لاءات ملتقى الحوار اللّيبي في تونس (مَلَكيّة- فيدرالية- جماهيرية)
تبقى مشكلة النفط لغزاً حيّر اللّيبيين والعالم، فلا شك أن الجميع بحاجة ماسّة إلى عقد أكثر من جلسة حوارٍ وطنيٍّ حول التوزيع العادل للإيرادات النفطية في ليبيا، لأن هذه المسألة تمثّل أحد العوامل الرئيسية للأزمة.
البدايات تأتي مع بحث أستاذ التاريخ صلاح الدين السوري، مبكّراً في الفيدرالية، وهو الذي عاصر شاباً وتابع باحثاً التوجهات الوطنية نحو الاستقلال وتكوين الدولة الحديثة في ليبيا (1947 – 1952). فسبق أن كتب أربع حلقات، عن الكيانات الذاتية الثلاثة التي تُكوِّنُ مجتمعات البلاد الليبية والتي نالت استقلالها بقرار أمميّ مُثْبِتًا في نصّه كلاً منها بالإسم.. ونبّه إلى حقيقةٍ تاريخيةٍ وهي دخول برقة الاتحاد متردّدة، خوفاً من أن تتضرّر بالأغلبية الطرابلسية، راهنةً دخولها بشروط ثلاث: إمارة السيّد إدريس السّنوسي ونظام اتحادي فدرالي وأن تكون بنغازي عاصمة الدولة. قبِلت طرابلس الغرب بالشّرطين الأوّلين.. ومع كل ذلك ظلّ الشعور بالتهميش قائماً في برقة، رغم استقرار المَلِك وهو من كان يعيّن رؤساء الحكومات نهائياً في طبرق، ويسّير أعمال الحكومة وافتتاح الدورة البرلمانية في البيضاء.
وسط هذه السرديّة التاريخيّة المختصرة، جاء ملتقى الحوار اللّيبي كحلٍّ للأزمة الليبية تحت شعار.. لا يمكن إلا أن يكون "ليبيّاً ليبيّاً". بعض ما جاء في كلمة الرئيس التونسي "قيس سعيد"، إن "الحلّ في ليبيا، يتمثّل باستعادة الشعب اللّيبي سيادته الكاملة على كل أراضيه"، مؤكّداً أن "لا مجال للوصاية على الشعب اللّيبي، تحت أي شكل أو أي عنوان".
هنا نظرت رئيسة بعثة الأمم المتّحدة للدعم في ليبيا بالإنابة "ستيفاني وليامز" بكثير من التفاؤل إلى مفاوضات التاسع من نوفمبر/ تشرين الثاني 2020. وجاء تفاؤلها إثر تفاهمٍ توصلت إليه أطراف النزاع الثلاثاء الماضي في مدينة غدامس اللّيبية. وهذا التفاهم من شأنه تطبيق وقف إطلاق النار الذي تمّ التوصّل إليه في محادثات جنيف في "23 أكتوبر/ تشرين الأول". والاستعداد المعلن عنه هناك من أجل وقف صوت المدافع، فاستئناف الحوار يأتي استناداً إلى قرار مجلس الأمن رقم 2510 لسنة 2020 الذي تبنى نتائج مؤتمر برلين بشأن ليبيا في 19 كانون ثاني/ يناير الماضي. وقالت وليامز للصحافيين في تونس "إنها فرصةٌ فريدةٌ. لقد تم إحراز تقدّمٍ كبير". كذلك، فالأمين العام للأمم المتحدة "أنطونيو غوتريش" سبق أن نوّه بالعملية "كخطوة أساسية نحو السلام والاستقرار". ويُراد الآن التقدم خطوةً إضافيةً في تونس..وتهدف المحادثات في تونس التي يشارك فيها العديد من ممثّلي المجتمع المدني اللّيبي إلى تشكيل حكومة وحدةٍ وطنيةٍ جديدة، تليها انتخابات رئاسية وبرلمانية.
الواقع أن الحوار يأتي بعد فترة هدوءٍ نسبيٍّ دامت أشهراً في البلاد الغارقة في الفوضى منذ الإطاحة بالقذافي عام 2011، وإن شكّل الاجتماع تقدّماً على خط إنهاء الأزمة السياسية المستمرة منذ سنوات. وترمي المحادثات السياسية التي تندرج في إطار عملية متعدّدة المسارات تشمل المفاوضات العسكرية والاقتصادية، إلى توحيد البلاد تحت سلطة حكومة واحدة وتمهيد الطريق أمام إجراء انتخابات.
هي خطوات نحو السلام، فمجرد عقد المؤتمر، سيصنّفه ويليامس "نجاحاً كبيراً"، كما قال توماس فولك، مدير برنامج الحوار لجنوب البحر المتوسط لدى مؤسسة كونراد أدناور في تونس. "إن حضور مختلف الفاعلين حول طاولة واحدة يُعدُّ عملاً جباراً. كما أنه مرحبٌ بأن يواصل المؤتمر العمل بالمبدأ المعلن في مؤتمر ليبيا في برلين للتطرّق إلى جانب الملامح الاقتصادية والعسكرية والجوانب السياسية".
أطراف النزاع اللّيبي تتلقى الدعم من جهات دولية متغلغلة في النزاع. مما يجعل خطر نشوب حرب بالوكالة نقطةً إضافيةً قد تسبّب مشاكل جمّة. فكلا الطرفين اتفقا على وقف إطلاق النار في جميع البلاد، لا يشمل مجموعات صنّفتها الأمم المتحدة إرهابيةً. وبهذا، يبقى المجال مفتوحاً لكلا الطرفين لمحاربة هذه المجموعات، حتى لو كانت هذه الأخيرة في خدمة الطرف الخصم ـ وقد تتسبّب هذه المجموعات في تفجير حرب بالوكالة جديدة في البلاد. وبالفعل تبقى نتيجة المؤتمر مفتوحةً، كما يقول الخبير توماس فولك. فمن وجهة نظره، يكون الأهم هو دفع الفاعلين الأجانب إلى الانسحاب من البلاد". وعلى إثر ذلك، يمكن للمجتمع اللّيبي أن يبدأ في إطلاق عملية سلام جديّة".
في الخاتمة.. تبقى مشكلة النفط لغزاً حيّر اللّيبيين والعالم، فلا شك أن الجميع بحاجة ماسّة إلى عقد أكثر من جلسة حوارٍ وطنيٍّ حول التوزيع العادل للإيرادات النفطية في ليبيا، لأن هذه المسألة تمثّل أحد العوامل الرئيسية للأزمة، والحل الوحيد لمعالجتها هو الالتزام بالشفافية. يجب الدعوة مجدداً إلى العمل الجاد، فكل السلطات مسؤولة؛ وزارة المالية والمصرف المركزي مسؤولان في نشر الميزانيات والنفقات العامة بالتفصيل، حتى يتمكن كل الليبيين من رصد كل دينار يتم إنفاقه من ثروتهم النفطية. يجب العمل مع الجهات الوطنية المعنية الأخرى من أجل تعزيز الشفافية وحلّ هذه الأزمة – وذلك خدمةً لمصالح جميع المواطنين.
ويأتي بعد النفط دعاة الفيدرالية الليبية (القديمة- الحديثة)، وهنا يجب الحذر من الترويج بأن الفيدرالية لها مزايا حسنة، فهذا غير صحيح على الأقل في الوقت الحالي، لأن الففيدرالية لها عيوب في هذا المضمار.. يجب أن يتميّز الدستور بالصرامة، فمن الضروري أت تحافظ القوانين في الدستور على ثباتها، عليها أن تكون غير قابلة للتغيير إلاّ من قبل السلطات أو الهيئات التشريعية المعنيّة.. فهل يمكن لتونس البلد المجاور أن يتوسّط لحلّ النزاع الدائم في ليبيا؟.. أم تبقى اللاءات حاضرةً كعنوان لــ"ملتقى الحوار الليبي في تونس"؟ ضمن عديد من العناوين المطروحة.