دونالد ترامب.. أو الوجه المُحرّك للعاصفة في أميركا..

لقد اجتمعت كل وسائل الإعلام التي عُرفت لسنين بحيادها إلى جانب "هيلاري كلينتون" أكثر من مائتي صحيفة مقابل ست صحف مع "دونالد ترامب" وكل الخبراء والسياسيين هم أيضاً كانوا يؤكّدون في تحليلاتهم على فوز "كلينتون " المؤكّد!! وأغلبهم أكّد ذلك.. فهل كل هذا الكم الهائل من الإعلام ومن الخبراء ومؤسسات قياس الرأي ضحية الشراء بالمال له..؟ أم أن في الأمر شيئاً آخر..؟ لم يكن باراك أوباما وعلى مدار عهدتين إلا مُجرّد ضريع للابتزاز السياسي..وما التناقضات الحاصلة في عهدتيه بين دوائر صنع القرار في الدوائر الثلاث بالخصوص البيت الأبيض و"السي آي إيه" و"البنتاغون" إلا دليل فاحش وفاضح في ما آلت إليه السياسة الأميركية. و التي أنتجت أخيراً "ترامب" ووضعت بذلك أميركا على أكثر من حافة داخلياً وخارجياً.

السياسة الأميركية التي أنتجت أخيراً ترامب ووضعت أميركا على أكثر من حافة داخلياً وخارجياً
حين تغتال - قهراً - الطبقة الدنيا  في أي مجتمع - بالسياسة  تنهض من الرماد الحروب العمياء، وما قامت به الإدارة الأميركية من جورج "بوش إلى أوباما "تُمثّل هذا القهر وبأسوأ تجرّد من القواعد السياسية المُتعارَف عليها.. لم يكن" باراك أوباما "وعلى مدار عهدتين إلا مُجرّد ضريع للابتزاز السياسي..وما التناقضات الحاصلة في عهدتيه بين دوائر  صنع القرار في الدوائر الثلاث بالخصوص.. البيت الأبيض و"السي آي إيه" والبنتاغون"إلا دليل فاحش وفاضح في ما آلت إليه السياسة الأميركية. والتي أنتجت أخيراً "ترامب" ووضعت بذلك أميركا على أكثر من حافة داخلياً وخارجياً. ونفس الشيء يمكن تسويقه على فرنسا والتحوّل السريع نحو القِيَم التقليدية بدل الليبرالية والعولمة، وإلى ذلك يُشير انتخاب"فرانسوا فيون" ليمين الوسط وشبه مؤكّد لرئاسة فرنسا..

كتبت في مقالات  سابقة،"أن الولايات المتحدة الأميركية ممكن جداً أن تصلها الفوضى الخلاّقة، أو السير بمنتوجها السياسي المُتناقض  باتجاه جديد يتخلّى فيه المنطق القديم لمنطق جديد ولو بالعنف، والفوضى هي أصلاً صنيعة السياسة الأميركية وبالتحديد بداية من عهدَي" جورج بوش"وبوش الإبن"وأن حرائقها لن تكون إلا شواظاً على أهلها وصانعيها. هكذا تعلمنا حقائق التاريخ "ذلك أن ما يقوم به ساسة البيت الأبيض الأميركي ما هو إلا شرّ مُستطير لكل الأجناس البشرية، مع أنهم يعتقدون أنهم فوق اللهيب وفوق أي من الاحتمالات السيئة.. ظنا منهم أن الرفاهية الأميركية على حساب الآخرين، هي سلطان مؤبّد لتذويب الأزمات الداخلية.. لحساب الأزمات الخارجية !! إن دولة مثل أميركا لا تملك  في أسسها رصيداً من الحضارة مثل روسيا مثلاً ، بل على العكس تكوّنت على طوفان من الحروب الدموية ومن الاجتثاث للسكّان الأصليين ( الهنود الحمر).. شعبها  الخليط مثّل عبر التاريخ دور الغُزاة، وسياسيوها مثّلوا دور "الكوبوي" أو رُعاة البقر حتى في عزّ البناء الحضاري.. لقد نبّه المُفكّر الأميركي الكبير" ناعوم  تشومسكي" إلى الأخطاء التي تدور في فلكها أميركا وهي أخطاء قاتلة للحضارة،  وكاد يصرخ في وجه كل رئيس أميركي عاصره بأنه إرهابي..ونبّه المؤرّخ الأميركي الكبير "بول كيندي" إلى الانحدار الذي تدور فيه أميركا وحافّات السقوط الحضاري التي تُلاحقها، ولم يسمع لأيّ منهما أحد رغم أنهما من أكبر مُفكّري العصر على الإطلاق..

"جيمي كارتر" حاول اختطاف الإمام الخميني بعد الثورة الإيرانية مباشرة فسقط في صحراء"طبس" أين عصفت رياحها بالفريق الذي كلّف بتلك المهمة.. وأسس وقتها ما يُعرف " بالمارينز" لمواجهة الدول المُناهضة لأميركا والدخول في الحروب الخارجية من دون أهداف مرسومة سوى تلك التي تتبع  المصالح السياسية الأميركية  رغم عدوانيّتها العدوانية.. الرئيس "رولاند  ريغان"  حاول تطويع إيران وفق سياسة" نظرية الاحتواء المزدوج " فسقط بما عُرف ب "إيران غيت" وبقيت إيران تخرج من عاصفة إلى عاصفة أخرى من دون أن تستسلم لأميركا وحلفائها..جوج بوش استعلى بالطغيان وسياسة "الرانجاس" الأميركي، وادّعى انه ناطق باسم المسيح - عليه السلام - فخاض حرب الخليج الأولى لكنه انتهي به المطاف إلى الاستسلام للواقع ولم يجد ما يُبرّر به حربه  سوى أن صدّام حسين احتلّ لكويت..وهي طبعاً  دولة خارج حدوده وليست ضمن جغرافيته..  الرئيس"بيل كلينتون" نفسه حاول أن يُرمّم تاريخ أميركا في الشرق الأوسط  من الأخطاء القاتلة  للرؤساء السابقين،  فكان ضحية اغتيال  رئيس وزراء إسرائيل السابق "إسحاق رابين...". الذي قيل عنه أنه رجل السلام مع الفلسطينيين.."جورج بوش" الإبن وهو مثل أبيه من المحافظين الجُدد  خاض حرب العراق بناء على معلومات كاذبة – وكان مُتيقناً من كذبها -  فخسر في العراق حوالى  ثمانين ألفاً من جنوده بين قتيل وجريح  ومعتوه ذهنياً، وخرج من العراق هارباً طالباً الحماية الأمنية لجنوده عند الخروج من عدوّه إيران. ثم جاء بالحرب الاستباقية  ضدّ حزب الله ومن بعدها وبعد فشله فيها جاء بالفوضى الخلاّقة والتي بشرّت بها وزيرة خارجيته "كوندوليزا رايس"  وبالتالي سقط ، وسقط معه مشروعه السيّئ الذِكر  "الشرق الأوسط الجديد"خرج من البيت الأبيض ولم يربح من الحرب غير الدمار والخراب وتضخيم مأساة الشعبين الأميركي والعراقي..

 جاء "باراك حسين أوباما "وهو من بقايا  عصر العبيد، وكان أن خاطب العالم من القاهرة بأنه رجل السلام وأنه الأوفر حظاً في معالجة القضية الفلسطينية بإنصاف. واخترع لنفسه نظرية" القتال من الخلف"وأكّد أن الجنود الأميركيين لن يخوضوا حروباً جديدة خارج أميركا ، يكفي مأساة حرب أفغانستان والعراق.. فإذا به يُغرِق العالم العربي في فوضى طائفية كان بدأها سلفه وحروب داخلية  في كل العالم العربي  وأوكرانيا بما عرف بالربيع العربي.. والحروب الملوّنة.. وحال الاستدارة نحو آسيا والخروج من الشرق الأوسط لأن المستقبل لآسيا.. وبالتحديد مواجهة العملاق الصيني الذي ظهر فجأة كقوة اقتصادية مُنافِسة لأميركا. ولكنه  نظراً للمواقف الرمادية الذي ظلّ يتلاعب بها سقط في الوحل السوري  وأسقط معه التاريخ الأميركي في ما هو أسوأ ، وكانت الأزمة المالية 1988 هي من أسوا الأزمات التي واجهت وتواجه إلى الآن الولايات المتحدة الأميركية... حيث خسر فيها المجتمع  الأميركي ثمانية ملايين وظيفة، وخسر فيها الشعب الأميركي ستة ملايين مسكن ممن كانوا يسدّدون مبالغها من البنوك  بسب توقّفهم عن أداء السداد لفقدان وظائفهم.. وكان للرعاية الصحية  نصيب من هذا الانهيار..هذا التوالي في الانحدار  خلق جواً عاماَ آخر في أميركا غير الجو الذي ظلّت تساوم عليه النُخب الأميركية  ومؤسسات قياس الرأي ومعاهد الدراسات الإستراتيجية.. إن قهر الشعب بوسائل غير منظورة وأحياناً بوسائل التعمية الإعلامية لم يجد صداه إلا لدى أصحاب وسائل الإعلام المُنظّرين لها ، بَيد أن الطبقات الاجتماعية المقهورة إعلامياً وسياسياً واقتصادياً، أحسّت بأنها تُساق كالقطيع  باسم شعارات استُهلكت ولتجد نفعاً إلا لمن أتوا بها.. إنها في حاجة إلى رؤى أخرى تأخذ بالواقع وليس بما تدعو إليه مؤسسات هي في الأصل غائبة عن الواقع أو عائمة في  تنظيرات سياسية واقتصادية لا تخدم إلا طبقة مُعيّنة... المؤلم لأميركا اليوم أن الانتخابات الرئاسية الأخيرة أظهرت بُطلان كل ادّعاءات الإعلام ومؤسسات قياس الرأي، وبدت وكأنها مُجرّد تهويمات في بحر كبير من الخرافة..

لقد اجتمعت كل وسائل الإعلام التي عُرفت لسنين بحيادها إلى جانب "هيلاري كلينتون" أكثر من مائتي صحيفة مقابل ست صحف مع "دونالد ترامب" وكل الخبراء والسياسيين هم أيضاً كانوا يؤكّدون في تحليلاتهم على فوز "كلينتون " المؤكّد!! وأغلبهم أكّد ذلك.. فهل كل هذا الكم الهائل من الإعلام ومن الخبراء ومؤسسات قياس الرأي ضحية الشراء بالمال له..؟ أم أن في الأمر شيئاً آخر..؟ الحقيقة أن الإعلام ومؤسسات قياس الرأي وغيرهما بهذا المستوى المُتدني والمنحطّ أحيانا هم كلهم ضحية فَهم الواقع وحقيقة ما يجري على الأرض من تشابكات سياسية، وبالتالي فإن مصداقيتهم هي الآن في الحضيض، وربما كشف ذلك كله للرأي العام  العالمي أن ما تدّعيه أميركا من فَهم للأحداث ومن قوة إعلامية، ومؤسسات قادرة على التنبّؤ بما هو حادث هو مُجرّد تيه ٍمن الضلال بلا دليل، وبالتالي أيضاً فإن الهيمنة الإعلامية بالخصوص هي مؤسسات للكذب والتضليل وليست هي مؤسسات للفَهم ونقد الذات..فهل يمكن الآن ووفقاً لهذا الهرج غير المُبرّر الذي وقعت فيه، أن نقول إن أميركا مثلها مثل بقية دول العالم الثالث...؟ وهل يمكننا بعد كل هذا أن نصدّق ما يأتي منها ومن البيت الأبيض على أنه حقيقة ..؟ إن كان الكثير من الدول المناهِضة لأميركا يعلم يقيناً زيف أقوالها.. لقد انتصر "دونالند ترامب" لأنه خاطب الضمير الأميركي بأحاسيس الواقع وآلامه من دون أن يجرّ وراءه الأرمادة الإعلامية لأميركا، ولا معاهد الدراسات الاستراتيجية، ولا مؤسسات الدولة الأميركية.. بل جرّ وراءه شرائح من المجتمع الأميركي الذي يئس من نظام سياسي يبني  حوافره على الرمال تتوارى كلما هبّت عاصفة عليه ..جرّ وراءه مَن هم فعلاً للعيش خارج الحروب الخاسرة  يطمحون، وممن هم للوظائف ينتظرون، وفي دولة تدّعي الوصاية على العالم وأهلها في المأساة غارقون..ولعلّ الشتائم التي نطق بها المُرشّحان خلال حملتهما الانتخابية تُضيء لنا بعضاً من أوجه النفاق السياسي في السياسة الأميركية..شتائم "هيلاري كلينتون" كانت موجّهة من الخلف ولحماية النظام، وربما بإيعاز ممن هم خلف الستار كما بين "ويكيليكس" لأن" كلينتون "هي في الأصل امتداد لما سبق من الإسفاف السياسي لمن سبقوها إلى كرسي الرئاسة..أما شتائم "دولاند ترامب" فهي واقعية لأنه خاصم بها سياسة  حكّام أميركيين انحدرت سياستهم  إلى الحضيض، في عهد"هيلاري كلينتون" و"باراك حسين أوباما"لقد أجّجت "كلينتون"الحرب على ليبيا أملاً في الصعود للرئاسة  فإذا بها تسقط  من أعلى السلم بمقتل السفير الأميركي في ليبيا.. وحاولت تخريب سوريا بالحرب عليها بالوكالة وبمحاولة حظر للطيران في منطقة فيها، فإذا بها تدخل مساحات التناقضات بينها وبين تركيا والسعودية وقطر، لأنها كانت تعلم  أنهم ممولو الإرهاب وتدعمهم هي  من الخلف.. وحين رأى ترامب  أن فلاديمير بوتن يمكن التفاهم معه في معالجة الأزمات الدولية  اتّهم بأنه يقوّض السياسة الأميركية، وهو ما كان يريد  إلا إعادة الشرعية الدولية إلى أصلها وعدم المساس بالدول،أو محاولات إسقاطها من الداخل آو من الخارج، لأن ذلك يرى فيه فعلاً على حساب الفعل الداخلي.. في مقابل كل هذا  كان هناك عالم خارجي  الغالبية فيه كانت ترى في كلينتون الناجح الأول والأخير.. بما فيها فرنسا وبريطانيا وألمانيا..وكانت صحف هذه الدول تطبّل بشكل مشمئّز ل "كلينتون" على حساب مصداقيتها وواقعيتها التي ظلّت تدعهما.. واليوم هذه الدول على المحك.. ولن تكون مستقبلاً إلا مثل ما آلت إليه نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية..

   إن السؤال المهم هنا  هو ، هل بإمكان "دونالد ترامب" تجاوز العقبات التي من الممكن أن تضعها أمامه مؤسسات الظل والكونغرس الأميركي..ثم هل بإمكانه توحيد الرؤى في عالم مضرب وداخل مشحون بالكراهية..؟ إن سياسة أميركا لسنوات الفوضى التي مورست وبمقادير مضطربة أيضاً هي قيد الانحدار إن لم تكن فعلاً ضمن دائرته  وبالخصوص الخارجية منها. بالتأكيد هناك حشد متراكم منها يحتاج للانقلاب عليه وتحويله إلى قوة متماسكة تقوم بها كل مؤسسات الدولة..ان الإرث الذي خلفه له ثلاثة رؤساء على الأقل ( جورج بوش الأب وجورج الإبن  وباراك أوباما )هو بمثابة الرعب الذي دفنت فيه ديمقراطية أميركا..صحيح وحسب تصريحات "دونالد ترامب "هناك أمل في إعادة ترميم الواقع الأميركي بأسس جديدة بعيدة عن الحروب، وهو واقع تتجاذبه قوى داخلية مناهضة للنُخب الأميركية وسياسة الاندفاع نحو الحروب بالوكالة او بغيرها، وهي بالتأكيد على حساب الطبقة الأقل حظاً في الرعاية الصحية والأكثر تهميشاً في علاقتها بالمجتمع سواء من حيث الوظيفة أو من حيث أبعادها المُبتعدة عن مواقع صنع القرار.. ما وعد به "ترامب "في حملته الانتخابية يبدو متجاوزاً لسقف ما يمكن أن يفعله، ولكن ما يقال في الحملات الانتخابية شيء وما يقال بعدها شيء ثانٍ، لأن التنفيذ شيء والدعاية له شيء آخر الأول محكوم بالمؤسسات الفاعلة  وأعني مؤسسات الدولة ،والواقع وما يجري عليه، والثاني محكوم بالشعارات التي تبدو دائماً أنها لمقارعة الرأي الآخر ولتجميع الناس حولها أو هي بتعبير آخر لإغراء الناخب. إن عامل الرؤية الفوقية غير مؤكّد حاصلها في الواقع بمجملها لأن للاقتصاد فيها موقف وربما أشدّ من السياسة ، ولأن الفكرة تبدو شاسعة وممكنة قبل حاصل الواقع فيها والحصانة التي تأخذها من الظروف المحيطة بها..إن توصيف الواقع قبل البدء بالتنفيذ فيه يبدو أمرأ متاحاً للجميع، لكن لنقول ثمة أزمة مالية أو اقتصادية تجعله مُجرّد توصيف للتبرير فقط، وهذا ممكن جداً بالنسبة إلى سياسة "ترامب" المعلن عنها ..ثم أن السياسة وإن كانت تلعب فيها المصالح بقوة ، فإنها تبقى رهينة المُتغيرات داخلياً وخارجياً..من الممكن جداً أن يسير" ترامب" في آرائه إلى أبعد الحدود في القضايا الداخلية ويبني عليها سلسلة من التواصل الاجتماعي لكن ليس بالضرورة على حساب قواعد بني عليها المجتمع الأميركي ورسخت فيه كظاهرة حضارية.. مثل ظاهرة العنف بالسلاح المنتشر  في المجتمع الأميركي بضوابط لا تمنع صاحبه استعماله في الجريمة رغم فظاعتها.. لم يتمكن أي رئيس أميركي القضاء عليها بمنع بيع السلاح للأفراد مع الإشارة إلى أن المُتضررين من هذه القضية هم السود وهنا تبدو القضية وكأنها متعمّدة قصد بناء جسر من الكراهية للسود.. والهجرة أيضاً الشرعية وغير الشرعية هي أيضاً تبدو مُستعصية لأن العالم اليوم بما تجتاحه من حروب ومن سوء توزيع الثروة بين عالم الشمال وعالم الجنوب تبقى ظاهرة تتجاذبها السياسة ولا يلغيها الاقتصاد إذ نصف المؤسسات في الغرب تدار اليوم بأيدٍ أجنبية سواء كانت شرعية أو غير شرعية.. إن السؤال الذي يبقى طيّ الأخذ والرّد بين صنع القرار هو هل بإمكان الولايات المتحدة الأميركية أن تعيش بمعزل عن العالم الخارجي إلا بشرط تواجد مصالحها..أمر مهم كهذا يقتضي حل النزاعات التي تسببت فيها أميركا لخلق جو عالمي يحيطها بشيء من الارتياح على الأقل فعالمنا اليوم بتعدد الوسائط الإعلامية والمفتوحة على الكل يحتاج إلى قراءات نقذيه ذاتية، قراءات مستخلصة بأحكام مسبقة..من هنا يمكنني القول وبشيء من اليقين إن "دونالد ترامب" لا يمكنه تحقيق شعاراته بالكل وإلا فإن مصالح البلد ستأخذ مسلكاً وطنياً بحتاً لا مجال فيه للمصلحة مع الآخرين. يقول نائب رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الاتحاد الروسي" أندريه كليموف":في مقال له نشرته صحيفة "أرغومينتي إي فاكتي""لكن شيئاً واحداً واضحاً تماماً، العالم سيكون مختلفاً بعد الرئيس الأميركي الـ  44 باراك أوباما. ولن يحدث هذا باعتقادي بسبب تغيّر إسم صاحب البيت الأبيض، بل لأن "كل رجال الرئيس السابق ساروا في طريق الفوضى، بحيث أن العالم (ومنه الولايات المتحدة) لن يتمكن من متابعة السير فيه بنفس الوتيرة خلال السنوات الأربع المقبلة"لكن ما هو شبه مؤكّد في سياسة "ترامب"أنه لن يخلف وعده في الحملة الانتخابية تجاه أربع قضايا، وهي قضايا حساسة.. إنه سينفذه تجاه الشرق الأوسط بالنسبة للسعودية ومحاربة الإرهاب  وإيران، وأيضاً تجاه  حلف الناتو. لأن هذه الأمور الأربعة لا تثير له أية مشكلة مع الداخل بل ربما تزيده شعبية أكثر، فالسعودية متهمة بأنها  أهم البؤر الأساسية ل "تفقيس"الإرهاب ،ولكن مهما كان الضغط فإن إيران بمسحة التاريخ والجغرافيا والمواقف الصلبة عقدة يصعب  على "دونالد ترامب"  تجاوزها من دون اتفاق مسبق معها، والناتو يشكل عبئاً ثقيلاً على الاقتصاد الأميركي 75 0/0 من ميزانيته تسدّدها أميركا، بيد أن الإرهاب كظاهرة عالمية هي في صلب سياسته. وسياسة أركانه في حين تبدو إيران العائق الأخطر في مسار السياسة الأميركية في المنطقة وإلى هذا يشير نائب رئيس "الدوما "في مقاله "المذكور أعلاه"بالقول (أما في الشرق الأوسط ومع تعزيز الجهود الروسية، فإن واقعاً سياسياً–عسكرياً جديداً قد يتشكّل بحلول الصيف، وسيكون على الولايات المتحدة وتركيا أخذه بعين الاعتبار، وقد تصبح ممكنة العودة إلى حوار جدّي بشأن محاربة الإرهاب في هذه المنطقة التي أرهقتها النزاعات) ويبدو ذلك جلياً من تعيين  الجنرال" ماتيس وزيراً للدفاع  و"المعروف باسم "الكلب المسعور"والذي له مواقف صريحة ناقدة بشدّة لسياسة إدارة الرئيس"باراك أوباما"الحالية تجاه الشرق الأوسط، وخاصة إيران، التي زعم من قبل أنها "أكبر تهديد مُحدق بالاستقرار والسلام في الشرق الأوسط". وقد سبق الأحداث الرئيس بوتين بما ورد في خطابه السنوي عن حال الأمة أمام البرلمان إذ ترك الباب مفتوحا للمصالحة مع أميركا "داعياً إلى تعاون مع واشنطن على أساس التكافؤ." ولكن في الوقت نفسه شدّد على أن روسيا ستواجه بقوة أيّ خرق للتكافؤ الاستراتيجي. بقوله "لا نريد المواجهة مع أي أحد  نحن نريد أصدقاء لكننا لن نسمح بانتهاك مصالحنا. التعاون بين روسيا والولايات المتحدة لحل القضايا الإقليمية والدولية في مصلحة العالم كله، وأية محاولة لضرب هذا التكافؤ الاستراتيجي ستكون لها نتائج كارثية على المستوى العالمي.. وما يؤكد رؤيتنا في التفاهم الممكن بين روسيا وأميركا هو تعيين الجنرال المتقاعد" مايك بومبيو (52 عاماً)،"والذي "اعتمد مواقف أكثر ليونة حيال روسيا والصين"ولكن بالتأكيد، هناك أمور داخلية في أميركا لاتخلو توجّهاتها مما يشهده العالم من تغيّرات.. فالنظام القديم لم يعد قادراً على أن يقاوم الإحباط الذي يعم الأغلبية في أميركا وخارجها كما لايمكن رد موجات العودة إلى الشعور الوطني وشعور يتنامى صوب الجذور الأساسية المكوّنة له... ولذلك فإن أميركا هي أيضاً على حافة الانفجار بالفوضى الخلاقة. إن لم يعالج الوضع الاجتماعي والاقتصادي فيها بجدية، وتزول منه رائحة الكراهية وسوء الإقصاء المُسلّط على الضعفاء. و"إن من يخشى حرية النقاش، سيكون من الخاسرين دائما"، بتعبير مكسيم شيفتشينكو.

بوتين يُشيد بذكاء ترامب

بوتين: محاولات خلق عالم أحاديّ القطب فشلت
أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأن الرئيس الأميركي المُنتخب دونالد ترامب سيتصرّف عند انتهاج سياساته استناداً إلى إدراكه للمسؤولية التي يتحمّلها بعد وصوله إلى البيت الأبيض. وذكر بوتين الأحد 4 ديسمبر/كانون الأول، أثناء مشاركته في برنامج "حصاد الأسبوع" في قناة "إن تي في" الروسية، أن إحراز ترامب نجاحات كبيرة كرجل أعمال يدلّ على ذكائه، ما يعني أنه سيُدرك قريباً مستوى المسؤولية التي تقع على عاتقه مع تولّيه زِمام الحُكم في الولايات المتحدة.

وأكّد الرئيس الروسي أن موسكو تنطلق من أن ترامب سيتصرّف كرئيسٍ للدولة استناداً إلى إدراكه لهذه المسؤولية.يذكر أن بوتين وترامب قد أجريا في الشهر المنصرم أول اتصال هاتفي بينهما، أكّدا خلاله ضرورة إخراج العلاقات الروسية الأميركية من الطريق المسدود الذي وصلت إليه أثناء فترة رئاسة باراك أوباما.


بوتين: محاولات خلق عالم أحاديّ القطب فشلت

وتطرّق الرئيس الروسي إلى مسائل السياسة الدولية، مؤكّداً أن محاولات خلق عالم أحادي القطب باءت بالفشل، بينما يُفضّل الكثير من شُركاء روسيا اليوم الاستناد عند اتّخاذ القرارات إلى قواعد القانون الدولي. وقال بوتين ردّاً على سؤال حول تجاهل الغرب لرأي روسيا وقصف الناتو ليوغسلافيا عام 1999 من دون تفويض أممي، قال: "الإجابة بسيطة جداً، ففي العالم الحديث، يسمع أولئك الذين يحاولون الصُراخ بأعلى صوتهم لكي يسمعهم الآخرون... الوضع يتغيّر، وأنا أعتقد أنه ليس سرّاً لأحد، الكل يرى أن الكثير من شركائنا يُفضّلون الاستعانة بمبادئ القانون الدولي، لأن التوازن في العالم يُستعاد تدريجيا".ً

وأضاف:"محاولات خلق عالم أحادي القطب لم تنجح، نحن بالفعل نعيش في بُعد آخر. لكننا، أعني في روسيا، التزمنا دائماً بوجهة النظر القائلة بأنه مع دفاعنا عن مصالحنا القومية، علينا أن نحترم مصالح الآخرين، هكذا نعتزم بناء علاقاتنا مع كل زملائ".

واستطرد بوتين في تصريحاته قائلاً إن يفغيني بريماكوف، رئيس الوزراء (1998-1999) ووزير الخارجية (1996-1998) الروسي السابق، تنبأ بالتداعيات الوخيمة التي جلبها ما يُسمّى بـ"الربيع العربي" لمنطقة الشرق الأوسط، غير أن روسيا حينئذ لم تكن قادرة على التأثير فعلاً على تطوّرات الأحداث في المنطقة.وقال بوتين:"أنا مقتنع بأنه لو أصغى (المجتمع الدولي إلى موقف بريماكوف) في ذلك الوقنت، لما تطوّرت الأوضاع بهذه الطريقة".

وأشار الرئيس الروسي إلى أن قدرات بلاده في تلك الفترة كانت مُحدودة، وذلك لم يتح لها التأثير على سير الأمور في المنطقة، وخاصة أن اللاعبين الرئيسيين على الصعيد الدولي كانوا يفضّلون في ذلك الوقت عدم الاعتماد على معايير القانون الدولي، منطلقين من مصالحهم الجيوسياسية.

يُذكر أن يفغيني بريماكوف (1929-2015)، المُستعرِب من خريجي معهد موسكو للدراسات الشرقية، كان يحظى ببالغ الاحترام عند زملائه ومعارفه في منطقة الشرق الأوسط والعالم كله، إذ أكّد دائماً أن نموذج النظام العالمي أحادي القطب غير قابل للحياة، وتنبّأ بظهور أقطاب جديدة، بما في ذلك مجموعة "بريكس".