الربح والخسارة في ميزان الاتفاق الروسي حول ناغورنو كاراباخ

بالنسبة لموسكو، تحقّق الصفقة – الاتفاق، اقتراح عام 2018 في نشر قوات حفظ سلام روسية في ناغورنو كاراباخ، وهو ما رفضه الجانبان في ذلك الوقت.

  • تعمل موسكو من خلال الاتفاق على تجميد الصراع في ناغورنو كاراباخ مرة أخرى
    تعمل موسكو من خلال الاتفاق على تجميد الصراع في ناغورنو كاراباخ مرة أخرى

صرحت تركيا عبر أحد دبلوماسييها أنها ساهمت منذ نهاية تشرين الأول/أكتوبر بالتوقيع على اتفاق 10 نوفمبر/تشرين الثاني بشأن ناغورنو كاراباخ تحت رعاية موسكو.

الاتفاق البعيد عن الولايات المتحدة وأوروبا لا يترك سوى دوراً دبلوماسياً ضئيلاً لتركيا على الرغم من دعمها العسكري لأذربيجان. وهو يسمح لأذربيجان الاحتفاظ بالمناطق المحيطة بناغورنو كاراباخ والتي استعادت السيطرة عليها منذ اشتباكات 11 سبتمبر/أيلول. ووفق هذا الاتفاق، يُطلب من أرمينيا تسليم العديد من المناطق المجاورة خلال الأسابيع القليلة المقبلة.

 من ربح ومن خسر في ناغورنو كاراباخ؟

منذ إبرام الاتفاقية بين موسكو وباكو ويريفان، انشغل  العديد من المحللين والمستشارين بالإجابة عن هذا السؤال، حيث اعتبر البعض أن نظاماً إقليمياً جديداً قد بدأ  بالظهور، واعتُبر استيلاء الأذريين على مدينة شوشي الاستراتيجية في الثامن من تشرين الثاني/نوفمبر نقطة تحوّلٍ حيث  أدرك المسؤولون في ناغورنو كاراباخ وأرمينيا بعد ذلك أنه ليس لديهم خيار آخر سوى قبول شروط الاتفاقية التي فرضتها موسكو. 

فقدت ناغورونو كاراباخ المقاطعات الحدودية الـ7 الواقعة في جنوبي وغربي الجيب. وفق بنود هذا الاتفاق، سيتعيّن تسليم هذه المنطقة إلى باكو بحلول نهاية شهر تشرين الثاني/نوفمبر. وتنصّ الاتفاقية على إنشاء ممر آخر على الأراضي الأرمنية يربط الممر الأذري لناختشيفان بأذربيجان. 

لا توجد إشارة إلى دورٍ تركيٍّ في الاتفاق، لكن الرئيس التركي صرّح أن بلاده ستشارك إلى جانب روسيا في مراقبة تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار في ناغورنو كاراباخ بالإضافة إلى تسوية النزاع، وأشار أحد المحللين الأتراك إلى أن "دعم إردوغان لأذربيجان  ليس جديد العهد في قاموس السياسيين الأتراك لأن الرئيس التركي الراحل تورغوت أوزال حاول التوسط  عام 1992 من أجل تسوية نزاع ناغورنو كارباخ" ولكن هدفه الأساس كان تعزيز مصالح تركيا من خلال ربطها بأذربيجان عبر ناخيتشيفان، وهي خطة  تدور حول ربط تركيا ببحر قزوين والجمهوريات التركية المستقلة حديثاً في آسيا الوسطى الواقعة خلفه.

وبغض النظر عن الفرص الاقتصادية والتجارية المحتملة في بلدان ما بعد الحرب الباردة السريعة النمو، كانت تركيا ستوسّع نطاق نفوذها، لتصبح قوةً إقليميةً مهمةً. كان  لدى الأميركيين اقتراح تسوية شبيه بمبادرة أوزال، المعروف باسم "خطة غوبل"، على اسم المسؤول السابق في وزارة الخارجية الأميركية بول غوبل. تقوم هذه الخطة على تبادل الأراضي بين أرمينيا وأذربيجان، مثل لاشين وميغري.

هل تشبه الاتفاقية المعقودة اليوم الصفقة التي عرضتها الولايات المتحدة وتركيا بشكل منفصل على الأرمن والأذريين منذ عقود؟ سيتمّ نشر بعثة حفظ سلام روسية على طول ممرّ لاتشين، وتأمين الربط الآمن بين ناخيتشيفان وأذربيجان من خلال فتح الممرّ من قبل حرس الحدود الروس .

يميز المرء بين الرابحين والخاسرين على حد سواء في ساحة المعركة وعلى طاولة المفاوضات. كانت أذربيجان وتركيا الفائزين على الأرض، لكن روسيا وأذربيجان فازتا على طاولة المفاوضات. إن المكاسب الدبلوماسية التركية مشكوك في أمرها.

وأشار الرئيس الأذري إلهام علييف، إلى دور تركيا في مراقبة وقف إطلاق النار، لكن موسكو سارعت إلى التأكيد على أنه سيتمّ نشر قوات حفظ السلام الروسية لا غير. فهل سيستمر قبول تركيا بالأمر الواقع؟

بالنسبة لموسكو، تحقّق الصفقة – الاتفاق، اقتراح عام 2018 في نشر قوات حفظ سلام روسية في ناغورنو كاراباخ، وهو ما رفضه الجانبان في ذلك الوقت. هو اتفاق يرقى إلى السيطرة الروسية على منطقة ناغورنو كاراباخ الأكثر اكتظاظاً بالسكان والأكثر تطوراً على الصعيد الاقتصادي.

تعمل موسكو من خلال الاتفاق على تجميد الصراع مرة أخرى، أما باكو  فهي سعيدة بالمكاسب التي حققتها. يناور علييف بحيث يرضي الشعب الأذربيجاني من جهة ويقوي ساعِده في السياسة الداخلية، بمجرد عودة اللاجئين الأذريين الذين فروا من ديارهم عندما اندلع الصراع لأول مرة في التسعينيات. بذلك، يمكنه بسهولة بيع الصفقة على أنها انتصار عسكري. وستتعزز يد باكو، على الصعيدين المحلي والدولي بموجب الاتفاقية.

أما يريفان الخاسرة في ساحة المعركة وعلى طاولة المفاوضات، ستزيد الضغط على حكومة باشينيان مع ازدياد الشعور بالهزيمة. وسيزداد اعتماد أرمينيا على روسيا بشكل ملحوظ  وستكون السّمة الرئيسية  في هذا الاتفاق.

على الرغم من الصعوبة التي عاشتها الحكومة الأرمينية وقبولها لبنود الاتفاقية، فإن التهديد الذي تمثله تركيا إردوغان في هذه الحرب هو الذي يُنظر إليه على أنه خطرٌ أكبر. أما أنقرة، ومن حيث لا تدري، دفعت يريفان بقوة إلى أحضان روسيا  وقوّضت حزب باشينيان الصديق للغرب، والذي كانت موسكو تنظر إليه بريبة منذ تولّيه السلطة بعد "ثورة مخملية" في عام 2018.

علاوةً على ذلك ، فإن الممرّ المخطط له من ناختشفان، والذي يشترك في حدود صغيرة مع تركيا، حتّى الحدود البرية الرئيسية لأذربيجان، سيكون تحت السيطرة الروسية أيضاً، مما يُضعف آمال أنقرة في استخدام الطريق كبوابةٍ لتعزيز نفوذها في أذربيجان وآسيا الوسطى. وسيتعيّن على باكو الآن قبول وجود روسيا وسيطرتها عند نقاط الاتصال مع الأرمن.

أما إيرانياً، فإن المجتمع الأذربيجاني يشكل أكبر أقليّة في الجمهورية الإسلامية، ويمثّل ما بين 15 و30 مليون شخص من أصل 80 مليون نسمة، بينما يمثّل المجتمع الأرمني حوالي 300000. 

خلال فترة المعارك، برز  في السياسة الإيرانية وجهتين، وجهة روحاني - ظريف ، التي  اختارت الحياد، ووجهة ممثّلي المرشد الأعلى في أربع مقاطعات يغلب عليها الطابع الأذري، والتي أكدت دعمها لأذربيجان.

اتخذ علي أكبر ولايتي، مستشار المرشد،  في أوائل شهر تشرين الأول/أكتوبر موقفاً لصالح أذربيجان أكّد فيه أن حلّ الصراع لا يمكن إلاّ أن يكون سياسياً. وكانت الجمهورية الإسلامية دعت المتحاربين للانضمام إلى طاولة المفاوضات ولعب دورٍ متوازنٍ .

السلام الدائم يتطلب تسوية سياسية دائمة. لكن هل سيتمكن فلاديمير بوتين من قيادة العملية، بما في ذلك إعادة سكان أذربيجان إلى ناغورنو كاراباخ، من خلال لعبة التحالفات وحدها؟