حول تيران وصنافير .. مازال في الأمر بقيّة
لحين فصل المحكمة في قضية تيران وصنافير يظلّ الجدل محتدماً حولها، بين المعارضين وهم الأغلبية الشعبية، والمؤيّدين وهم أكثرية برلمانية ولكنها أقليّة شعبية، وهنا مكمن الخطر، فرغم أن معظم المصريين لم يسمعوا عن الجزيرتين إلا بعد إعلان الاتفاق، إلا أن حساً وطنياً جارفاً لديهم يمنعهم من مجرّد التفكير في إنزال علم مصر من فوق أرض حكمتها لعقود ولقرون سابقة قبل ولادة الدولة السعودية.

لكن تبقى خطوة مهمة وهي التي سيقوم فريق الدفاع بها خلال المرحلة القريبة القادمة، وهي الاحتكام للمحكمة الدستورية العليا، وقرارها ينقض أي قرار رئاسي أو برلماني، وهي الوحيدة المنوط بها تفسير القوانين ومدى اتفاقها مع المواد الدستورية، ومن الممكن أن تُبطل المحكمة الاتفاقية كلها، ومن الممكن أن تدعو لاستفتاء شعبي عام عليها، وفي كلا الأمرين مازال الطريق في منتصفه، ولا يمكن التنبّؤ بما يأتي به الغد، لأن المحكمة الدستورية العليا، هي المحطّة الأخيرة في ملف الاتفاقية بين مصر والسعودية، وأن حكمها سيكون نهائياً وباتاً وواجب النفاذ، ولا يجوز لمجلس النواب مناقشة الاتفاقية حال إقرار المحكمة بمصريّة الجزيرتين.فلننتظر.
ولحين فصل المحكمة في القضية يظلّ الجدل محتدماً حولها، بين المعارضين وهم الأغلبية الشعبية، والمؤيّدين وهم أكثرية برلمانية ولكنها أقليّة شعبية، وهنا مكمن الخطر، فرغم أن معظم المصريين لم يسمعوا عن الجزيرتين إلا بعد إعلان الاتفاق، إلا أن حساً وطنياً جارفاً لديهم يمنعهم من مجرّد التفكير في إنزال علم مصر من فوق أرض حكمتها لعقود ولقرون سابقة قبل ولادة الدولة السعودية.
ولو عدنا للتاريخ القريب أو البعيد لوجدنا أن مصر هي التي حكمت الحجاز سياسياً فعلياً منذ عهد أحمد بن طولون ثم العهود الاخشيدية والفاطمية والأيوبيّة المملوكية، فقد كانت تلك الدول تحكم مصر والشام والحجاز واليمن، فكان لها الإشراف السياسي، وتركت ولاية مكّة المكّرمة والمدينة المنوّرة للإشراف الروحي لأهل بيت النبي الحسنيين والحسينيين، وحتى بعد الاحتلال العثماني ظلّت مصر تشرف روحياً على الحجاز، وكان المحمل المصري يتكوّن من قافلة تشمل كسوة الكعبة ومعها بعثة طبية ومواد غذائية، ظلّت طوال ألف عام تُرسل من مصر للحجاز، حتى قام الوهّابيون عام 1926 بالاعتداء على القافلة، ومنذ ذاك التاريخ امتنعت مصر عن إرسال القافلة، كما قام الوهّابيون بمنع الشيوخ غير الوهّابيين من الخطابة في الحرمين الشريفين، واستمرت الحال على ما هي عليه إلى يومنا هذا، فانتشر الفكر الوهّابي التكفيري، وأنجب داعش وبوكو حرام والقاعدة وأنصار بيت المقدس وغيرها من الحركات التكفيرية الدموية، وكلها من أفكار الوهّابية.
كما لا ننسى أن السياسة السعودية مرتبطة في الأصل والأساس بالدوائر الصهيونية والاستعمارية منذ عقد الملك عبد العزيز اتفاقية "دارين" عام 1915 مع الدولة البريطانية، والتي تحمي الأسرة من الخارج من خلال بريطانيا العظمى، وورثت الولايات المتحدة بريطانيا في حماية الأسرة الملكية، النفط مقابل الحماية، ثم المال السائل مقابل الحفاظ على الحكم، وهو ما يفسّر قيام الأسرة السعودية بدفع ما يقرب من 500 مليار دولار للرئيس الأميركي دونالد ترامب، مقابل حماية العرش السعودي، ثم يأتي تسلّم السعودية جزيرتين في موقع أكثر من حساس في مدخل خليج العقبة، ومَن يدري ربما تسلّمهما السعودية لأميركا أو للكيان الصهيوني، وهو الخطر الذي يتحدّث عنه الجميع، فما زال عندنا أمل في المحكمة الدستورية العليا، وكذلك في القضاء الإداري.