الصراع في القوقاز الذي ينتظر الحل منذ 30 عاماً

إنها منطقة حساسة تمرّ فيها خطوط أنابيب النفط والغاز الدولية على خلفية الانقسام السياسي والفوضى في أذربيجان في أوائل التسعينيات.

  • أرمينيا التي احتلت واحتفظت بسبع مناطق حول ناغورنو كاراباخ كـ
    أرمينيا التي احتلت واحتفظت بسبع مناطق حول ناغورنو كاراباخ كـ "منطقة عازلة" لأكثر من 27 عاماً، ترفض فقدان هذه الأراضي

وقّع قادة روسيا وأذربيجان وأرمينيا اتفاقاً لوقف الأعمال القتالية في إقليم ناغورنو كاراباخ، أمس الاثنين، وذلك بعد معارك استمرت منذ 27 أيلول/سبتمبرعام 2020، حيث قامت القوات الأذربيجانية بتحرير أربع محافظات محتلة في غضون شهر واحد.

وكان وقفُ إطلاق النار أُعلن في 10 و18 تشرين الأول/أكتوبر بإصرارٍ من موسكو ومن ثمّ في 26 تشرين الأول/أكتوبر بناءً على إصرار واشنطن، لم يصمد طويلاً نتيجة انتهاك وقف إطلاق النار من قبل القوات الأرمينية؛ أرمينيا التي احتلت واحتفظت بسبع مناطق حول ناغورنو كاراباخ كـ "منطقة عازلة" لأكثر من 27 عاماً، ترفض فقدان هذه الأراضي.

الاحتلال والمفاوضات غير المثمرة التي استمرت 30 عاماً

قالت الحكومة الأذربيجانية إن وقف إطلاق النار، الساري منذ 1994، قد تغيّر وأنه يجب استئناف المحادثات في ظلّ ظروف جديدة بعد تحرير الأراضي المحتلة. تطالب باكو بتنفيذ أربعة قرارات صادرة عن الأمم المتحدة عام 1993 . تطالب هذه القرارات القوات الأرمينية بإخلاء الأراضي المحتلة حول ناغورنو كاراباخ. لكن خلال المحادثات الجارية، لم تمتثل يريفان لهذه القرارات. لهذا السبب، لم يكن وقف إطلاق النار مستمراً، خاصة عامي 2014 و 2016 حيث اشتدّ القتال عنفاً فى الجبهة.

في صيف 2020، تسبّب مجيء رئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان الى كاراباخ ودخوله فى مراسم أداء اليمين لزعيم نظام ناغورنو كاراباخ الإنفصالي في مدينة شوشا الأذربيجانية المحتلة وإعلانه أن ناغورنو كاراباخ تنتمي إلى أرمينيا، بإشعال غضب باكو. ومن ثمّ أدّت العمليات العسكرية في توفوز في شهر تموز/ يوليو من العام الجاري إلى توتر عسكري آخر في ناغورنو كاراباخ في أيلول/سبتمبر وهجوم مضاد للجيش الأذربيجاني.

إنها منطقة حساسة تمرّ فيها خطوط أنابيب النفط والغاز الدولية على خلفية الانقسام السياسي والفوضى في أذربيجان في أوائل التسعينيات، تمكنت الجماعات الأرمينية المجهزة عسكرياً من احتلال ناغورنو كاراباخ والمناطق السبع المحيطة بها بدعم من روسيا (كانت حكومة أذربيجان آنذاك مناهضة لروسيا)

ما مدى صحة الادعاء بوجود مرتزقة سوريين في القوقاز؟

ومع ذلك، في السنوات التالية أصبحت أذربيجان أقوى وزادت عائدات النفط وأنشأت الحكومة جيشاً حديثاً من خلال شراء كميات كبيرة من الأسلحة من روسيا وإسرائيل وتركيا. الآن، من المستحيل على القوات الأرمينية أن تصمد أمام هذا الجيش لفترة طويلة. لهذا السبب، تواصل فرنسا وروسيا والولايات المتحدة الضغط على باكو لفرض وقف إطلاق النار على أذربيجان.

تحاول الحكومة الأرمنية التستر على ضعفها في الجبهة بالعامل التركي. بالطبع، تدرك أرمينيا جيداً أن العلاقات بين البعض فى الشرق الأوسط وعدد من الدول الأوروبية وبين تركيا باردة. في الوقت نفسه، تحاول الحصول على دعم من الدول المتنافسة مع تركيا، مؤكدين على حقيقة أن تركيا لديها علاقات وثيقة مع أذربيجان.ورغم ذلك، فمن الخطأ أن نرى أذربيجان فقط كدولة تحت تأثير تركيا. على وجه الخصوص، يُزعم أن الجهاديين في سوريا تم إحضارهم إلى أذربيجان عبر تركيا، ولم يتمكن الجانب الأرمني حتى الآن من تقديم أي دليل جاد في هذا الصدد.

أعلنت القيادة الأذربيجانية رسمياً أنه لا داعي لجلب المرتزقة من الخارج ويكفي عدد الأفراد العسكريين الحاليين وقدراتهم القتالية. وفقاً لتقرير "جلوبال فاى بوير" عام 2020، يبلغ عدد المواطنين المؤهل للخدمة في أذربيجان 3.7 مليون فرد. الحكومة لديها القدرة حالياً على حشد أكثر من 420،000 جندي في البلاد. بالإضافة إلى أن عدداً كبيراً من هذه القوات من جنود وضباط الاحتياط تلقوا تدريبات قتالية وخدموا في منطقة العمليات العسكرية وبعضهم شارك في عمليات عسكرية في السنوات الأخيرة. إذن فالدولة التي لديها نصف مليون جندي احتياطي، لا تجلب عناصر متطرفة من سوريا و براتب شهري قدره 1800 دولار.

ثانيًا، أذربيجان بلد علماني، وموقف الحكومة تجاه المسلحين الإسلاميين ليس جيداً. تم اعتقال المئات من الجهاديين الذين قاتلوا في العراق وسوريا لدى عودتهم إلى باكو.

تركيا ليست الدولة الوحيدة التي تدعم أذربيجان

على الرغم من أن عامل القرابة بين تركيا وأذربيجان يعود إلى قرابتهما العرقية والتاريخية، إلا أن أنقرة لها مصالح حالية في أذربيجان. تدخل جميع ممرات الطاقة من أذربيجان إلى السوق العالمية عبر تركيا. في نفس الوقت، باكو هي باب أنقرة لآسيا الوسطى.

ومع ذلك، ليست تركيا وحدها هي التي تدعم أذربيجان. ولم يلُم الرئيس الروسي أذربيجان في أي من خطاباته على النزاع القائم ولم ينتقد باكو بشدة. بل على العكس من ذلك، قال في خطابه الأخير إن باكو ويريفان تربطهما علاقات ودية ووثيقة على حدّ سواء. إذا لم تكن روسيا محایداً في هذا الصراع، فقد يكون الوضع في أرمينيا اليوم مختلفاً.

العامل الإيراني: على الرغم من أن إيران حذرة بشأن تركيا و لديها علاقات جيدة مع أرمينيا، إلا أن الحكومة الإيرانية استمرت بعد الحرب في دعم أذربيجان نتيجة الضغط الذى بدأه حوالي 30 مليون من الأذربيجانيين الذين يعيشون في البلاد.

المملكة العربية السعودية: في الوقت نفسه أصدرت الوزارة الخارجية السعودية ومجلس التعاون لدول الخليج العربية بياناً رسمياً في الأيام الأولى للحرب، يدعم فيه تسوية النزاع على أساس قرارات مجلس الأمن الدولي ووحدة أراضي أذربيجان. أكّدت منظمة التعاون الإسلامي التي تتأثر من بالمملكة العربية السعودية، إنها تدعم نضال أذربيجان من أجل العدالة وتدين أيضاً الهجمات الصاروخية على المدن الأذربيجانية التي أسفرت عن مقتل أكثر من 90 مدنياً وإصابة أكثر من 400.

أذربيجان والعالم الإسلامي

نالت أذربيجان استقلالها مع انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991 وتطوّرت الجمهورية الفتيّة اقتصادياً وسياسياً على الرغم من الظروف الصعبة التي أسفرت عنها الحرب و الاحتلال. تولي باكو أهمية خاصة للتعاون مع الدول الإسلامية. أُقيمت الدورة الرابعة للألعاب الإسلامية في باكو عام 2017، كما عُقد مؤتمر لدعم فلسطين في باكو، ودعمت الحكومة الأذربيجانية فلسطين في حل الصراع الفلسطيني على منصات و مستويات مختلفة.

في الوقت نفسه، لم تتدخل أذربيجان أبداً في الشؤون الداخلية للدول العربية، وحاولت دائماً الحفاظ على علاقات جيدة مع الدول العربية الإسلامية.

تتمتع الحكومة الأذربيجانية بسمعة جيدة في حركة عدم الانحياز التي تترأسها باكو حالياً. لهذا السبب، رفض أعضاء حركة عدم الانحياز القرار ضد أذربيجان والذي طُرح للتصويت في مجلس الأمن الدولي الأسبوع الماضي بناءً على اقتراحٍ من الولايات المتحدة وفرنسا وروسيا.

أذربيجان بلدٌ متعدد الثقافات يعيش فيه 96٪ من السكان المسلمين والجاليات اليهودية والمسيحية القديمة. لا فرق بين المذاهب والطوائف الدينية. تبذل أذربيجان كل ما في وسعها للمطالبة بتحرير أراضيها التي كانت ترزح تحت الاحتلال منذ ما يقارب  30 عاماً وتعترف بها قرارات الأمم المتحدة. هذا يدل على أن أذربيجان محقّة. الأرمن الذين تمّ جلبهم من المناطق الخاضعة للسيطرة العثمانية وإيران في السنوات الـ 200 الماضية وتمّ توطينهم في ناغورنو كاراباخ أسسوا دولة أرمنية في الأراضي التاريخية لأذربيجان في بداية القرن الماضي. وفي عام 1991 حاولوا إنشاء دولة ثانية بمساعدة الشتات الأرمن في الخارج والمنظمات الأرمينية مثل آصالا. لم يفعل الرؤساء المشاركون لمجموعة مينسك التابعة لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا شيئاً، لاسيما الولايات المتحدة، روسيا وفرنسا الذين وعدوا بإنهاء الحرب من خلال وقف إطلاق النار وإطلاق محادثات السلام، لكنهم لم يفعلوا شيئاً يُذكر. لم تتعرض أرمينيا لضغوط لمغادرة الأراضي المحتلة. أُجبرت أذربيجان وهي الدولة الإسلامية الوحيدة في القوقاز على التصالح مع الاحتلال، لكن المجتمع الأذربيجاني لا يريد المصالحة. لهذا السبب يدعم الشعب الآن الحكومة التي دخلت الحرب بدعم منه.