ما الهدف من خطوة مساءلة ترامب وعزله؟
أيامٌ قليلة تفصلنا عن نهاية ولاية الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي أتى كما بات معروفاً من خارج عالم السياسة ليشكّل ظاهرةً أميركية جذبت اهتمام العالم.
-
هل تحركات ترامب السياسية تهدف إلى إسقاط النظام الأميركي؟
قال جون آدمز ( الرئيس الثاني للولايات المتحدة): "الديمقراطية لا تدوم طويلاً، بل سرعان ما تُستهلك أو تُنهك وتُنتهك ثم تُنحر، ولا توجد أية ديمقراطية في العالم لم تنتحر". هل نعيش في أيامنا هذه عهد انتحار الديمقراطية الأميركية كما توقّع آدمز؟ أم أنّ هناك مبالغةٌ في هذا التوصيف؟
أيامٌ قليلة تفصلنا عن نهاية ولاية الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي أتى كما بات معروفاً من خارج عالم السياسة ليشكّل ظاهرةً أميركية جذبت اهتمام العالم. 4 سنوات كانت كافيةً لترامب لكي يلقي الضوء من خلال ممارسته للحكم على عيوبٍ كثيرة في الديمقراطية الأميركية التي لطالما كان يتغنّى بها الأميركيون أمام العالم، منطلقين منها لممارسة الفوقية على بقية الدول.
هذه الديمقراطية لا شك أنها نجحت في محطاتٍ كثيرة، وعبر سنواتٍ طويلة، في إرساء نوعٍ من الاستقرار السياسي في الكيان الأميركي المتنوّع والمتاقض في بعض الأحيان. إلاّ أنّ الانتخابات الرئاسية الأخيرة وما تلاها، أثبتت أنّ المجتمع الأميركي لا يعيش هذا الاستقرار السياسي كما تعوّدنا عليه سابقاً، وأصبح يحتاج إلى بيانات وخطابات تهدئة شبه يومية من جميع السياسيين الأميركيين لاحتواء الفوضى التي تسبّب بها الرئيس الأميركي عبر استغلاله بعض الخلل في النظام السياسي الأميركي.
قد يسأل أحدنا، هل تحركات ترامب السياسية تهدف إلى إسقاط النظام الأميركي؟ هل يحلم في إنهاء الديمقراطية؟
بالطبع لا، هو لا يتطلّع أبداً إلى إنهاء الديمقراطية الأميركية إلاّ أنه يحلم بطبيعة الحال باستغلال الأزمة السياسية التي تعيشها البلاد، وهو الذي تسبّب بها، ليصبح من خلالها ظاهرةً سياسيةً أميركية تمتلك جمهوراً واسعاً خارج اصطفاف الحزبيين، يستند عليها في أي خطوةٍ سياسية قد يقوم بها مستقبلاً.
ترامب خطّط مطوّلاً لهذا السيناريو الذي نعيشه اليوم، وهو بطبيعة الحال لم يضمن النتائج. أدخل في عقول محبّيه ثقافةً جديدة، يغذّيها يومياً من خلال تغريداته، ويرفقها في معظم الأحيان بوقائع ثقافة التمرّد وكسر الثوابت ووضع قواعد جديدة للّعبة السياسية، وهو الذي دفع بالمتظاهرين إلى الشغب في مبنى الكابيتول، حتى لو نفى ذلك، إذ يكفي أن نراجع أرشيف تغريداته وخطاباته لنرى كيف زرع روح التمرد في نفوس مناصريه ليحصدها في حال خسارته في الانتخابات وهذا ما حصل بالفعل.
تخيّلوا أنّ هذا الرئيس الأميركي قد حاول مجلس النواب عزله مرتين في فترةٍ رئاسيةٍ واحدة فقط، وفي مناسبتين مختلفتين. هذا لم يحدث من قبل في أميركا، هو أصبح منبوذاً ومعزولاً سياسياً، ليس فقط من الحزب الديمقراطي، بل أيضاً من الحزب الذي رشّحه. لم يعد الحزب الجمهوري يحتمل ظاهرة ترامب وأصبحت تشكّل عبئاً كبيراً عليه وعلى مستقبل الحزب في اللّعبة السياسية القائمة على حصريّة الحزبين.
من الصعب أن يتمّ عزل الرئيس ترامب في أيام ولايته الأخيرة، فالوقت لا يسمح لذلك، والاستقرار الأميركي الذي أصبح على المحك لا يشجّع على اتخاذ خطوةٍ مماثلة. ما المراد إذن من خطوة مجلس النواب الأميركي في عزله إذا كان تطبيقها غير ممكن؟
الهدف بات واضحاً، إنهاء ظاهرة ترامب قبل أن ينهي هو الديمقراطية الأميركية. الحزب الجمهوري كما الديمقراطي يتخوّفان من أن تفرض هذه الظاهرة نفسها كحزبٍ ثالث، لربما على الحياة السياسية الأميركية، فسارعوا إلى تمرير قرار محاكمة الرئيس الأميركي وتوبيخه من أجل انتزاع حقّه في الترشّح لولايةٍ ثانية بعد 4 سنوات من اليوم.
قد ينجح الحزبان في تجريد ترامب من هذا الحق، إلاّ أنه من الصعب جداً القضاء عليه كظاهرةٍ شعبية وسياسية باتت كبيرة جداً، قد يبني على أساساتها الرئيس ترامب حزباً سياسياً جديداً يفرض من خلاله قواعد جديدة للديمقراطية الأميركية لم نعتد على سماعها من قبل.
ظاهرة ترامب هي خير دليلٍ ومؤشر على مقولة الرئيس المؤسس جون آدمز إنّ "الديمقراطية لا تدوم إلى الأبد وقد تنتحر يوماً ما".
على كل حال، يكفي أن نشاهد من خلال الشاشات، الحالة الأمنية والعسكرية التي تحيط بمكان تنصيب الرئيس الجديد ومبنى الكونغرس الأميركي، لندرك أنّ الديمقراطية الأميركية تمرّ في أصعب مراحلها على الإطلاق. آلاف الجنود والمدرّعات تملأ واشنطن وكأنّها ساحة حرب، عدا عن التقارير الأمنية التي سُرّب بعضها للإعلام، والتي تتحدّث عن مخطّطاتٍ تخريبية تحضّر لها بعض المجموعات والميليشيات الأميركية المناصرة لترامب خلال حفل تنصيب جو بايدن في الـ 20 من الشهر الحالي.