لبنان يحطم أرقام غينيس مجددًا .. "أكبر جورة" !

مشكل عدة يعاني منها الشعب اللبناني لا تقتصر على الطرقات غير المؤهلة، بل يبدع مجلس النواب في هذا البلد بزيادة الضرائب تعويضاً لزيادة الرواتب.

مجلس النواب اللبناني أقر زيادة على الرواتب وعوّضها من خلال زيادة الضرائب
موضوعنا هذه المرة شأن لبناني داخلي بحت، ولكن لا ضير في أن يتعرّف القرّاء العرب على "لايف ستايلنا" كشعب ودولة "مودرن"، ناهيك عن أنكم ستكتشفون في نهاية هذا المقال أنكم معنيون مباشرة بالموضوع. ففي لبنان أعزائي، تُعتبر الحفريات جزءاً من التراث الوطني وفرعاً من فروع الأمن القومي. ولمزيد من التوضيح، يسرّني أن أنقل لكم أن دولتنا الكريمة بسلطاتها المحلية تملأ شوارعنا بالحفر صيفاً وشتاءً. وعلى الرغم من تغلغل هذه الظاهرة عميقاً في الوجدان اللبناني، إلا ان أحداً لم يجزم يوماً بأصلها، إذ يدور نقاش بين مكونّات المجتمع من أحزاب وطوائف وهيئات مدنية حول منشأ الحفر، وتتعدد النظريات. البعض يقول إنها آثار قديمة من زمن الحرب الأهلية. والبعض الأخر يؤكد أنها أفخاخ وخنادق مبتكرة لمواجهة دبابات العدو. في حين يناقش خبراء استراتيجيون في أن الحفريات هي أداة لتنشيط عجلة الإقتصاد المحلي عبر استهداف قطاع السيارات وسوق قِطَعها وتعزيز دور أخصائيي الميكانيك في البلاد عموماً. ولا يقتصر أثر الحفريات على البعد الاقتصادي، إذ تمتدّ جذوره في الثقافة اللبنانية، حيث يستخدم اللبنانيون مصطلح "الجورة" للدلالة على الحفرة. ومن هذه المفردة اشتقت عبارة "جابو جورة"؛ أي أوقعه في الحفرة. مناسبة حديثنا عن "الجورة" وأخواتها هو إتفاق زعماء لبنان – أطال الله بقاءهم .. على قلوبنا – على إقرار زيادات مالية مستحقة للقطاع العام. وقد يقول مراقب عربي " يا له من بلد رائع. إذ يولي فيه الحكّام أولوية لمصالح الشعب بالرغم من الصعوبات والمشاكل. سويسرا الشرق فعلا". وقد يُردف مواطن مصري "مش أحسن ما تكونوا زي سوريا والعراق !". ولكن سرعان ما ستتحطم النظريات حين تعلمون أنّ الدولة اجتمعت في اليوم الأول لإقرار الزيادة على الرواتب، ومن ثم نامت واستيقظت لتقرّ ضرائب جديدة تموّل الزيادة التي اقرّتها قبل أقل من 24 ساعة. بعبارة أخرى: "الدولة في لبنان جابتنا جورة" بالفعل. هذا الحال يذكرّني بحادثة نقلها لي أحد الزملاء الذي كان يشغل منصب مراسل في قناة تلفزيونية محلية، إذ استدعاه مدير الموارد البشرية ليبلغه بأن الإدارة قررت زيادة مبلغ 50 ألف ليرة لبنانية (أي ما يعادل 33 دولار أميركي) على راتبه الشهري، إلا أن هذه الزيادة لن تكون ملحوظة ولن يشعر بها الآن! وبعد الإستفسار ومحاولة فهم الزيادة السحرية هذه، خرج المراسل سعيداً من مكتب المدير بأنه حصل على زيادة في الراتب.. غير منظورة ! وقد تبينّ لاحقاً أن الإدارة الكريمة قامت بعملية حسابية معقدة – لا يدرك كنهها أصحاب العقول الصغيرة – بالاستناد إلى أساليب مالية تلجأ إليها الشركات والمؤسسات في لبنان للتهرب الضريبي. المهم، وبما أننا كنا السبّاقين إلى توريد كل إبتكار عظيم للعالم العربي من "التبولة" وحتى "الكبّة النية"، فإنّ الشعوب العربية مدعوة لأخذ أقصى درجات الحيطة والحذر. من يعلم؟ قد تقرر حكوماتكم أنتم أيضاً أن تزيد رواتبكم ..من حسابكم!