن، كانت كلّها دلائل ناطقة لا مجال فيها للشكّ، ومن كان يعتقد بغير ذلك أو تفاجأ بالخطوة، فهو لا يعلم شيئاً عن الواقع الجديد الّذي تمّ التحضير له جيداً، وبعناية فائقة، وبإشراف خبراء العلاقات العامة والإعلان والاختصاصيين الاحترافيين في الهندسة البشريَّة، الَّذين وصلوا الليل بالنّهار لإنجاز المهمّة المقدّسة بالنّسبة إلى الصّهيونيّة العالميّة، التي من أهمّ أهدافها الاستراتيجيَّة سيطرة "إسرائيل" على المنطقة العربية بالكامل، ليس من خلال الجيوش والاحتلال فحسب، بل من خلال السّيطرة الأمنيّة والتكنولوجيّة والاقتصاديّة أيضاً، وهذا ما يحدث فعلاً.
إنَّ اتفاق الإمارات مع "إسرائيل" فتح الباب على مصراعيه لإنجاز المهمَّة الأقدس أمام هذا المشروع المدعوم من قوى الاستعمار العالمي، وهذا بالضبط هو الهدف الأسمى بالنسبة إلى "إسرائيل"، التي عملت لسنوات طويلة على استجلاب المواقف العربية إلى حضنها، بهدف جعل وجودها على أرض الشعب العربي الفلسطيني وجوداً قانونياً وطبيعياً، لتصبح في ما بعد البوابة والممر الذي يربط دول العالم، وخصوصاً الكبرى منها، بالدّول العربيّة.
ويبدو أنّ هذه الاستراتيجيَّة نجحت، ذلك أن مواقف الدول العربية المنقلبة على ذاتها ومبادئها تؤكد الأمر، فالاتفاق بين الإمارات و"إسرائيل" هو تجاوز لكلّ المبادئ الأخلاقية والإنسانية والقومية التي حافظ عليها كلّ قادة الدول العربية سابقاً، على الرغم من خلافاتهم وتبايناتهم التي وصلت حدّ الاقتتال، إلا أنَّ القضية الفلسطينية كانت على الدوام نقطة الالتقاء والاتفاق الوحيدة، والقضية التي يجرم المساس بها من أيّ طرف كان، ولكن المسَّ بها أصبح واقعاً الآن، فـ"إسرائيل" تعلن بالصَّوت المرتفع أنها استطاعت اختراق الموقف العربي، من خلال هذا الاتفاق واتفاقيات أخرى قادمة بينها وبين البحرين وعُمان والسودان، حتى يصل الأمر في النهاية إلى المملكة السعودية.
هذه الاتفاقيات تتجاوز كل ما تعارف عليه العالم العربي من مبادئ أساسية ارتكزت على مفهوم التضامن العربي، مقابل عدوانية "إسرائيل" المتواصلة على الأراضي والشعوب العربية، وهذا الواقع الجديد يجب أن نتعامل معه بعقلية واستراتيجية جديدة ومختلفة أيضاً، فمعالجة قضايانا بالعقلية نفسها التي اعتدناها منذ عشرات السنوات لن تحدث الاختراق المطلوب.
فما نحن بحاجة إليه الآن هو تفعيل كل الطاقات والإمكانيات الفلسطينية القادرة على إحداث الفارق، فالفلسطينيون متواجدون في كل أنحاء العالم، وهم وحدهم قادرون على فرض معادلة المصالح مقابل المصالح، والعالم الحديث لا يفهم لغة المبادئ.
لذا، علينا خلق جسم فلسطينيّ سياسيّ اقتصاديّ تكنولوجيّ ثقافيّ موحّد، يستطيع خلق تحالفات عالميّة قادرة على الحفاظ على حقّ الشّعب العربي الفلسطينيّ الثابت في أرضه.