هل أصبحت "الديموقراطية" الأميركية على حافة الموت فعلاً؟
المنطق يقول أن اللجوء إلى الطعن أمام المحكمة في نتائج الانتخابات يأتي بعد نهاية عمليات الفرز وإعلان النتائج النهائية، وليس خلال عمليات الفرز.
منذ أشهر كتب الصحافي الأميركي الشهير بول كرغمان، مقالاً نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" بعنوان "الديموقراطية الأميركية على حافة الموت" قال فيه "ماذا لو خسر ترامب؟ أنت تعرف ما سيفعله: سيدّعي أن فوز جو بايدن كان بسبب تزوير إرادة الناخبين، وأن الملايين من المهاجرين غير المصرّح لهم يدلون بأصواتهم أو شيء من هذا القبيل. هل يؤيد الحزب الجمهوري، وربما الأهم، فوكس نيوز رفضه قبول الواقع؟ ماذا تعتقد؟".
حقيقة، لم يجافِ بول كرغمان، الحقيقة فالرئيس دونالد ترامب، أثبت أنه رئيس مستبدّ لدولة تعتبر نفسها "رمزاً للحرية والديموقراطية و العدالة في العالم"، و تعطي "دروساً" في ذلك لباقي الدول للاقتداء بها و السير على نهجها.
خلال الاقتراع الرئاسي الحالي، قام ترامب بإعلان نفسه فائزاً في الانتخابات الرئاسية حتى قبل انتهاء عملية الفرز، في مجموع الولايات، وفي نفس الوقت تحدث عن عملية تزوير شابت العملية الانتخابية مهدداً باللجوء الى المحكمة لوقف عمليات الفرز.
المنطق يقول أن اللجوء إلى الطعن أمام المحكمة في نتائج الانتخابات يأتي بعد نهاية عمليات الفرز وإعلان النتائج النهائية، وليس خلال عمليات الفرز لأنه في هذه الحالة، لا يعني إلا شيئاً واحداً، أن ترامب يمارس سياسة الترهيب في حق حكّام الولايات لدفعهم الى إعلان النتائج بشكل عشوائي حتى قبل الانتهاء من عمليات فرز الأصوات حتى يستغلها لصالحه.
فإذا كان ترامب واثقاً من نفسه الى الحد الذي يجعله يعلن عن نفسه فائزاً في الانتخابات فلماذا يتحدث عن التزوير وكأن الولايات المتحدة الأميركية إحدى دول العالم الثالث حيث يكثر اللّغط عن عمليات التزوير بين المعارضة و الأنظمة الحاكمة؟
ربما يدرك ترامب أن الهزيمة محيقة به لا محالة، لذا قرر خلط الأوراق، ففي تصريحات سابقة على قناة "فوكس نيوز" الأميركية و المقرّبة من المحافظين الجدد، صرح أنه لن يقبل بالهزيمة الا إذا رآها، لأنه لا يحب الخسارة وهو ليس بخاسر جيد و نادراً ما يخسر. وهنا، يذكرنا ترامب بتصريحات مماثلة خلال حملته السابقة عام 2016 أمام وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون، عندما قال إنه لن يقبل بنتائج الانتخابات الا إذا فاز بها هو.
السياسات الخاطئة التي انتهجها دونالد ترامب، في تدبيره لجائحة كورونا "كوفيد 19" برفضه تطبيق إجراءات الحجر الصحي، متجاهلاً نصائح خبير الأوبئة أنتوني فاوتشي، علاوةً على نصائحه المضحكة بخصوص طرق علاجها التي نصح بها المواطنين، والتي جرت عليها سخرية الرأي العام الأميركي و حتى العالمي، فضلاً عن تصريحاته تجاه المواطنين السود و المهاجرين بالإضافة الى الأزمة الاقتصادية التي أصبحت تعاني منها الولايات المتحدة الاميركية.
و إذا كان حقاً ما يدّعيه ترامب من وجود تزوير في الانتخابات، فهذا يعني أن النظام السياسي الأميركي أصبح هشاً، وأن المؤسسات السياسية بها أعطاب تتطلب تدخّل المشرعين الأميركيين للوقوف على مكامن الخلل بغرض إصلاحها، قبل فوات الأوان، لأنه إذا استمرت الأمور بهذا الشكل فمسألة تزوير الانتخابات ستصبح أمراً شائعاً في الانتخابات الأميركية، ما يفقدها مصداقيتها، و بالتالي ويساهم في إفراغها من قيمتها.
تصرفات ترامب هذه، قد تُحدث مزيداً من الشرخ في المجتمع الأميركي ما يهدد وحدته، خصوصاً و أن الأحداث التي أعقبت مقتل المواطن الأميركي ذي الأصل الأفريقي و آخرين، أظهرت مدى الانقسام الذي بات يعانيه هذا المجتمع، ولا يستبعد أن يُفضي إلى اقتتال داخلي بين أبناء الأمة الأميركية. و هو ما تخشاه جل الأوساط الأميركية لاعتبارات شتى.
ختاماً، إن سلوكيات ترامب و ممارساته، تشكل خطراً على "الديموقراطية" الأميركية التي ظلت أمريكا لعقود طويلة تتباهى بها أمام العالم، فهل سيشهد العالم في المستقبل القريب موت الديموقراطية الأميركية؟ الجواب في قادم الأيام.