أخذ اللّقاح هو السبيل الوحيد لاحتواء جائحة "كوفيد 19"
لُقح لغاية الآن آلاف الآلاف من الناس، من كبار السّن أو من هم بحاجةٍ ماسة للّقاح. حتّى الآن، لم تحصل أيّ أعراضٍ جانبيةٍ سوى حالات حساسيّةٍ محدودة، أقلّ بكثير من الحساسية الناتجة مثلاً، عن تعاطي البنسيلين.
-
في الوقت الحاضر الذي يُفتقد الدواء الفعّال لم يبقَ لنا خيارٌ في مواجهة هذا الوباء اللّعين سوى اللّقاح
سيجد القارئ في طيّات هذا المقال بعض المعلومات العلميّة الأكيدة والضرورية للتعرّف على اللّقاحات المتوفّرة حالياً لدى البعض. آمل وفي المستقبل القريب، أن يحصل كلٌّ منّا على إحدى هذه الجرعات لنتمكن من احتواء هذا الوباء الذي خرج عن السيطرة في بعض البلدان.
لطالما اعتمد الإنسان على اللّقاح للتخلص من الأوبئة التي واجهته منذ البداية. فمنذ القرن الـ18 وكما جاء مؤخراً في جريدة "فوتورا الصحية"، اكتشف الدكتور الإنجليزي "إدوارد جينر" أوّل لقاحٍ ضد الجدري حيث خلّص إنجلترا أوّلاً وأوروبا والعالم بأسره ثانياّ من هذا لوباء. وبعد ذلك، بدأت الاكتشافات اللّقاحية في الظهور لتخلّص الإنسانية من الكوارث الصحية الطبيعية، إلى أن وصل الأمر بنا إلى هذا الوباء الكوروني.
تقوم الشركات الصينية مثل سينوفاك وكانسينو وسينوفَرم بتصنيع اللّقاحات بطرقٍ تقليدية، مستعينةً بالفيروس نفسه كعنصرٍ أساسيٍّ في تكوين الأجسام المضادة وتحفيز المناعة الوقائية. هذا ما بيّنته أيضاً مجلة "ميديا 24" في صفحتها المخصّصة للقاحات كوفيد ـ19،حيث أكملت: "تؤدي مثل هذه التكنولوجيا الكلاسيكية إلى صناعةٍ لقاحيّةٍ آمنة ومعروفة منذ زمن، وقد بلغت نسبة الحماية لهذا اللّقاح أكثر من 79%. ورغم أنّ المرحلة الثالثة لا تزال قيد الدراسة، إلّا أنّ الشركة قد حصلت على حق الاستعمال تحسّباً لظروفٍ خاصة". وقد أُعطي اللّقاح لأكثر من مليون مواطن صيني. وأُرسلت مئات الآلاف من الجرعات إلى بعض الدول العربية مثل مصر والمغرب والعديد من دول العالم غير الأوروبية، بالاشتراك مع منظمة كوفاكس التابعة لمنظمة الصحة العالمية التي تعمل على تسريع إنتاج اللقاحات وتطويرها وتصنيعها وضمان والتوزيع العادل والمنصف على كل دول العالم. من إيجابيات هذا اللّقاح أنّه يحتوي على مجموعةٍ من الأجسام المضادة التي أُنتجت انطلاقاً من جميع مكوّنات المضادات الحيوية لفيروس كوفيد ـ 19. فإن فُقدت إحدى هذه المضادات بسبب التحوّر الفيروسي، سيبقى هنالك ما يكفي لإنتاج المناعة واحتواء الوباء. ومن مميزات هذا اللّقاح أيضاّ أنّه يصلح تخزينه أو الحفاظ عليه بدرجة مئوية منخفضة غير سلبية، أي بين 3 و8 درجات فقط. لذا، يمكن إرساله إلى عالمنا العربي الآسيوي والأفريقي بكل سهولةٍ واطمئنان وبأسعار مناسبة.
أما في ما يخص لقاحات الحمض النووي الريبي التي تصنعها شركة بيونتيك الألمانية وشريكتها فايزر الأميركية ومودرنا، فقد عمدت هذه الشركات إرسال الحمض المصنّع كيماوياً بطرقٍ أنزيمية، بحيث يتمّ إدخاله في الخلايا البشرية، مغلّفاً بمواد دهنية مشحونة إيجابياً "جزيئيات نانو ليبيديك"، كما أورد الباحث "ليندسي" في جريدة "نات بيومد انغ" لعام 2019. وتختلف تركيبة هذه المواد الدهنية، التي تلعب دور الحامل الفيروسي من شركة لأخرى. هذا هو أحد الاختلافات المهمة لتركيبة لقاحي بيونتيك/فايزرمن جهة، ولقاح مودرنا من جهةٍ أخرى، حسبما جاء على الصفحة الإلكترونية تحت عنوان "لقاحاتي.نت" في 9 كانون ثاني/ يناير الجاري. إنّ كمية الحمض النووي الريبي المرسال في حقنةٍ واحدة من لقاح مودرنا هي 100 ميكروغرام، أي أكثر بثلاث مرات مما تحتويه حقنةٌ واحدة من لقاح بيونتيك/فايزر. يتطلّب لقاح مودرنا درجة حرارةٍ مئوية سلبية "- 20" لتخزينه، ولمنع تحلّل الحمض النووي الريبي، يمكن الاحتفاظ به بعد الذوبان لمدة شهر في الثلاجة، بينما يتطلّب لقاح بيونتيك/ فايزر حوالى "- 80" درجة مئوية لتخزينه، ويُحتفظ به لمدّةٍ أقلّ من خمسة أيام فقط في الثلاجة بعد ذوبانه. أمّا ثمن الجرعتين الضروريتين لتلقيح شخصٍ ما، فيُقدّر بـ 18 $ للقاح فايزر، بينما يتعدى الـ 20 $ للقاح مودرنا. إنّ كلّ هذه الأسباب ستحول دون وصول مثل هذا اللقاح إلى عالمنا الثالث.
إنّ صناعة مثل هذه اللّقاحات التي تستخدم تكنولوجيا الحمض النووي الريبي، لم تعد آمنةً وممكنة إلّا بعد دراساتٍ علميّة وطبيّة معقّدة. فمنذ عام 2007، عندما تمّ استعمال قطع صغيرة من الحمض النووي الريبي "جزيئيات نووية" لمعالجة بعض أمراض السرطان، لإعادة التوازن النووي في الخليّة المصابة، تبيّن أنّ وجود هذه الجزيئيات النووية تُؤدي بعض الأحيان إلى مشاكل طبية حرجة كالالتهابات وتخثّر الدم، وهذا الأخير هو أحد أهم الأسباب لأمراض الأوعية الدموية الخطيرة. لحسن الحظ، ومنذ سنوات، حصلت الدراسات المعنية على النتائج الآمنة تماماً، كما بينته العديد من المجلات العلمية والنشرة الأخيرة للأكاديمية الوطنية للطب البشري الفرنسي لشهر ديسمبر/ كانون الأول المنصرم. وفي السياق ذاته، وكما جاء في مجلة "ميديكال فاكسين" لعام 2019، تبيّن أنّ التجارب التي قامت بها شركة بيونتيك على الحيوانات للقضاء على الالتهابات الناتجة عن اللّقاح كانت مقنعةً وحاسمة للغاية.
هنالك أيضاً اللّقاحات التي تستخدم الحامل الفيروسي المخفّف لنقل الحمض النووي الريبي داخل الخلايا العضلية للملقَّح لإنتاج البروتين سبايك، وسيُستعمل هذا البروتين كما هو حال اللقاحات المبنيّة على الحمض النووي الريبي، كمضاد حيوي لتفعيل المناعة عند الملقَّح. فهنالك المصمّم في جامعة أوكسفورد، حيث يُستعان بحامل فيروسي "أدينوفيروس الشمبانزي" الذي تصنعه الشركة الإنجليزية السويدية آسترازينيكا. تقدَّر فاعليّة هذا اللّقاح بين 70 إلى 90%. ويوجد أيضاً لقاح "سبوتنيك في" الروسي والمصمَّم في معهد "غاماليا" لعلوم الأوبئة والأحياء الدقيقة. فعالية هذا اللقاح حسب ما تناقلته العديد من الصحف والمجلات العلمية والعالمية، تتجاوز ال 90%. تستعمل الشركة الروسية في الحقنة الثانية حامل فيروسي من سلالةٍ أخرى، لكي تتجنب اصطدام مناعة الملقَّح للحامل الفيروسي المستخدم في الحقنة الأولى. يتمّ التخزين والاحتفاظ بهذه النوعية من اللقاحات بين 3 إلى 8 درجات مئوية. أما الثمن الذي تتقاضاه هذه الشركات للقاح الواحد خارج البلاد، لا يزيد عن 10 $.
جميع هذه اللقاحات لا تزال في المرحلة الثالثة التجريبية. وقد أعلنت جميع الشركات المصنّعة لها بأنها آمنة وليس لها أعراضٌ جانبيةٌ تُذكر. وفي مثل هذه الحالات الاستثنائية، حصلت جميعها ومن عدة مؤسسات مختلفة، على براءات الاستعمال المشروط.
وقد لُقح لغاية الآن آلاف الآلاف من الناس، من كبار السّن أو من هم بحاجةٍ ماسة للّقاح. حتّى الآن، لم تحصل أيّ أعراضٍ جانبيةٍ سوى حالات حساسيّةٍ محدودة، أقلّ بكثير من الحساسية الناتجة مثلاً، عن تعاطي البنسيلين. فهل هناك من يرفض استعمال هذا المضاد الحيوي عندما يكون هذا الشخص بحاجةٍ له؟ ولتجنّب مثل هذه المشاكل، يبقى المُلقَّح نصف ساعة تحت المراقبة الطبية قبل أن يغادر مركز التلقيح، ومن ثمّ يُراقَب لعدة شهور تحسباً للعوارض الجانبية على المدى البعيد.
أودّ أن أنهي مقالي متوسلاً: في الوقت الحاضر الذي يُفتقد الدواء الفعّال وفي ظلّ صعوبة عزل الضعفاء منّا والمعرّضين لعناء المرض، لم يبقَ لنا خيارٌ في مواجهة هذا الوباء اللّعين سوى اللّقاح. تُعطى الأولوية لمن هم أكثر حاجةً إليه، ومن ثمّ وإن أُتيحت لنا الفرصة، علينا أن نأخذه لحماية أنفسنا أيضاً. وإن لم نفعل هذا حمايةً لنا، علينا نحن الأصحّاء أن نتلقّاه لنكوّن الجدار المناعي، حمايةً لأسيادنا واحتراماً للإنسانية والضعفاء في مجتمعنا.