المساعدات الإنسانية لليمن بين العدوان الدولي والخداع الأممي
إن ما يُثير التساؤل والسخرية هو أنه في الوقت الذي كان ينتظر اليمن وصول كميات من المساعدات لمواجهة وباء كورونا، وصل بدلاً عنها كميات من المساعدات الخاصة بوباء الكوليرا الذي تمّ تجاوزه.
لخّص الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، أزمة اليمن الإنسانية قائلاً "الوضع في اليمن هو أسوأ أزمة إنسانية في العالم"، فيما قال مساعد الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية مارك لوكوك، إن "اليمن يحتاج إلى قرنٍ من الزمن لمعالجة أزمته الإنسانية"؛ أما رئيس برنامج الغذاء العالمي بيسلي، فقد انتقد تقصير المجتمع الدولي حيال الوضع الإنساني قائلاً "اليمن على شفا كارثة ويجب على البشرية أن تخجل من نفسها"، وغيرها من التصريحات والتقارير والمؤتمرات الدولية التي لَّا تُسْمِنُ ولَا تُغْنِى من جُوعٍ ، فالمعاناة الإنسانية للشعب اليمني العزيز مستمرة، فيما يستمر الخداع الأُممي مُجسداً المثل العربي القائل "أسمع جعجعة، ولا أرى طحين".
رغم الإجماع الدولي بأن اليمن يشهد أسوأ كارثة إنسانية في العالم، إلا أن حجم الاهتمام الدولي لايزال ضعيفاً ولايُلبي الحد الأدنى من الاحتياجات الإنسانية، ومايؤكد ذلك هو تقارير خطط الاستجابة الإنسانية للأمم المتحدة في اليمن، فعلى مدار خمس سنوات (2016-2020) بلغ إجمالي تعهدات المانحين الدوليين لمساعدة اليمن 14,46 مليار دولار، ولكن لم يُدفع منها سوى 9.50 مليار دولار ،وكانت حصّة اليمن الفعلية من هذا المبلغ مساعدات بقيمة 6.87 مليار دولار أي ما نسبتُه (47.5%) بالمائة، فيما بلغت حصّة المنظمات الدولية العاملة في المجال الإنساني في اليمن مبلغ 2,63 مليار دولار ما نسبتُه (25%) بالمائة من إجمالي قيمة المِنح المدفوعة، صُرفت في العمليات اللوجستية التي تشمل النقل جواً وبراً و بحراً، وتوفير المخازن للمساعدات في دبي وجيبوتي واليمن، بالإضافة إلى النفقات التشغيلية للمنظمات بما فيها الرواتب العالية لما يُسمى خبراء أجانب.
هذه المعطيات تؤكد التنصّل الدولي والأممي من مسؤواياته في التعاطي مع الأزمة الإنسانية لليمن التي تَسبّب بها العدوان والحصار السعودي - الأميركي ،فيما حصلت دول صغيرة ومستقرة وأقل سكاناً من اليمن على مساعدات أكبر خلال الفترة المشار إليها ذاتها، فالأردن على سبيل المثال، تلقّى خلال الفترة الممتدة بين (2016-2020) منح مساعدات مختلفة بقيمة تجاوزت 13 مليار دولار، وهذا يؤكد أن الدوافع الأساسية لتقديم المساعدات يتجاوز التعاطف والقيم الإنسانية ليُكرس المصالح السياسية والإقتصادية والثقافية والعسكرية، فيما يُشكل الإلتزام الأخلاقي مجرد غطاء تُغلَّف به تلك المصالح، فالمصالح الدولية والأجندات السياسية، بما فيها الضغوط التي يُمارسها تحالف العدوان، أثرت سلباً على جهود المجتمع الدولي وما يقدمه من مساعدات لمواجهة الأزمة الإنسانية في اليمن.
جدوى المساعدات الأممية
البيانات والإحصائيات للخطط الأممية للاستجابة الإنسانية في اليمن تُوضح الضعف الكبير في عملية تمويل المساعدات خصوصاً في المجالات الحيوية كالأمن الغذائي والنازحين والصحة، فعلى سبيل المثال هناك نزوح داخلي لقرابة 4 مليون يمني، ومع ذلك، لم يُشكل هذا النزوح عبئاً إضافياً مباشراً على المجتمع الدولي من خلال عدم تحوّله إلى مشكلة لاجئين في الخارج، كما هو حاصل في بعض الدول التي تُعاني من الحروب.
وساهم الموروث الثقافي، والإرتباط الروحي لليمنيين بأرضهم في تقليص أعداد اللاجئين إلى الخارج بشكل كبير، حيث تؤكد بيانات المفوضية السامية للأمم المتحدة للاجئين بأن اليمن لايزال خارج نطاق أكبر عملياتها التي تشمل دولاً مثل السودان والأردن والعراق وسوريا.
ورغم أن مشكلة التمويل تشكّل عاملاً رئيسياً يحد في فاعلية المساعدات الإنسانية المقدّمة لليمن، إلا أن هناك عوامل أخرى تواجه عمل المنظمات الدولية الإنسانية، مثل صعوبة الوصول إلى بعض المناطق نتيجة تدمير تحالف العدوان عدد من الطرق والجسور التي تربط المدن، وعرقلته دخول سفن المساعدات عبر ميناء الحديدة، منها شحنات الأدوية التي قد تتلف بسبب فترة صلاحيتها المحدودة إذ يصل البعض منها مُنتهي الصلاحية أو يشارف على الإنتهاء ولايُمكن وضعها ضمن خطط التوزيع لأنها قد تصل للمستفيد النهائي غير صالحة للإستخدام.
كما ان العديد من المنظمات الأممية تفتقر إلى القدرات اللوجستية، وتعتمد على خبراء أجانب في عملية تصميم وإدارة المساعدات دون خبرة أو إعتبار لطبيعة البيئة المحلية وخصائصها وتعقيداتها المختلفة. أضف على ذلك، وجود بعض مظاهر الفساد المالي والإدري التي كَشف جزء منها موقع "أسوشييتد برس" (AP) في تقرير نشره في آب/أغسطس 2019 حول فساد المنظمات التابعة للأمم المتحدة العاملة في المجال الإنساني في اليمن راصداً عدداً من المخالفات المالية والإدارية، مما يسلّط الضوء على القصور في عمليات الرقابة.
وعلى المستوى الرسمي، رغم الجهود الطيبة التي تقوم بها حكومة صنعاء من خلال المجلس الأعلى لإدارة وتنسيق الشؤون الإنسانية، لايزال هناك عوامل تحدّ من فاعلية المساعدات، منها ضعف العمل المؤسسي والرؤية الشاملة للتعامل مع المساعدات، وضعف الثقة المتبادلة والتنسيق والتعاون بين الجهات المعنية والمنظمات، بالإضافة إلى غياب قاعدة بيانات متكاملة ونظام متطور لإدارة المساعدات، وإفتقار الكوادر إلى التخصّص والتأهيل في مجال المساعدات. ومع ذلك، نأمل أن يكون ما قام به مؤخراً المجلس الأعلى للشؤون الإنسانية من إقرارٍ لآلية التعامل مع المنظمات بدايةً لمرحلة جديدة تُسهم في تفعيل المساعدات، و ضبط أداء المنظمات.
من يستحق جائزة نوبل ؟
العام 2020 هو الأسوأ من حيث حجم المساعدات الإنسانية المقدّمة لليمن. ومن المتوقع أن لا يتجاوز إجمالي تمويل المانحين مبلغ مليار دولار حتى نهاية العام الحالي، فجائحة كورونا التي استنفرت لمواجهتها كل دول العالم مثال آخر على تخلّي المجتمع الدولي عن مسؤولياته تجاه اليمن. انشغلت الدول بإجراءات وتدابير قُطرية قاصرة، إفتقرت لأليات مشتركة لمواجهة هذا الوباء العابر للحدود، فيما تُرك اليمن وحيداً لمواجهة هذا الوباء دون تقديم يد العون عدا عن بعض المساعدات الأممية الرمزية، ولوحظ أن العديد من الموظفين الأممين تركوا عملهم الإنساني وغادرو اليمن خوفاً من الإصابة بالفيروس.
إن ما يُثير التساؤل والسخرية هو أنه في الوقت الذي كان ينتظر اليمن وصول كميات من المساعدات لمواجهة وباء كورونا، وصل بدلاً عنها كميات من المساعدات الخاصة بوباء الكوليرا الذي تمّ تجاوزه، حيث كانت هذه الكميات مُخزّنة طوال الفترة الماضية في مخازن منظمة الصحة العالمية في دبي، ولم تُرسَل وقت الحاجة، والأدْهَى والأمَرُّ من ذلك هو السقوط الأخلاقي والصمت الأممي تجاه جرائم تحالف العدوان وإستمراره في الاحتجاز التعسفي لسفن المشتقات النفطية الحاصلة على تراخيص أممية من أجل تعطيل ما تبقّى من خدمات القطاع الصحي الذي يعتمد على مادة الديزل.
ماسبق ذكره هي معطيات تستوجب اللّوم والنقد للأمم المتحدة لا تكريمها، فالجوائز تُمنح لمن يتفانى ويتميز في ما يُقدمه من جهود تخدم الإنسانية، وفق معايير موضوعية غير مُسيسة. فمن المفارقة أن يُمنح برنامج الغذاء العالمي جائزة نوبل تقديراً لجهوده في مكافحة الجوع في عدد من الدول منها اليمن الذي زُجّ باسمه وهو لا ناقة له ولا جمل، فما يقوم به برنامج الغذاء في اليمن من جهود لاتزال في حدّها الأدنى.
لقد سبق أن رفضت الجهات المعنية العديد من شُحنات المساعدات المقدَّمة من برنامج الغذاء كونها غير صالحة للاستخدام، وقامت بإتلاف كميات كبيرة من المساعدات الغذائية نتيجة انتهاء صلاحيتها، أو سوء تخزينها، وتم مخاطبة الأمم المتحدة بشأن هذه المخالفات.
أضف إلى ذلك القرار الذي اتخذه برنامج الغذاء في شهر نيسان/أبريل الماضي بقطع نصف المساعدات الإنسانية الممنوحة للمناطق التي تُديرها حكومة صنعاء بحُجة وجود أزمة في التمويل، فيما حقيقة القرار أنهُ جاء كردّ فعلٍ ومحاولة ضغطٍ على حكومة صنعاء التي رفضت تحكُّم البرنامج بنظام القياسات الحيوية عبر البصمة والبيانات للمستفيدين من المساعدات كونه موضوع مرتبط بالأمن القومي.
إذا كانت المعايير المزدوجة لمنح جائزة نوبل لاتنطبق على المواطن اليمني العظيم الصامد في وجه العدوان والحصار، والمرابط على جبهات العزة والشرف، والمحتسب فيما يتعرض له من ظلم وأذى، فهو يستحق وبجدارة كل الجوائز والأوسمة الإنسانية تتويجاً لكل بطولاته وإنتصاراته التي ستُخلّدها الأجيال.
ختاماً، لاشك أن آلاف السنين من التاريخ والحضارة لليمن تشهد بتراكم ثقافة السلام لديه حتى استحق لقب اليمن السعيد، ولذا فالمساعدات الإنسانية ليست غاية المطلب لشعب يتطلع للسلام، وتحمُل المجتمع الدولي لمسؤولياته من خلال مواقف دولية تضغط على تحالف العدوان لإيقاف عدوانه وحصاره، من أجل استئناف عملية المفاوضات وصولاً للسلام العادل والمُشرف .