انخفاض الجباية البترولية في الجزائر وأثرها الاقتصادي

اعتماداً على أرقام الديوان الوطني للإحصاء نجد بأنَ هناك حوالى 50بالمائة من نشاط الشركات الخاصة غير مصرّح به ولا نستثني من ذلك الشركات البترولية المتعاقدة مع شركات وطنية كبرى كسوناطراك ونفطال وهناك حوالى 30بالمائة من الخواص لا يصرّحون بعمالهم لدى مصالح الضمان الاجتماعي على المستوى الوطني.

69بالمائة من الجباية الوطنية السنوية للدَولة وكانت حوالى 43بالمائة منها تصبُ في الموازنة العامة للدولة مباشرة
تُعتبر الجباية البترولية منذ الاستقلال تقريباً حجر الأساس كما يقول الخبراء الماليون والاقتصاديون ومنهم الوزير السابق "عمار تو"في تمويل الميزانية الحكومية العامة،إذ كانت تُشكّل حتى عام الماضي حوالى 69بالمائة من الجباية الوطنية السنوية للدَولة وكانت حوالى 43بالمائة منها تصبُ في الموازنة العامة للدولة مباشرة،وما تبقى منها فإنَه يذهب إلى "صندوق ضبط الموارد"،والذي انخفضت مداخليه كثيراً هذا العام نتيجة عوامل داخلية وخارجية عدّة أهمها ربما انخفاض سعر برميل النِّفط في السوق الدولية وكذلك عدم وجود موارد مالية كافية لتمويله.فالضرائب التي كانت تُموّلهُ بعيداً عن مداخيل الجباية البترولية كانت تتأتّى أساساً من الضرائب على أرباح الشركات الخاصة وحتى العمومية إضافة إلى الضرائب على الأجور وكذلك الضرائب على السِلع الاستهلاكية المحلية وحتى المستوردَة من الخارج.

 

وبقراءة سريعة ومتأنيّة اعتماداً على أرقام الديوان الوطني للإحصاء نجد بأنَ هناك حوالى 50بالمائة من نشاط الشركات الخاصة غير مصرّح به ولا نستثني من ذلك الشركات البترولية المتعاقدة مع شركات وطنية كبرى كسوناطراك ونفطال وهناك حوالى 30بالمائة من الخواص لا يصرّحون بعمالهم لدى مصالح الضمان الاجتماعي على المستوى الوطني،أي أنَّ هؤلاء الأشخاص لا يساهمون في تمويل الخزينة العمومية والموازنة العامة للدولة وذلك عن طريق أموال الضمان الاجتماعي وصناديق التقاعُد والتي تعتبرها الدولة في أحيان كثيرة صمّام أمان لاستمرارية تمويل ميزانيتها التَّسييرية والتجهيزية وحتى التنموية.فالأزمة المالية والاقتصادية التي تمر بها البلاد قد أثّرت بشكل سلبي على الجباية الحالية التي لا تغطّي في أحسن الأحوال سوى 41بالمائة من الميزانية العامة،والجباية البترولية لا تغطّي سوى 31بالمائة حالياً،فهناك تراجع كبير لا تستطيع الجباية البترولية تغطية نفقات الميزانية السنوية ما سيضطرنا مجدّداً إلى الاعتماد على موارد صندوق ضبط الإيرادات الذي يعاني من وضعية مالية صعبة وهناك من الخبراء الاقتصاديين كأمثال الخبير عبد الرحمن مبتول الذي حذّر من أزمة شبيهة بأزمة سنة 1986عندما انخفضت الجباية البترولية إلى أدنى مستوياتها ووصل سعر برميل النفط وقتها في السوق الدولية من 42دولاراً إلى 9دولارات،عندما كانت المديونية الخارجية في حدود 18مليار دولار وأقل من 1مليار دولار من احتياطي الصرف الأجنبي ولكن رغم أنَّ الخزينة حالياً فيها أزيد من 189مليار دولار ولكنها تتناقص بشكل كبير سنوياً.فالجباية البترولية التي تعتبر هي شريان الجزائر المالي في ظلِّ غياب سياسة حكومية رشيدة تعتمد على ترشيد الإنفاق والاعتماد على قاعدة صناعية وتكنولوجية صلبة تعوّضُ خسائر انخفاض مصادر الدخل التقليدية للدولة.فطلب الجزائر من "صندوق التنمية الإفريقي" مليار دولار كقرض طويل الأمد بعد أن كانت البلاد تعيش في بحبوحة مالية مسحت على أثرها ديون العديد من البلدان الإفريقية مؤشرٌ على مدى التَّأثير الذي لعبه انخفاض الجباية البترولية على السياسة العامة الاقتصادية للدَولة ككل،ويجب على الدولة إن أرادت الخروج من مرحلة الخطر عدم الاعتماد على البترول كمصدر وحيد للدخل وتنويع مصادر الدخل كما تفعل كل الدول التي أخذت دروساً وعبراً من أزماتها النَّفطية والاقتصادية التي عصفت بها كإيران وروسيا....الخ وإلاَّ فخراب مالطة قادم لا محالة ولا يشكّكن أحدٌ في ذلك.

وقد كان لانخفاض الجباية البترولية أثرٌ سلبي على الاقتصاد الاجتماعي وسياسة الدّعم التي كانت موجّهة إلى مشتقات البترول،كالبنزين والمازوت وغيرها إذ ارتفع سعرها في الأسواق الطّاقية الوطنية وهذا ما أثرَ بشكل كبير على حياة المواطن العادي إذ بمجرّد ارتفاع سعر البنزين زادت معه اطراداً أسعار تذاكر النقل الخاص والعمومي وارتفعت أسعار المواد الاستهلاكية الزِّراعية بالدرجة الأولى نتيجة استعمال هذه المواد بصورة رئيسية في المنتجات الزراعية،ورشِّ السماد والنقل والتَّخزين إلى غير ذلك،بالإضافة إلى حدوث ندرة وأزمة وقود في بعض المناطق من البلاد رغم أنَّ الجزائر تعتبر من الدول المنتجة له،ضف إلى ذلك ارتفاع واردات تكرير البترول في الخارج إلى أكثر من 5مليارات دولار مع مطالبة مُلحّة من الخبراء الجزائريين بضرورة الإسراع في تبنّي مخطّط وطني من أجلِ بناء معامل تكرير البترول ومشتقاته،للحدّ من الآثار الخانقة لانخفاض الجباية البترولية.فالأزمة ستكون لها تداعيات خطيرة على الأمن الاقتصادي للبلاد في ظلِّ موجة لهيب أسعار ستشهدها البلاد بداية من الفاتح من شهر جانفي/يناير 2017نتيجة إقرار قانون المالية التكميلي الذي صادق عليه البرلمان بغرفتيه وبالتالي أصبح ساري المفعول ابتداءً من ذلك التاريخ،فالمواطن الكادح هو مَن سيدفع ضريبة السياسات الاقتصادية الخاطئة للدولة ككل مرة للأسف الشديد.