"مصر كريمة ... ولبنان يستاهل"

البدائل المتوافرة من مصر هي الأنسب من حيث التوريد والتشغيل، خصوصاً أن جزءاً كبيراً منها من الممكن أن يتم تقديمه مجاناً من دون أية عقود، وهي بدائل تحقّق في الوقت الحالي الحد الأدنى من مُتطلبات الجيش اللبناني من دون الدخول في متاهات الوضع السياسي والضغوط الخارجية.

من زيارة رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري والوزير نهاد المشنوق إلى مصر
"مصر كريمة .. ولبنان يستاهل"، كان هذا هو تعليق وزير الداخلية اللبناني نهاد المشنوق على سؤال وجّه إليه خلال زيارته إلى القاهرة في نوفمبر 2014، حول إمكانية تسليح مصر للقوى الأمنية اللبنانية. منذ هذا التوقيت بدأت في التبلور ملامح توجّه لبناني نحو مصر للتزوّد بالأسلحة والذخائر، على ضوء التطوّرات التي طرأت على عروض التسليح الإيرانية والروسية والسعودية التي تم طرحها على لبنان خلال السنوات الماضية. فما هو الدور الذي يمكن أن تلعبه القاهرة في هذا الصدَد، وما هو مصير عروض التسليح الأخرى؟

قبل تناول ما يمكن أن تقدّمه مصر للجيش والقوى الأمنية في لبنان، لا بدّ أولاً من أن نلقي نظرة فاحصة على مصير ما تم عرضه من روسيا وإيران والسعودية من أسلحة وذخائر على الجيش اللبناني، وهي العروض التي باتت في حُكم المُجمّدة حالياً لأسباب تتعدّد خلفيّاتها.

كانت الهِبات العسكرية التي أعلنت عنها السعودية إلى لبنان خلال عامي 2013 و2014 بمجموع أربعة مليارات دولار، العرض الأكبر والأهم على المستوي التسليحي بالنسبة للجيش اللبناني خلال السنوات الماضية، لكن هذه الهِبات تم تجميدها تدريجاً بداية من أيار/مايو 2015 وحتى التجميد التام في شباط/فبراير 2016. كان الجزء الأكبر من هذه الهِبات "3 مليار دولار" مخصّصاً لشراء وتمويل أسلحة وأعتدة عسكرية فرنسية وأميركية الصُنع ضمن عقد ضخم تم توقيعه في تشرين الثاني/نوفمبر 2014.

إشتمل العقد على قائمة كبيرة من الأسلحة والمنظومات المتنوّعة، منها 6 طائرات تدريب متقدم وهجوم أرضي من نوع "توكانو"، وسبع مروحيّات هجومية خفيفة فرنسية الصُنع من نوع غازيل، وثلاثة زوارق دورية سريعة من نوع Combattante fs56، و24 مدفع Caesar من عيار 155مللي، ومائة عربة استطلاع مدرّعة خفيفة من نوع Sherba، و130 ناقلة جُند مدرّعة من نوع VAB-VIT وعدّة وحدات رادار ذاتية الحركة من نوع Cobra. بجانب أسلحة فردية وذخائر خفيفة ومتوسّطة وقواذف مُضادّة للدروع، وقاذفات قنابل يدوية وأجهزة للرؤية الليلية وعقود فرعية للصيانة والتدريب.

كان المسار الزمني المُفترض لإتمام هذه البنود يبدأ من منتصف 2015 وينتهي عام 2023. لكن لم يتم تسليم أي من هذه الأسلحة إلى الجيش اللبناني، بعد تحويل كامل بنود العقد ليصبح خاصاً بتسليح الجيش السعودي، واقتصر ما تم تسليمه للجيش اللبناني من هذا العقد على 48 صاروخ"ميلان" مضاد للدروع في نيسان/أبريل 2015 بقيمة 600 مليون دولار. عاد الحديث عن فك تجميد الهِبات السعودية بعد زيارة الرئيس اللبناني ميشال عون إلى الرياض في آذار/مارس الماضي، لكن حتى الآن لا توجد أية مؤشّرات على تطوّر في هذا الإطار، خصوصاً أن السعودية ستتسلّم في الشهور المقبلة الدفعات الأولى من الأسلحة التي تم الاتفاق عليها في العقد مع فرنسا.

يقع العرضان الإيراني والروسي لتسليح الجيش اللبناني في نفس الخانة التي يقع فيها العرض السعودي، فالهِبة الروسية والتي توقّف الحديث عنها تماماً عام 2008 ، واشتملت حينها على 6 مروحيات قتالية من نوع مي24 و33 دبابة قتال من نوع تي72 وصواريخ كورنيت المضادّة للدروع وذخائر متنوّعة، كانت مثالية للجيش اللبناني وتم تعطيلها مرتين بسبب عدم التوافق الحكومي، عاد لبنان إلى محاولة إعادة تفعيل هذه الهِبة مرة أخري منذ تموز/يوليو 2016، لكن حتى الآن لم يحدث أي تقدّم في هذا الصدد، كذلك الوضع بالنسبة للهِبة الإيرانية التي توقّف الحديث عنها تماماً عام 2014، وكانت تشتمل على ذخائر متنوّعة للدبابات والمدفعية وصواريخ طوفان الإيرانية المضادّة للدروع ومدافع هاون.

برغم هذا الواقع، إلا أن الجيش اللبناني تسلّم خلال الفترة الماضية مجموعة من الأسلحة والمنظومات المهمّة، ففي شهر آذار/مارس الماضي تسلّم الجيش اللبناني الدفعة الثانية من العقد الذي وقّعه في ديسمبر 2014 مع إيطاليا بقيمة 30 مليون يورو لشراء نحو 80 عربة مدرعة متنوعة لصالحه وصالح قوى الأمن الداخلي، على رأسها ناقلة الجنود المدرّعة VBTP-GUARANI التي يتم تجميعها في البرازيل، الدفعة الثانية اشتملت على 10 مدرّعات من هذا النوع، وتشتمل الصفقة أيضاً على أنواع أخري منها عربات LINCE والمدرّعات المقاوِمة للألغام MPV. في نفس الشهر سلّمت هولندا إلى الجيش اللبناني 20 عربة إسعاف عسكرية.

وفي عام 2015 تسلّم الجيش اللبناني من الأردن 30 ناقلة جُند أميركية من نوع M113 بجانب 12مدفع هاوتزر ذاتي الحركة من نوع M109 عيار 155 مللم. وفي العام الماضي استمرّت المساعدات العسكرية الأميركية إلى الجيش اللبناني والتي بلغت نحو 220 مليون دولار عام 2016، كانت أهم دفعات هذه المساعدات دفعة وصلت في شهر أغسطس الماضي، واشتملت على 50 عربة جيب "هامفي" و40 مدفع ميدان من عيار 155 مللم وذخائر خفيفة ومتوسّطة.

سلاح الجو اللبناني كان له حصة في الواردات التسليحية إلى لبنان، ففي ديسمبر الماضي تسلّم الطائرة الثالثة من نوع Cessna 208 الأميركية الصُنع، والتي تم تعديلها لتستطيع إطلاق الصواريخ الموجّهة بالليزر AGM-114 ضمن صفقة موّلتها الولايات المتحدة تبلغ قيمتها 30 مليون دولار. يقترب سلاح الجو اللبناني أيضاً من تسلّم ست طائرات للهجوم الأرضي من نوع EMB-314 SUPER TUCANO برازيلية الصنع، والتي تم توقيع عقد توريدها عام2014 وكان من المفترض أن يتم تمويله من هِبة المليار دولار السعودية، إلا أن تجميدها جعل تمويل الصفقة ينتقل إلى وزارة الدفاع الأميركية. في مارس الماضي بدأت طلعات التدريب للطيّارين اللبنانيين في قاعدة موري الجوية الأميركية. وحسب تصريحات وزير الدفاع البرازيلي فإنه يتوقّع وصول طائرتين من هذا النوع إلى لبنان في أكتوبر القادم والأربعة المتبقية العام المقبل، وأعلنت البرازيل أنها ستقدّم مع هذه الصفقة 16 مدرّعة كهدية للجيش اللبناني.

ماذا يمكن أن تقدّمه مصر تسليحياً للبنان؟

الحديث اللبناني عن دور مُحتمل لمصر في تسليح الجيش وقوى الأمن الداخلي، بدأ فعلياً خلال زيارة وزير الداخلية اللبناني نهاد المشنوق إلى القاهرة في نوفمبر 2014، أتبع الوزير اللبناني هذه الزيارة بزيارتين مُتعاقبتين في فبراير ومارس الماضيين تحدّث فيهما عن طلب تم تقديمه لمصر لتدريب ضباط الشرطة اللبنانية. تم تناول هذا الموضوع خلال زيارة الرئيس اللبناني ميشيل عون إلى القاهرة في مارس الماضي، والتي فيها عبّر الرئيس المصري عن استعداد بلاده لدعم وتسليح الجيش اللبناني، كما صدرت عن رئيس الوزراء اللبناني خلال نفس الشهر تصريحات حول طلبه من مصر تدريب الضبّاط اللبنانيين في المعاهد  العسكرية المصرية وترحيب الرئيس المصري بذلك.

لكن كانت زيارة قائد القوة الجوية اللبنانية إلى القاهرة في ديسمبر 2016 هي الأكثر أهمية في ما يتعلق ببحث التسليح المصري للبنان، فسلاح الجو اللبناني هو الفرع الأكثر ضعفاً في الجيش اللبناني، ويفتقر إلى المُقاتلات الاعتراضية التي لا يمتلك منها سوى ثلاث مُقاتلات بريطانية عتيقة من نوع "هوكر هنتر".

التفاوض مع مصر حسب المعلومات المتوافرة تركّز على المُقاتلات الفرنسية ميراج5 والتي يمتلك سلاح الجو المصري منها 82 مقاتلة مطوّرة إلى المعيار حورس، ويتوقّع أن تخرج من الخدمة خلال السنوات الثلاث القادمة مع بدء وصول المقاتلات الروسيةة ميج35. تُعدّ الميراج5 المصرية هي الخيار الأقرب والأنسب للبنان نظراً لتشغيل القوات الجوية اللبنانية للطراز السابق لها ميراج3 خلال ستينات القرن الماضي بعدد 12 مقاتلة. بالنسبة لطائرات التدريب يُعاني سلاح الجو اللبناني من قلّة ما يتوافر له منن وسائط للتدريب، حيث تقتصر طائرات التدريب ذات الجناح الثابت المتوافرة لديه على طائرة واحدة من نوع "هوكر هنتر" بجانب ثلاث طائرات بريطانية قديمة من نوع Scottish bulldog. تصنع مصر بترخيص من الصين وفرنسا طائرتي التدريب المتقدّم K-8 وAlpha jet، وتُعدّ الأخيرة هي الأقرب للدخول إلى الخدمة في سلاح الجو اللبناني، نظراً لأن مصر تخطّط لإخراج هذا النوع من الخدمة واستبداله بأنواع أخرى يتم الاختيار بينها وعلى رأسها الروسية Yak-130 والبريطانية Hawk، وتتميّز طائرات الألفا جيت فرنسية الأصل بالقدرة على حمل تشكيلة معقولة من الذخائر بجانب وظيفتها كطائرة تدريب متقدّم ممتازة.

بالنسبة للمروحيات، يشغل سلاح الجو اللبناني عدد معقول من المروحيات القتالية والخاصة بالنقل والإنقاذ، لكن تبقى المروحيات القتالية المتوافرة له قليلة جداً حيث يبلغ عددها سبع مروحيات فرنسية من نوع SA-342، وبسبب هذا قام سلاح الجو اللبناني في معارك سابقة مثل معارك مخيّم نهر البارد عام 2007 بتعديل بعض من مروحيات النقل المتوافرة لديه من نوعي SA-330 PUMA وUH-1 لتحمل قنابل وحاويات صواريخ حرّة التوجيه. يخطّط سلاح الجو المصري لإخراج المروحيات المُقاتلة من نوعع SA-342 من الخدمة بمجرّد بدء استلام أولى دفعات المروحيات الروسية المقاتلة KA-52، والتي تعاقدت مصر مع روسيا علىى شراء 46 مروحية منها، وفي هذه الحال قد تكون المروحيات الفرنسية الخارجة من الخدمة في مصر إضافة ممتازة للأعداد الموجودة فعلاً في لبنان حيث تمتلك مصر حوالى مائة مروحية من هذا النوع.

أما في ما يتعلّق بالطائرات من دون طيّار، يمتلك سلاح الجو اللبناني 12 طائرة أميركية من نوع RQ-11، وقد بحث قائد سلاح الجو اللبناني أثناء زيارته إلى مصر في أمكانية تزوّد بلاده بأنواع من الطائرات من دون طيّار التي تصنعها الهيئة العربية للتصنيع بترخيص من الصين ومنها الطائرة ASN-209.

لا تقتصر الإمكانيات التي من الممكن أن تقدّمها مصر للجيش اللبناني على سلاح الجو، فقد تباحث الجانبان خلال الشهور الأخيرة حول وسائط الدفاع الجوي التي يحتاجها لبنان، للحماية ضدّ نشاط المروحيات والطائرات على الارتفاعات المُنخفضة كأولوية أولى، شملت المباحثات عدداً من الأنظمة مصرية الصُنع مثل منظومتي أمون وسيناء-23 وقواذف عين الصقر الكتفية المُضادّةة للطائرات. كما شملت المُباحثات تجهيزات للقوات البرية منها الدبابات المصرية المطوّرة من نوعي تي55 و62 الروسية ودباباتت أم60 الأميركية، بجانب ناقلات الجنود التي تُصنع في مصانع الهيئة العربية للتصنيع مثل الناقلة فهد-280 وتمساح1 و2.

نستخلص مما سبق أن الجيش اللبناني حالياً وفي ظلّ التحّدّيات التي يواجهها في عدّة مناطق لبنانية على رأسها جرود عرسال وجرود رأس بعلبك، يحتاج إلى تدعيم سلاحه الجوي بما يضمن تفوقاً ملموساً على مستوي عمليات القصف الأرضي، وفي نفس الوقت حماية الأجواء اللبنانية قدر الإمكان سواء عن طريق الدوريات الجوية أو عمليات المراقبة بالطائرات من دون طيّار، البدائل المتوافرة من مصر هي الأنسب من حيث التوريد والتشغيل، خصوصاً أن جزءاً كبيراً منها من الممكن أن يتم تقديمه مجاناً من دون أية عقود، وهي بدائل تحقّق في الوقت الحالي الحد الأدنى من مُتطلبات الجيش اللبناني من دون الدخول في متاهات الوضع السياسي والضغوط الخارجية. الجيش اللبناني يحتاج إلى تدعيم قواه نظراً لاقتراب ساعة المواجهة مع جبهة النصرة والتنظيمات التكفيرية في شمال وشمال شرق البلاد، ولعلّ أكبر دليل على اقترابها التدفّق الملحوظ في المساعدات العسكرية الأميركية خلال هذا الأسبوع، حيث وصلت على دفعتين كميات من الذخائر والتجهيزات العسكرية إلى مطار رياق العسكري، الذي على ما يبدو يتم تجهيزه ليكون قاعدة إدارة المعركة المُنتظرة، وهي معركة لن تكون سهلة في ظلّ الوضع التسليحي الحالي للجيش اللبناني، خصوصاً على مستوى سلاح الجو الذي ينفّذ أكثر مما يستطيعه فعلياً من مهام بفعالية معقولة.